خريجو برامج الهواة الفنية يقيّمون تجربة 40 عاما

نجوم الساحة تخرجوا من «استوديو الفن».. والباقون مصيرهم في مهب الريح

TT

شكل عام 1972 تاريخا مفصليا في مجال الفن الغنائي في لبنان، بانطلاق برنامج «استوديو الفن» للمخرج سيمون أسمر، الذي شكل باكورة برامج الهواة في العالم العربي، ومنه انطلق معظم النجوم اللبنانيين الموجودين حاليا على الساحة الفنية، بدءا بماجدة الرومي ووليد توفيق، مرورا براغب علامة وعاصي الحلاني ونوال الزغبي ووائل كفوري، وانتهاء بأيمن زبيب وميريام فارس.

ووقف أسمر وراء برامج هواة أخرى كبرنامج «نجوم لبنان» الذي حصلت فيه نجوى كرم على الميدالية الذهبية عن اللون البلدي، وبرنامج «كأس النجوم» الذي تخرجت منه مايا نصري وأمل حجازي ونيللي مقدسي.

ومن بعد تجربة أسمر الناجحة انطلقت عجلة هذا النوع من البرامج في لبنان والعالم العربي، وأشهرها برنامجا «سوبر ستار» و«ستار أكاديمي» اللبنانيان، اللذان شكلا فرصة أمام الهواة اللبنانيين والعرب للتعبير عن مواهبهم الفنية، ومن ثم انتقلت العدوى إلى الفضائيات العربية فكانت برامج «إكس فاكتور» و«نجم الخليج» و«آراب آيدول» وغيرها، ولكن دون أن يتمكن أي من المواهب التي تخرجت منها من تحقيق نجومية كالتي حققها نجوم «استوديو الفن»، إذا استثنيا تجارب ملحم زين، ورويدا عطية، وشذى حسون، وأحمد الشريف.

واللافت أنه حتى الذين فازوا بالمرتبة الأولى في تلك البرامج لم ينجحوا بتحقيق ما كان ينتظر منهم، كما هو الحال بالنسبة للمصري محمد عطية الذي حمل لقب نجم «ستار أكاديمي» في نسخته الأولى، أو الأردنية ديانا كرازون التي فازت بلقب «سوبر ستار» عن البرنامج الذي يحمل الاسم نفسه، بل وحتى استطاع الفنان ملحم زين الذي فاز بالمرتبة الثالثة في هذا البرنامج أن يتجاوزها أشواطا في نجوميته وانتشاره.

كثيرون يعتبرون أن برامج الهواة ليست سوى برامج تجارية تسعى محطات التلفزة من ورائها إلى الكسب المال من خلال عملية التصويت عبر الرسائل النصية، التي تعتمدها هذه البرامج كسياسة لاستمرار مشترك وإقصاء آخر، في حين يبقى مصير المشتركين معلقا على أوهام حلم النجومية والشهرة التي أثبتت التجربة أنها نادرا ما يمكن أن تتحقق.

الملحن سمير صفير اعتبر أن برامج الهواة لا تكترث للمواهب، بل همها الوحيد هو الصفقات المالية التي تعود عليها بالكسب المادي الوفير، فهناك أولا صفقة التصويت وثانيا صفقة الإعلانات، وفي نهاية المطاف يرمون «الأولاد» على الطرقات، تماما كما حصل في النسخ العشر من برنامج «ستار أكاديمي».

ويضيف: «إذا كان هناك من يعتقد أنهم أصبحوا مشهورين من خلال عرض صورهم على الشاشات، فإنهم في الحقيقة مشردون ويائسون ولا يعرفون ماذا يفعلون، لعدم وجود جهة تتابعهم، في حين أن الربح الحقيقي لهذه البرامج يكون من خلال متابعة المشتركين بعد تخرجهم وإعدادهم لكي يصبحوا نجوما وليس من خلال الرسائل النصية، وهذا الأمر لا يقتصر على المواهب التي تخرجت من برنامج (ستار أكاديمي)، بل ينطبق أيضا على كل برامج الهواة الأخرى، التي يمكن أن نقول عنها إنها آلات (تفقس) الفنانين وترميهم في الشوارع».

ولأن هذه البرامج لا يمكن أن تستمر إلا بوجود شباب وشابات يقبلون عليها، يوضح صفير «هؤلاء مغترون ومعلقون بحبال الهواء، سواء كانوا جيدين أم سيئين، يملكون الموهبة أم لا يملكونها، لأن فسحة الأمل بتحقيق الشهرة والنجومية هي الدافع الذي يجعلهم يشاركون فيها. وها هي شهد برمدا وسواها من أصحاب المواهب الذين (راحوا دعوسة)».

