المهرجانات العربية تطبق شعار «التكريم لمن حضر»!

من لم يحصل على جائزة يرفع يده!

TT

الصدفة ليست في كل مرة خيرا من ألف ميعاد، ولكنها هذه المرة بالتأكيد تحمل تناقضا بين مهرجانين تناولا المسلسلات التلفزيونية، واحد في المملكة الأردنية والثاني في الولايات المتحدة الأميركية.. المهرجانان أعلنت جوائزها في نفس التوقيت، إنها جوائز «إيمي» الدورة رقم 63 التي تعد بمثابة الأوسكار في التلفزيون الأميركي وتحظى باهتمام ومتابعة الملايين من المشاهدين، والأهم من ذلك أنها تحاط بتقدير كل الفنانين للقيمة الأدبية للجائزة التي تحتل مكانة خاصة في أرشيف هؤلاء النجوم. ومن الذين حصلوا عليها هذا العام النجمة كيت ونسليت والمخرج مارتن سكورسيزي، بينما ما حدث في الأسبوع الماضي في العاصمة الأردنية عمان هو فقط مجرد تجميع لأكبر عدد من النجوم الذين شاهدناهم في رمضان، وكل من حضر حتى لو لم يكن له عمل فني في رمضان أو شوال كان من نصيبه تكريم. ولم تغفل إدارة المهرجان الصحافيين الذين تابعوا الأحداث، فحصلوا على جوائز، لأن الهدف هو أن يمنحوا مساحات لتغطية الحدث على صفحات جرائدهم وبرامجهم، الذي هو في الواقع ليس حدثا.. المهرجان يقيمه للعام الخامس على التوالي اتحاد المنتجين العرب، حيث رفع شعار «الجائزة لمن حضر» أصبح هذا هو الهدف المنشود، ولأنه عن الأعمال التلفزيونية فلقد حضر نجوم رمضان في الأعمال المصرية وتسلموا الجوائز مثل فيفي عبده، وسمية الخشاب، ولوسي، وعمرو سعد، ومحمود قابيل، وأمل رزق، والمذيعة بوسي شلبي. ولم يحضر أغلب النجوم العرب باستثناء النجمة السورية سوزان نجم الدين، وإن كان هذا لم يمنع عددا من النجوم اللبنانيين بإعلان الغضب لأنهم لم يحصلوا على تكريم، وإن كنت أرى أن عدم التكريم في مثل هذه المهرجانات والتجمعات التي لا ترى فيها سوى الزحام هو أفضل تكريم يحصل عليه الفنان!! لقد قال المسؤول عن هذا المهرجان أو المهزلة قبل نهاية حفل توزيع التكريمات بعد أن أمسك بالميكرفون: «اللي ما سمعش اسمه يطلع على المسرح ليحصل على جائزة». والحقيقة أن ما رأيناه في عمان ليس هو الاستثناء، ولكنه مع الأسف يشكل الجزء الأكبر في الصورة.. قبل أيام قلائل في مصر كانوا يوزعون جوائز أوسكار الفيديو كليب وحرصوا على إرضاء كل الأطياف، وتعودت نفس هذه الجمعية واسمها جمعية «فن السينما» أن تنتقل من أوسكار السينما الذي تقيمه سنويا إلى أوسكار الفيديو كليب لكي تواصل التحرك طبقا للموضة الحالية بعد انتشار الفيديو كليب، ولا يجوز أن تسأل عن علاقة جمعية سينمائية بالفيديو والأغنية.. إنها الموالد التي صارت تشغل الحيز الأكبر من مهرجاناتنا العربية التي تتحول في نهاية المطاف إلى مولد للجوائز.. في العام الماضي أقيم في الإسكندرية نفس المهرجان تحت عنوان مهرجان «أوسكار الفيديو كليب الدولي» الذي يحمل رقم 11. لو تتبعت الصور المنشورة لافتتاح المهرجان ستكتشف أن كل من لبى دعوة الحضور حصل على جائزة، وكأن الصفقة هي جائزة لكل من يحضر.. «رشة جريئة» حتى لا يخرج أحد غاضبا!! ربما نسأل: ما شعور الفنان عندما يحصل على جائزة هو أول من يعلم أنه لا يستحقها؟! لو سألتني عن الشعور لا أعتقد أن الفنان يسأل نفسه مثل هذه الأسئلة لأنه لن يعنيه إلا أن يصعد على خشبة المسرح ويمسك بين يديه التمثال وأن تلتقط له القنوات المصرية والعربية أرضية أو فضائية تلك اللحظة وهو يرفع في الهواء تمثال الجائزة أو حتى شهادة التقدير التي حصل عليها، وأن يجري معه المذيعون والمذيعات مجموعة حوارات يعرف الجميع من خلالها أنه بالفعل هو الذي اقتنص الجائزة وأنه الأول، وبعدها ينتقل هذا الحدث إلى الإنترنت لتراه على الموقع الخاص بالفنان!! بعد ذلك وكالعادة قد تكشف بعض الجرائد وعدد من البرامج التلفزيونية حقيقة ما حدث وأن الأمر لم يعدُ كونه جوائز وشهادات فاقدة المصداقية، وتبدأ في الكتابة والفضح، بينما يلعب الآخرون في عدد أكبر من الجرائد والمجلات والفضائيات دور المحلل الشرعي، وتضيع الحقيقية.. النجوم في العادة لا يعنيهم سوى ما يتبقى في ذاكرة الناس ليصبح أشبه بلقطة ثابتة، هي أن النجم الذي رأت الناس صورته في أجهزة الإعلام المختلفة مقروءة ومرئية ومسموعة وهو يحتضن بكل فخر وسعادة الجائزة..

