ملحم بركات: لا أجد تفسيرا لموضة الصراخ التي انتشرت مؤخرا بين المغنين

لبنان يعتبر البلد العربي الأقوى فنيا.. وهو الساحة التي ينطلق منها كل الفنانين العرب

TT

يستعد الفنان ملحم بركات لطرح ثلاث أغنيات جديدة، ويبدو أنه فضل أن تأتي هذه الخطوة بالتزامن مع حلول فصل الربيع في بيروت. وقال بهذا الصدد «الأعمال جاهزة منذ شهرين، وكان من المفترض أن تكون الأغنيات في السوق منذ تلك الفترة، ولكنني أرجأت هذه الخطة، بسبب الأحداث التي تمر بها الدول العربية من ناحية، ومن ناحية أخرى لأنني لا أحب فصل الشتاء، بل أفضل عليه فصل الربيع، ولذلك رغبت في تقديم هذه الأغنيات والشمس مشرقة، صحيح أن المطر يجلب معه الخير، ولكن الأجواء الشتوية لا تناسب الفن. الأغنيات الجديدة عاطفية. اثنتان من بينها باللون الشعبي، والأغنية الثالثة يدور موضوعها عن الزوجة (أحلى مرا بالدنيا)».

بركات الذي سبق أن غنى «مرتي حلوة مثل البدر»، أوضح السبب الذي يجعله بين فترة وأخرى يقدم أغنيات عن الزوجة، أن «الأغنيات الجديدة جاهزة منذ 11 عاما، وهذا الأمر يؤكد للناس كما للموجودين على الساحة، على الرغم من قلتهم، أن ملحم بركات هو صاحب مدرسة الأغنية الشعبية اللبنانية».

وعلى الرغم من أن اللون العاطفي يطغى على جديد بركات، فإنه ينفي أنه يعيش حالة حب، ويتساءل «هل سبق أن كتب النجاح لأي حب! الحب لا يعيش أبدا ولا شيء نجنيه من ورائه. التفاهم والمعاملة الجيدة أهم من الحب بالنسبة إلى الفنان، لأنهما تساعدانه على النجاح، أما الحب والغرام فلا يجلبان له سوى المتاعب والأمراض ووجع القلب. الحب يكبل الفنان ويجعله عاجزا عن الإنتاج وتقديم الجديد، ومن النادر جدا أن يحظى أي فنان بامرأة تقدره وتقدر فنه، وبمجرد أن تتزوجها وتحمل اسمه (تصدّق نفسها) ويصبح الوضع كارثيا، ولذلك أنا لا أعتقد أن هناك فنانا متزوجا سعيدا في حياته ويعيش من دون مشاكل».

لكن وفي المقابل، لا يحبذ بركات أن يظل الفنان أعزب «بل أنا مع زواج الفنان، بخاصة إذا أنجب أولادا موهوبين مثله، لأن ذلك يساعد على استمرار الفن الأصيل. لكن وللأسف فإن الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب تزوج وأنجب، إلا أن أيا من أولاده لم يرث موهبة الفن عنه، وهذه تعتبر خسارة كبيرة جدا، ومثله أم كلثوم التي لم تنجب أيضا، وفي المقابل هناك فنانون تزوجوا وأنجبوا ولكن (أولادهم طلعوا هبلان) وإذا حصل وأنجب أحدهم ولدا عبقريا وورث الموهبة عنه، لا أعرف ماذا يحصل معه، لأنه لا يلبث أن يضيع. المشكلة أننا نعيش في زمن لم يعد يوجد كرامة والمصالح هي التي تسيطر على علاقة الناس في المجتمعات، حتى من يحكمون البلد يلتفتون إلى مصلحتهم قبل أي شيء آخر».

وهل يؤمن بركات بالوراثة الفنية؟ يجيب بأن «هذه المسألة تثير الحيرة والاستغراب، أتمنى لو كان هناك فحص طبي تخضع له زوجة الفنان أثناء حملها للتأكد ما إذا كان الجنين سوف يرث الموهبة عن والده، أم إنه لن يرثها. في معظم الأحيان يأتي الأطفال صورة عن أخوالهم، ولا يوجد فنان في العالم أورث الموهبة لأبنائه، باستثناء من يعملون في مجال التمثيل، لأن الغناء والتلحين يحتاجان إلى موهبة، ولا يمكن لأي شخص أن يمتلكهما. في كل المجالات لا يمكن للابن أن يحل مكان والده، وليس في مجال الفن وحده».