ويتابع: «أنا لست ضد هذه البرامج لأننا بحاجة دائما إلى فنانين جدد، ولكن يجب أن تنفذ بطريقة مدروسة، والخطو الأولى تكون بالقيام بالأبحاث لاختيار أعضاء لجنة تحكيم يملكون الكفاءة بدلا من الاستعانة بأشخاص لا يعرفون الـ(دو) والـ(ري)، والخطوة الثانية تكون ببلورة مصير النجوم في مرحلة ما بعد التخرج، لأن النجم الذي كسبت المحطات المال من ورائه من خلال التصويت والإعلانات يجب أن تعمل على إعداده، بخاصة وأنها وجدت من أجل إتاحة الفرصة أمام من يملكون الموهبة لأن يثبتوا أنفسهم على الساحة الفنية».

وعما إذا كان برنامج «استوديو الفن» هو الأفضل بين برامج الهواة الفنية، يجيب صفير: «وضع برنامج (استوديو الفن) وتوابعه يشبه وضع التلميذ الذي يدخل المرحلة الابتدائية من الحضانة إلى (السرتيفيكا)، حيث يقومون بتعليمه كيف يلبس، يختارون لهم الأغنية المنسبة ويدربونه على أدائها، ثم يقف على المسرح ويؤديها، تحت أشراف لجنة تحكيم، ولكن بعد تخرجه وانتقاله إلى مرحلة جديدة لا يجوز أن يظل إلى جانبه أستاذ الحضانة، بل هو بحاجة إلى أستاذ جامعي، يصقل شخصيته ويختار له الاختصاص المناسب. بالنسبة إلى برنامج (استوديو الفن) الذي شاركت فيه كملحن، فإن مرحلة الحضانة فيه كان لها ناسها، وبعد التخرج كانوا يحولون الفنان إلى المطبخ الفني الذي كان يعمل فيه أساتذة جامعيون، يختارون له المناسب، ولكن وللأسف هذا المشروع لم يستمر لأن هناك شخصا كان يعتبر نفسه بأنه يقوم بكل شيء، مما اضطرنا إلى هدم كل شيء لكي نثبت له بأنه ليس الشخص الوحيد الذي يقوم بكل شيء، بل هناك أشخاص غيره يقومون هم أيضا بهذه المهمة. أما البرامج الأخرى فلم يكن فيها (غرفة خدمات) room service، فهل يمكن أن نتخيل فندقا من دونها؟».

المخرج سيمون أسمر يرى أن برنامجي «سوبر ستار» و«ستار أكاديمي» لم يحققا النجاح الذي حققه برنامج «استوديو الفن»، إذ يقول: «من برنامجي كان يتخرج 7 أو 8 نجوم في كل موسم، بينما برنامجا (سوبر ستار) و(ستار أكاديمي) لا يخرجان سوى فنان واحد في كل موسم، وحتى الفنانون الذين تخرجوا منهما لم يصلوا إلى النجومية المطلقة وجميعهم من نجوم الصف الثاني».

ومن وجهة أسمر فإن كل برامج الهواة سعت إلى تقليد برنامج «استوديو الفن» لكن مع إضافة القليل من «الإضاءة والرقص»، مضيفا: «برنامج (استوديو الفن) كان شاملا لكل أنواع الفنون، وهم اقتطعوه أجزاء وابتكروا برامج هواة خاصة بعرض الأزياء، وأخرى بالشعر، بالإضافة إلى برامج الهواة الخاصة بالغناء أو بالرقص، وربما نرى في المستقبل برامج هواة تخرج مقدمين ومقدمات وأخرى لرسامي كاريكاتير وسواها من برامج الهواة الأخرى».

