فيلم «على واحدة ونص» يثير أزمة مع الصحافيين

دعاية مجانية للأفلام المتواضعة

TT

بينما أقام عدد من المحامين دعوى قضائية مطالبين بإيقاف عرض فيلم «على واحدة ونص»، الذي لا تكف الفضائيات عن عرض التريلر (المقدمة) الخاصة به، حيث إن الاتهام الذي لاحقه هو تهمة الحض على الرذيلة، فإنه بالتوازي مع ذلك سارع عدد من الصحافيين المصريين في غضبة موازية للمحامين، بمطالبة نقابة الصحافيين بمنع عرض الفيلم، لأن البطلة تقول في أحد الحوارات، إنها قررت أن تنتقل من العمل كصحافية لتصبح راقصة في شارع الهرم. وأضافت: «من صحافية إلى راقصة يا قلبي لا تحزن»، ولم تكتفِ بهذا القدر، بل قالت إنها «شاركت بالعمل مع رئيس تحرير قواد في نفس الجريدة».. الصحافيون غاضبون ويعتبرون أن هذا الفيلم يهين المهنة التي ينتمون إليها، رغم أنه في حقيقة الأمر، هناك راقصة بالفعل بدأت حياتها صحافية كما أنه يوجد بين رؤساء تحرير الصحف، صحافي اتهم في قضية مماثلة.

لم أتعجب لغضب المحامين، فهم كثيرا ما يعلنون رفضهم لعشرات من الأعمال الفنية ويقيمون الدعاوى القضائية لمصادرتها، وبعضهم يزج بنفسه في هذه القضايا بحثا عن الشهرة، كما أنها ليست هي أول مرة ينتفض فيها الصحافيون ويعلنون الثورة ضد عمل فني، سبق وأن فعلوها في فيلم «عمارة يعقوبيان» قبل نحو 5 سنوات، لأن الفيلم تضمن تقديم شخصية حاتم رشيد رئيس تحرير شاذ جنسيا التي أداها خالد الصاوي في الفيلم بعد أن رفضها الكثير من النجوم، حيث إن النجوم الذين رشحوا للدور تحرجوا من أدائها، حتى لا يثيروا غضب الصحافة واعتبروها أيضا تنال من المهنة، إلا أن النقابة وقتها رفضت أن تستجيب لمثل هذه الطلبات ولم تدخل النقابة في خصومة قضائية مع الفيلم، بل إن الأصوات العاقلة في النقابة قالت: إن المطالبة بمصادرة عمل فني هي التي تنال من حرية الصحافة.

ولو راجعت أغلب الأعمال الفنية التي تتناول الصحافة والصحافيين حتى تلك التي كتبها صحافيون، سوف تكتشف أن الصحافيين هم أكثر من ينتقد المهنة بضراوة مثل «دموع صاحبة الجلالة»، الذي قدم كمسلسل وفيلم تلفزيوني للصحافي الكبير موسى صبري، ويومها تساءل الناس عن شخصية بطل العمل الفني محفوظ عجب ومن هو المقصود بها، البعض قال، إن موسى صبري أراد الانتقام من الصحافي الكبير محمود عوض، وكانت بينهما قضايا وصلت إلى المحاكم أثناء تولي موسى رئاسة تحرير ومجلس إدارة صحيفة «الأخبار»، ومن المعروف أن موسى كان مقربا من الرئيس الأسبق أنور السادات، ولهذا فإن قراراته كانت تحظى دائما بحماية من الرئاسة، وهكذا تم التنكيل بمحمود عوض في الصحيفة التي ينتمي إليها، وقيل أيضا إن موسى كان يقصد النيل من الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل لما بينهما من خصومة قديمة فقدم شخصية محفوظ عجب.

ومن الأعمال الفنية التي أغضبت الصحافة مسلسل «زينب والعرش»، الذي كتبه الروائي فتحي غانم، وكان قد شاركه في كتابة السيناريو صلاح حافظ، ومن الممكن أن تجد أيضا في «اللص والكلاب» في شخصية رؤوف علوان رئيس التحرير الذي أوقع سعيد مهران، اللص الذي صار سفاحا في كل هذه الجرائم شيئا من التعريض المباشر للصحافة، بل إن صورة الصحافي مرتبطة عند الناس بتلك اللقطة الشهيرة للمحرر الذي يعمل في الصحافة الفنية مثلما شاهدناه في فيلم «لعبة الست» عندما كان يلتقي الفنانة الشهيرة التي أدت دورها تحية كاريوكا وهو يقول لها: «أين ترعرعت سيدتي»، وبعدها صارت هذه هي الشخصية النمطية للصحافي الفني، ورغم ذلك فإن الصحافيين لم يعترضوا طوال تاريخهم على هذا التنميط ولا على تلك الصورة التي تستفز الجمهور وهو يرى شخصية الصحافي على هذا النحو؛ ولكن نقابة الصحافيين تعاملت بالكثير من المرونة مع كل هذه الانتقادات.