النجوم لدينا لهم أسلحتهم المتعددة في الحصول على الجائزة، كثيرا ما يمارسون الضغوط من أجل ضمان أن تأتي إليهم الجائزة.. تاريخنا الفني مع الجوائز حافل بالعشرات من التلاعبات المماثلة مع اختلاف أسلوب اللعب.. مثلا مهرجان الإسكندرية قبل 23 عاما تم إلغاء جائزة أحسن ممثلة دور أول لميرفت أمين عن فيلم «الأراجوز» الذي شاركت بطولته مع عمر الشريف وذهبت الجائزة إلى إلهام شاهين عن فيلم «أيام الغضب»، لأن هناك من مارس ضغوطا على الجمعية التي تقيم مهرجان الإسكندرية، وبناء عليه تم تغيير الجائزة في اللحظات الأخيرة.. إلهام نفسها شربت من نفس الكأس بعد ذلك بخمسة أعوام عندما حصلت على جائزة أفضل ممثلة من المهرجان القومي للسينما المصرية عن دورها في فيلم «يا دنيا يا غرامي»، ثم ذهبت الجائزة في اللحظات الأخيرة إلى ليلى علوي التي شاركتها بطولة نفس الفيلم، لأن هناك كالعادة من مارس ضغوطا لكي تنتقل وقتها الجائزة من إلهام إلى ليلى!! نبيلة عبيد قبل ما يزيد عن 12 عاما تم تزوير نتائج مهرجان الإذاعة والتلفزيون المصري من أجل أن تحصل على جائزة عن دورها في فيلم «امرأة تحت المراقبة»، وعندما كشفت الصحافة هذا التلاعب قالت نبيلة: «ما ذنبي؟ أنا لم أزوّر أي نتائج، المهرجان هو الذي يتحمل المسؤولية»..

قبل أكثر من عامين أرادت إحدى قنوات التلفزيون الجديدة أن تجامل نبيلة عبيد وتمنحها جائزة عن مسلسلها «البوابة الثانية»، فاخترعوا جائزة أفضل ممثلة تتناول قضية عربية في عمل درامي رغم ضعف مستوى المسلسل..

المخرجان داود عبد السيد وعلي بدرخان، وكانا عضوين في لجنة تحكيم مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي قبل عشرين عاما، فضحا التزوير في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي، وقد علا صوت داود وبدرخان أثناء توزيع الجوائز، وصعدا على المسرح قائلين: «باطل.. باطل» عندما غيرت إدارة المهرجان أسماء الفائزين في الجوائز.. ولا نزال حتى الآن نردد مع داود وبدرخان: «باطل.. باطل».. بينما عدد كبير من النجوم والنجمات لا يزالون يحتضنون حتى الآن بسعادة بالغة جوائزهم الزائفة!! أحيانا تلعب السياسة دورها.. البعض يحسبها هكذا.. مثلا في مهرجان الإذاعة والتلفزيون قبل ثلاثة أعوام أرادت إدارة المهرجان أن تمنح لمصر قسطا أكبر من الجوائز بعد أن انتهت لجنة تحكيم الدراما من منح جائزة أفضل ممثل إلى تيم الحسن عن دوره في مسلسل «الملك فاروق»، وحصل يحيى الفخراني على الجائزة الثانية الفضية عن دوره في «يتربى في عزو»، كما أن كريمة مختار حصلت على جائزة أفضل ممثلة عن دورها «ماما نونة» في نفس المسلسل، بينما يسرا منحوها الجائزة الفضية عن مسلسل «أحلام عادية». تداخلت السياسة والمنافع الشخصية، قالوا بما أن المهرجان يعقد في القاهرة فلا يجوز أن تخرج مصر بلا رصيد أكبر، وبالفعل تم منح الجائزة مناصفة بين يحيى وتيم، أما مع يسرا فلقد رأت إدارة المهرجان أنها لن تقبل الجائزة الفضية فمنحوها الجائزة الذهبية مناصفة مع كريمة مختار، ضاربين عرض الحائط بلائحة المهرجان التي تمنع المناصفة في الجوائز!! الجوائز والتكريمات الممنوحة في العالم العربي للفنانين تتأثر بالتوجه السياسي، مثلا المخرج الجزائري الكبير أحمد راشدي كان مكرما في مهرجان القاهرة قبل عامين، وفي حفل الختام تم إلغاء التكريم، وذلك بعد أن حدثت واقعة المعركة الكروية في أم درمان بين فريقي الكرة المصري والجزائري، وتحول المهرجان السينمائي الثقافي إلى ساحة لتصفية الحسابات، بل حرصت إدارة المهرجان على منع أي جائزة يُذكر فيها اسم الجزائر، بل سرت حالة هستيرية بين النجوم، كل منهم يصرح بأنه سوف يعيد الجائزة التي حصل عليها قبل سنوات إلى السفارة الجزائرية بالقاهرة.