ويستبعد أسمر أن تكون كثرة المحطات الفضائية سببا في عدم تحقيق خريجي برامج الهواة الحالية ما حققه خريجو برنامج «استوديو الفن» في حينها، ويقول: «يومها كان الفنان يحقق النجومية داخل لبنان، لأن (إل بي سي) لم تكن تبث فضائيا، ولكن هذه الشهرة المحلية كانت تمكنه من تحقيق نجومية عربية في مرحلة لاحقة. أما الفنانون الجدد المعروفون حاليا فإنهم تخرجوا أيضا من برنامج (استوديو الفن) ومن بينهم أيمن زبيب وميريام فارس ودارين حدشيتي، وحتى ملحم زين كان قد اشترك في برنامج (كأس النجوم) وفاز بالمرتبة الأولى عن فئة محمد عبد الوهاب قبل أن يشارك في برنامج (سوبر ستار)، بل أيضا بدايات نانسي عجرم الفنية كانت معي، ويومها أرسلت بطلب الشاعر عصام زغيب الذي زارني برفقتها، وقلت له لا تكتب لها أغنيات (بحبك وحبيتك)، بل أغنية يكون موضوعها (حاج تطلعوا في اتركوني بدي غني)، فكتب لها (شيل عيونك عني اتركني بدي غني)».

وينفي أسمر تهمة الاهتمام بالشكل على حساب المضمون في برامجه، فيقول: «عندما بدأ (استوديو الفن) في عام 1972 ولأنه برنامج تلفزيوني، كنا نعطي نصف العلامة للشكل والنصف الآخر للمضمون، وأعتقد أن كل الذين تخرجوا من البرنامج أمثال ماجدة الرومي، وراغب علامة، ووليد توفيق، وغسان صليبا، وسواهم يجمعون بين جمالي الشكل والصوت. في عصرنا الحالي جمال الشكل لا يقل أهمية عن جمال الصوت، وأنا لا أقبل بأن يكون الأمر عكس ذلك، بينما لو أعطينا 25% للشكل والنسبة الباقية للصوت لكنا بذلك هيأنا مطربين يصلحون للإذاعة، لأن أصواتهم أجمل من أشكالهم».

أما الفنانون الذين تخرجوا من هذه البرامج فتعترض طريقهم عراقيل كثيرة، وكثيرون منهم لم يتمكنوا حتى اليوم من تحقيق كل أحلامهم، فالفنانة أماني السويسي تعتبر أن برنامج «ستار أكاديمي» خرجها نجمة هاوية وليس نجمة محترفة، وتقول: «هناك فرق شاسع بين أن يكون الفنان نجما هاويا ونجما قرر الاحتراف ودخول معمعة الفن لإثبات نفسه وكفاءته وبأنه يستحق النجومية والانتشار اللذين حققهما من خلال البرنامج، وذلك من خلال العمل على تأكيد قدراته وجدارته من خلال تقديم أغنيات خاصة وناجحة يحبها ويرددها الناس. وهذه هي النجومية الحقيقية، وهي أفضل بكثير من أن يكون الفنان مجرد نجم هاوٍ». إلى ذلك ثمة فنانون يتحدثون عن تمييز في المعاملة بين الفنانين الذين يتخرجون من برنامج الهواة كما هو الحال بالنسبة إلى الفنانة مايا نعمة التي تخرجت من برنامج «ستار أكاديمي»، إذ توضح: «كنت متعاقدة مع شركة (ستار سيستم) التي تضم نجوم (ستار أكاديمي)، ولكنها لم تهتم بي على الشكل المطلوب، بل هي حصرت كل اهتمامها بالفنانين أحمد الشريف وجوزف عطية سواء على مستوى الإنتاج أم على مستوى إدارة الإعمال. ومع أن تلك الشركة كانت تهتم بإدارة أعمالي كما بإدارة أعمال كل نجوم البرنامج إلا أنني كنت أدفع من جيبي الخاص مصارف إنتاج أغنياتي والفيديو كليبات. بصراحة أنا لا أحسب أي حساب للسنوات التي أمضيتها في شركة (ستار سيستم)، بل أعتبر أنني بدأت الفن منذ أن تركتها، لأنني تعرضت للكثير من الظلم ولم أحقق شيئا خلال السنوات التي كنت أعمل فيها تحت إدارتها، لأنها لم تلتزم ببنود العقد الموقع بيني وبينها، الذي يتضمن شروطا معينة كان من المفترض أن تنفذها لي، وأنا أشكر الله لأنني تمكنت من فسخه بينما فشل كثيرون غيري في ذلك».

في المقابل يؤكد الفنان ريان الذي دخل الساحة الفنية عبر شركة «روتانا»: «أنا ممتن لأني لم أصل من خلال برامج الهواة الغناء كـ(ستار أكاديمي) و(سوبر ستار) لأنها تظلم الكثير من المشاركين فيها، فمثلا كان ملحم زين من أكثر المؤهلين لنيل لقب (سوبر ستار) ولكن هذا الأمر لم يحصل على الإطلاق».