لقد دخلت الرقابة التي صرحت بفيلم «على واحدة ونص» كطرف مباشر في تلك الأزمة والاتهام الذي يلاحقها، هو كيف وافقت على ما يهين الصحافة؟ ولو التزمت الرقابة بعدم التعرض للسلبيات في أي مهنة، فإنها لن تجد ما تتناوله الأعمال الفنية، والحقيقة أن كل أصحاب المهن كثيرا ما أثاروا قضايا مماثلة.. رابطة البوابين المصريين مع كل التقدير بالطبع لكل صاحب مهنة شريفة، إلا أنهم أعلنوا احتجاجهم على فيلمي «البيه البواب» الذي لعب بطولته أحمد زكي، وفيلم «صاحب الإدارة بواب العمارة» الذي لعبت بطولته نادية الجندي وقام عادل أدهم بدور البواب، وفي الفيلمين يصعد البواب إلى مركز القيادة في العمارة ويتحول من بواب إلى صاحب عمارة ويمارس كل الموبقات.

وسبق وأن غضب المحامون من شخصية المحامي حسن سبانخ التي أداها عادل إمام في فيلم «الأفوكاتو» وأقيمت دعوى قضائية تناقلتها المحاكم، لأنهم اعتبروا أن هناك تعريضا بشخصية المحامي التي أداها عادل إمام، ويتكرر الأمر في فيلم «ضد الحكومة» الذي أخرجه عاطف الطيب بشخصية محامي التعويضات التي أداها أحمد زكي، ولا ننس غضب رابطة المأذونين الشرعيين على تلك الصورة الساخرة التي تتناول شخصية المأذون على مدى تجاوز الثمانين عاما، هي عمر السينما المصرية.

ولم يقتصر الأمر فقط على الشخصيات التي تقدم مهنا، بل انتقل إلى شخصيات كانت تحمل إيحاء شخصيا، مثل زوجة فتحي الريان التي أقامت دعوى بسبب شخصية بدرية التي أدتها ريهام عبد الغفور واعتبرتها تعريضا بها لا تزال المحكمة تنظر الدعوى حتى الآن.

كما أن السياسي الراحل كمال الشاذلي، رجل الحزب الوطني القوي، وكان واحدا من الشخصيات التي ارتبطت بعهد مبارك اعترض على شخصية كمال الفولي في «عمارة يعقوبيان» التي أداها خالد صالح، واعتبرها تعريضا به، ولولا أن الرقابة وقتها تمسكت بقرارها بعرض الفيلم كان من الممكن إيقاف عرضه.. كان لدى الدولة رغبة في تقديم شخصية تحمل نقدا إلى كمال الشاذلي الذي كان وقتها لا يحظى بالحماية السياسية، بل العكس هو الصحيح كان هناك رغبة من الحرس الجديد في الحزب الوطني للتشهير به، وهكذا سمح بالعرض، وهو أيضا لم يشأ أن يرفع دعوى قضائية ضد الفيلم حتى لا يتردد اسمه كثيرا في القضية ويجد الناس وشائج قربى بينه وبين كمال الفولي السياسي الفاسد.

سبق لصلاح نصر، رجل المخابرات الشهير في مصر الذي ارتبط اسمه بالكثير من الفنانات وأيضا بقضايا التعذيب في عهد عبد الناصر، أن أقام دعوى قضائية ضد فيلم «الكرنك» عام 1976، وقال إن هناك تعريضا باسمه في الشخصية التي لعبها كمال الشناوي وكانت تحمل اسم خالد صفوان، وخسر رئيس المخابرات المصرية السابق الدعوى القضائية، لأنه ليس هناك تطابق.

ولو عدت إلى الأرشيف السينمائي سوف تكتشف أن أكثر المهن التي تتعرض لنقد لاذع هي الوسط الفني، كل الأعمال الفنية التي تتناول ما يجري في كواليس الفن تقدم وجها واحدا فقط للصورة، وهم الشخصيات التي تظهر أن الوسط الفني لا يعرف سوى الوساطة والمحسوبية والتنازلات، تذكروا مثلا «ثرثرة فوق النيل»، الشخصية التي لعبها أحمد رمزي التي تقدم النجم السينمائي وكيف أنه بلا موقف أو إرادة.. وقبل بضعة أشهر عرض فيلم «أنا بضيع يا وديع»، وهو يحمل أيضا كل تلك التفاصيل التي تهين الوسط الفني من خلال شخصية لاميتا التي قدمت دور نجمة تحقق نجاحها بتقديم تنازلات.

الدعاوى القضائية في العادة لا توقف الأفلام السينمائية ولا أتصورها سوف تؤدي إلى ذلك أبدا، ولكنها على العكس قد تسهم في زيادة مساحة الاهتمام أكثر بالأفلام حتى المتواضع منها، وبالتالي تلعب دورا إيجابيا في الترويج على عكس ما هو مطلوب، بل إننا لا نتعجب عندما نعلم أن بعض الفنانين يبحثون عن مثل هذه الدعاوى لتصبح قوة دفع ودعاية مجانية لأفلامهم حيث تزيد درجة تعطش الجمهور لها، وأتصور أن «على واحدة ونصف» لا يستحق الاهتمام؛ ولكن الصحافيين الغاضبين بدلا من أن يتركوه يمر سريعا، قرروا أن يواجهوه ويورطوا النقابة، ولا أتصورها بالمناسبة سوف تقع في تلك المصيدة!!