خالد يوسف لـ «الشرق الأوسط»: أعمل حاليا على سيناريو مقتبس من رواية «أولاد حارتنا»

قال إن المجلس العسكري أقدم على سلسلة من الأخطاء في إدارة المرحلة الانتقالية.. والجنزوري وطني لكنه جاء في الوقت الخطأ

TT

بدأ المخرج السينمائي المصري خالد يوسف الإعداد لفيلم جديد مقتبس عن رواية «أولاد حارتنا»، للروائي العالمي نجيب محفوظ صاحب «نوبل» للآداب. ويعكس هذا الاختيار لرواية أثارت جدلا كبيرا ذهنية وتوجهات المخرج الذي درس الفن في مدرسة يوسف شاهين، فروح المشاغب الثوري التي تسكنه أبت إلا أن يكون في الصفوف الأمامية في معركة حرية الفن ضد جماعات طفت على سطح المشهد السياسي في مصر.

وفي حواره مع «الشرق الأوسط»، تحدث يوسف عن مشروعه السينمائي القادم، وآفاق مستقبل الفن في مصر في ظل وصول أحزاب إسلامية إلى السلطة، وقال إن من يتصور أنه قادر على تغيير الشعب المصري واهم. ولم يكتف يوسف بممارسة حقه في الإبداع، بل دعا إلى إنشاء كيان فني بمعهد الفنون المسرحية وصفه بـ«حائط الصد الأخير ضد تقييد الحريات»، مطالبا بأن يتضمن الدستور القادم الحق في حرية الإبداع والتعبير.

واتهم المخرج الثوري الذي كان حاضرا بقوة في ثورة 25 يناير (كانون الثاني) بعض نجوم السينما المصرية بضيق الأفق، قائلا إن بعضهم يرفضون العمل معه لأنهم يرغبون في أن يكون العمل باسمهم هم، لا أن يقول الجمهور إنه ذاهب لمشاهدة فيلم لـ«خالد يوسف».

وبجرأته تحدث خالد يوسف عن رأيه في إدارة المجلس العسكري الحاكم في مصر للمرحلة الانتقالية، وتقييمه لرئيس حكومة الإنقاذ الوطني، وأعرب عن أن موضوعات أفلامه القادمة ستكون مختلفة عما قدمه من قبل، مشيرا إلى أنه سوف يعلن اعتزاله على الفور إذا لم يكن يملك جديدا لتقديمه.. وفي ما يلي نص الحوار:

* ما هي رؤيتك لمستقبل الفن بعد وصول الإسلاميين للحكم؟

- واهم كل من يعتقد أن هذه التيارات قادرة على تغيير الشعب المصري. لن يحدث شيء من هذا على الإطلاق، لسبب بسيط هو أن الشخصية المصرية عريقة وقديمة ولها مواصفات خاصة لن يستطيع أحد تغييرها مهما كانت مقوماته، فالشعب يعطي الحكام التوكيل بأن يحكموا، وهذا التوكيل ليس على بياض لكن لا بد أن يتصرف الحاكم على هوى الشعب الذي يضم فنانين وأدباء، كما أن الحضارة الفرعونية القديمة قامت على ساقين، هما الدين والفن المنقوش في المعابد، ولن يستطيع أحد بتر ساق من الساقين مهما كانت سلطته، ومن يعتقد أنه سيغير في الشخصية المصرية هو الذي سيتغير.. وهذه الحقيقة يجب أن يدركها الجميع.

* لذلك سارعت بالدعوة إلى بناء كيان فني كبير في معهد الفنون المسرحية..

- هذا الكيان منبر يضم المبدعين المصريين على كل أشكالهم، من شعراء ومثقفين وفنانين وكتاب، لأن هناك بعض التيارات لا تفهم في الفن أو رسالته، لذلك هذا الكيان هو حائط الصد الأخير ضد تقييد الحريات، كما أن هناك مادة في دستور 71 تكفل حرية الإبداع، ونحن مصرون على أن تكون هذه المادة موجودة في الدستور الجديد.

* كانت هناك تصريحات من بعض السلفيين المتشددين تعتبر أدب نجيب محفوظ يحض على الفجور، فهل تعد هذه التصريحات بداية لهجمة على الفن؟

- لا أريد فهمها بهذا الشكل، ربما تكون قناعات شخصية، لكن مصر طوال تاريخها مركز إشعاع حضاري، ولن يستطيع أحد أن يردها للظلمات.. هذا لم يحدث في عصر مبارك فكيف يحدث الآن؟

* وكيف تستعد للمرحلة المقبلة؟

- أعكف حاليا على تحويل رواية «أولاد حارتنا» إلى فيلم سينمائي للرد على الهجمة الشرسة التي يقودها البعض ضد نجيب محفوظ.

* هذه الرواية دفعت شابا متطرفا لمحاولة اغتيال نجيب محفوظ.. ألا تخشى أن يتكرر الأمر معك؟

- من يستطيع قتلي فليفعل، لأنني لن أتراجع عن مواقفي مهما كانت الأسباب.

* اعترفت أخيرا بأن فيلمك «كف القمر» عرض في توقيت خاطئ؟

- هذا حقيقي، لكن لم تكن لدينا خيارات، المشكلة الرئيسية التي واجهة العمل هي غياب الأمن عن الشارع المصري، وهذا لم يتغير حتى الآن.. على العموم هذا الفيلم حظه عاثر، وكان من المفترض أن يعرض قبل الثورة، وأعتقد أنه كان ليحقق نجاحا حينها. وأعتقد أن السنوات القادمة كفيلة بأن يدرك الناس قيمته، وهناك أفلام عظيمة لمخرجين كبار لم تحظ بالنجاح وقت عرضها، كأفلام «الناصر صلاح الدين» و«بداية ونهاية» و«الأرض» و«باب الحديد»، وغيرها من عشرات الأفلام التي اعتبرها النقاد من كلاسيكيات السينما المصرية رغم أنها لم تحقق أي إيرادات وقت عرضها.