في المقابل يشكو بركات من عدم وجود أصوات خارقة على الساحة الفنية «لم يعد هناك معجزات فنية، بل كل الأصوات عادية جدا و(كثرة عالفاضي)، ولذلك لا يمكن التحدث عن فنانين يمكن أن يخلدهم التاريخ. حاليا يوجد عدد محدود من الملحنين، ولولاهم لما كان هناك فن في لبنان، وفي الأساس لم يعد هناك أصوات كاملة، أما المواهب الجيدة، فكلها تتجه نحو الغناء الأوبرالي، مع أن هذا النوع من الغناء لا يناسب لبنان، وفي حال وجُد صوت (مهضوم) فإنه يتجه إلى الغناء باللهجة المصرية، وهذا مرض بحد ذاته، والأمر المؤسف أن الإذاعات تشجعه وتبث أعماله. العالم كله يشكو من الفوضى وليس لبنان فقط، والكل يفكر بالحرب والتسلح، وهذا الأمر يؤكد أن الكره منتشر بين الناس، والمصالح على أنواعها هي التي تحكم العلاقات بين الدول وما أنا متأكد منه هو أن (الكون مش مظبوط). في لبنان وحده، يوجد 200 مطرب، من بينهم مطربان أو ثلاثة مطربين فقط يعملون والباقون (يطبّلون ويزمرون)، ويبيعون بيوتهم وأراضيهم من أجل أن يصبحوا نجوما، ولكن النجومية ليست مسألة سهلة على الإطلاق، ومن يصبح نجما لا بد أن يكون صاحب موهبة فوق العادة، صوتا وأداء وحضورا».

معظم الفنانات الموجودات على الساحة يعتبرن أنفسهن نجمات، ولكن ليس من وجهة نظر بركات الذي يوضح «من لا يعرف حدوده في الفن لا يمكن أن ينجح أبدا، وللأسف لا أحد يعرف حدوده. أنا ركضت 20 عاما قبل أن يعرفني الناس، لأنه لم يكن يوجد فضائيات، أما اليوم فيكفي أن يصور الفنان أغنية لكي يصبح اسمه معروفا، ولو كانت الفضائيات موجودة في زمننا لكنا فعلنا العجائب. تصوري أنهم يعرضون 100 أغنية يوميا على الشاشات، من بينها أغنية واحدة لأم كلثوم (ما هذه الأخلاق الفنية العالية)، وعلى الرغم من أنني فنان، فإنني أمضي السهرة بمتابعة الأخبار والبرامج الرياضية لأن لا شيء (بيعبّي الراس) وأهم أغنية يمكن أن تعيش شهرين وليس أكثر، هذا إذا كانت مدعومة ماديا. إلى ذلك فأنا لا أجد تفسيرا لموضة الصراخ التي انتشرت مؤخرا بين المغنين. الفوضى الفنية رهيبة جدا ليس في لبنان والعالم العربي فقط، بل في العالم كله. على زمن الإذاعة كان يأتي 4 أو 5 موسيقيين من أوروبا، يعزفون ألحانا رائعة في بداية البرامج، أما اليوم فلم نعد نسمه شيئا ولم يعد هناك وجود لمثل هؤلاء، وحتى أميركا لا يوجد فيها سوى 3 أو 4 فنانين جيدين وليس أكثر».

في المقابل، يرى بركات أن الناس متعطشون للفن الجيد «فيروز أحيت 4 حفلات وكانت جميعها (كومبليه) وهذا الأمر يؤكد أن الناس متلهفة للأصالة، والفنان الأصيل وحده هو القادر على حشد الجمهور في حفلاته. ولكني شخصيا لم أتمكن من حضور أي من حفلاتها، إما بسبب وجودي خارج لبنان وإما بسبب مرضي».