* اتهمت بعض نجوم السينما برفض العمل معك.. وبررت ذلك بعدم رغبتهم في العمل إلى جانب مخرج يحظى بالنجومية.. هل ما زلت عند رأيك؟

- هناك بعض النجوم يحسبونها بضيق أفق، بمعنى أن بعضهم يرفضون أن يقدموا معي أفلاما لأن الجمهور اعتاد أن يقول أنا سوف أشاهد فيلما لخالد يوسف، وهؤلاء يرغبون في أن يكون الفيلم باسمهم هم.

* هل يفسر هذا تعاقب أكثر من نجم ونجمة على بطولة أفلامك؟

- لا أعتقد ذلك.. لكنك عقب كل مرحلة فنية تشعر بأنك وصلت بالفنان إلى سقف ما، وحينما أشعر بأن المرحلة الجديدة لا تناسبه، أبحث عن بطل أو بطلة جديدة، فمثلا كان هاني سلامة بطل كل أفلامي خلال بعض الوقت، ودخلت بعدها مرحلة جديدة سينمائيا بداية من فيلم «حين ميسرة»، وكان بطل هذه المرحلة عمرو سعد.. هذه المسألة تتعلق بمن هو الأنسب للعب دور ما.

* هناك من يعتقد أنه بعد سقوط النظام السابق لن يجد خالد يوسف أفكارا لأفلام سياسية.. كما يتهمك البعض بالمباشرة في طرح وجهة نظرك؟

- من المؤكد أن موضوعات أفلامي القادمة ستكون مختلفة، وإن لم يكن لدي جديد لأقدمه فسوف أعلن اعتزالي على الفور، لكني على ثقة من أن لدي جديدا، والأيام المقبلة كفيلة بإثبات ذلك.. أما بخصوص اتهامي بالمباشرة فأعتقد أن هذا من باب الآراء الشخصية، ومن حق الناس أن يعبروا عن آرائهم.

* بمناسبة السياسة.. هل صحيح أنك قاطعت الانتخابات البرلمانية؟

- هذا الكلام تردد بالفعل بقوة على الإنترنت واستغربته بشدة.. ربما كان السبب تصريحات لي قلت فيها إن توقيت الانتخابات ليس مناسبا.. فقد كان الشبان يقتلون في ميدان التحرير قبل يومين من بدء الانتخابات، لكن هذا الخبر ليس صحيحا على الرغم من أن هذه الانتخابات لم تجد هوى في نفسي. وأعتقد أن المجلس العسكري (الحاكم) أربك الحياة السياسية في مصر، لأنه من المفترض بعد أي ثورة في العالم أن تتم صياغة دستور جديد ليكون أساسا للدولة الجديدة، وبعد ذلك يتم انتخاب البرلمان، وما حدث عندنا مختلف تماما، حيث أجرينا انتخابات أولا ونستعد لوضع الدستور، وأرى أن أطياف المجتمع المصري جميعها لها الحق في وضع الدستور وليس الأغلبية حتى لو جاءت في انتخابات نزيهة.

* وما رأيك في انقسام المصريين في الفترة الماضية بين ميدان العباسية حيث أنصار المجلس العسكري وميدان التحرير حيث القوى الثورية؟

- أعتقد أن سياسات المجلس العسكري خلال الأشهر الماضية جعلت المصريين يكفرون بالثورة، بعد أن غاب الأمن عن الشارع المصري، كما أن الشعب عانى طيلة سنوات حكم مبارك من الفساد والقهر ففرح بهذه الثورة واستعجل أن تؤتي ثمارها بسرعة. وأعتقد أن المجلس العسكري أقدم على سلسلة من الأخطاء في إدارة المرحلة الانتقالية جعلتنا نخرج في مظاهرات مليونية، بل ويسقط منا شهداء في شارع محمد محمود ومجلس الشعب. المشكلة أنه بعد كل هذا يأتي ويقول لنا إن طرفا ثالثا يقف خلف تلك الأحداث، وحين نسأل عن هذا الطرف يقولون لنا لا نعرف.. هذا عيب.. إذا كانوا هم لا يعرفون فمن الذي يعرف، وما الفرق بيني وبينهم؟

* رغم اعترافك بوطنية وإخلاص الدكتور كمال الجنزوري رئيس حكومة الإنقاذ الوطني فإنك صرحت مؤخرا بأنه أسوأ اختيار في هذا التوقيت.. لماذا؟

- كان توقيت اختيار الجنزوري خاطئا بلا شك.. فالشارع كان ملتهبا، وكانت هناك مظاهرات حاشدة في ميدان التحرير، وعشرات الشبان يتساقطون قتلى على أيدي قوات الشرطة، وكان الثوار يطالبون بحكومة إنقاذ وطني، وطرحوا أسماء لتشكيل هذه الوزارة، ولم يلتفت أحد لتلك الدعوات، وصمم صاحب القرار على اختيار إناء ضيق هو إناء الحزب الوطني الذي ثار عليه الشعب المصري، وعلى الرغم من أن الدكتور الجنزوري رجل جيد فإنه من هذا الإناء الضيق، واختيار الجنزوري بدا لي نوعا من العناد من قبل المجلس العسكري للقوى الثورية.