التلحين لفيروز كان في يوم من الأيام حلما من أحلامه، لكن الوضع تغير بالنسبة إلى بركات الذي يؤكد أنه تنازل عن هذا الحلم: «الحلم انتهى، لأن هناك أشخاصا لم يرغبوا بذلك، ومن الواضح أنهم نجحوا في مخططهم. في الماضي كنت أتبادل الاتصالات الهاتفية معها، ونتحدث في الفن والتلحين والأغنيات، ولكن في مرحلة لاحقة، أقفلت الأبواب في وجهي. فماذا يمكنني أن أفعل في حالة مماثلة!».

بركات الذي تعاون مع ماجدة الرومي في أغنية جديدة اعتبر أن هناك فنانات يتمنين التعامل معه ولكنهن لا يبادرن إلى الاتصال به وطلب ألحان منه «لا أعرف لماذا يخفن مني. بمجرد أن يذكر اسمي أمامهن يُصبن بالرعب، مع أنني متواضع جدا ولا أؤذي أحدا. لا أنكر أن هناك أكثر من مطربة كنت أرغب بالتعاون معها، ولكن هذا الأمر لم يحصل».

وبارك بركات اتجاه معظم الفنانين اللبنانيين في الفترة الأخيرة إلى غناء اللون اللبناني، قائلا «هذا أمر عظيم، لأنه من المهم جدا أن يعود الفنان إلى الحضارة والأصالة والتراث الخاص ببلده. كل دولة عربية لها حضارة خاصة بها وعاداتها وتقاليدها، والحياة تقوم على المنافسة في كل المجالات. لماذا تغار إسرائيل من لبنان، هل لأنه يملك قوة عسكرية أكبر من قوتها! هي تغار لأننا أقوى منها سياحيا وفنيا واقتصاديا ولذلك تفكر بعزلنا».

بركات الذي يوزع 47 أغنية خاصة به بين الاستوديوهات، يفتقد المنافسة التي تحثه على تسجيلها وطرحها في الأسواق «الفن يقوم على المنافسة وفي هذه الأيام لم أعد أسمع أغنية جميلة تدفعني لتنفيذ أغنية أجمل منها. في الماضي هكذا كانوا يعملون وكانت الغيرة الفنية الشريفة هي التي تدفعنا إلى العطاء ومن يقدم الأفضل يصبح ملك الساحة».

وهل هو يفتقد المنافسة العربية أيضا؟ يجيب قائلا «الوضع الحالي في مصر لا يعجبني على الإطلاق، لأن مصر هي بلد الفن، وكلنا في العالم العربي أحببناها لأنها بلد المسرح والسينما والغناء. ولكن ما يحصل فيها اليوم غريب جدا، بسبب التحولات التي تطرأ عليها، وهناك عدد كبير من المصريين انتقلوا للإقامة يقيمون في لبنان، وبصراحة يعتبر لبنان اليوم يعتبر هو البلد العربي الأقوى فنيا، وتحول إلى ساحة ينطلق منها كل الفنانين العرب».

بركات الذي قوم بركات تجربته المسرحية في «بعلبك» في العام الماضي، نفى إمكانية تكرارها هذا العام «أي عمل مسرحي يحتاج إلى دراسة ووقت وتحضير، ونحن أنجزنا المسرحية في العام الماضي خلال 32 يوما فقط، لأن هذا هو الوقت الذي كان متاحا أمامنا. الأخوان رحباني كانا يتفقان مع إدارة مهرجان بعلبك قبل عام من موعد عرضهما الجديد، ويحضران له طوال السنة. لا أنكر أنني أشعر بالندم، لأنني (طلعت بسرعة على بعلبك) وهذا لا يجوز على الإطلاق، حتى إنني حاولت إقناع غسان الرحباني بإلغاء العقد وتأجيل العمل حتى العام الحالي لكي نحضرها بشكل جيد. وفي الأساس أنا لم أشارك سوى بأغنية واحدة، مع أنه كان من المفترض أن نتشارك في تلحين كل الأغنيات. في هذه السنة تلقيت اتصالا من لجنة مهرجانات بعلبك، وطلبت عملا يجمعني بالفنانة نجوى كرم، فقلت لها إن من الأفضل أن تبادر إلى الاتصال بنجوى شخصيا، ولكن لم يتم التوصل إلى اتفاق.