كارمن سليمان.. مصر الجديدة

«صوت العرب» يظهر مجددا من القاهرة

كارمن سليمان
TT

مصر الجديدة ليست «الثورة»، ولا البرلمان الإسلامي؛ «إخوانيا» و«سلفيا»، ومصر الجديدة ليست الرئيس المنتظر.. مصر الجديدة فتاة عمرها لم يتجاوز السابعة عشرة، أثبتت أن مصر ولادة؛ وتحديدا فنيا.. كارمن سليمان، اسم يستحق أن يبقى في الذاكرة، هي نجمة «عرب آيدول»، وإحدى المرشحات للفوز بالنهائي الذي يقدم برعاية مجموعة «إم بي سي».

كارمن سليمان، صغيرة السن، وذات الوجه الحسن، والقوام الممشوق، والصوت العذب، موهبة عربية جديدة لافتة، أبهرت الجميع، وستبهر، فهي صغيرة السن، لكنها ذات صوت طربي مميز غاب طويلا عن الساحة العربية، صوت طال غيابه عن الأثير، وإن تمناه «السميعة». كارمن سليمان هبة مصر الجديدة للجمهور العربي الفني.. عروس لا ترمى للنيل، كما في الأساطير المصرية القديمة، وإنما تنثر كالعطر على مسامع عشاق الطرب الأصيل في العالم العربي.

صورتها تشبه صوتها، وضحكتها جزء من حضورها، وروعتها تكمن في صغر سنها، ومساحة صوتها.. إذا استمرت في عالم الفن «الراقي» فهي «طبخة فنية» سيفخر بها كثيرا كل من شارك في صناعتها. لا يهم فوزها بالمركز الأول في «عرب آيدول» من عدمه، فقد فازت في المسابقة الأهم، والأصعب، وهي الوصول إلى الأذن «السميعة» في العالم العربي.. فهي عذبة الصوت، وجميلة، لا تحتاج إلى «تجميل»، وفوق هذا وذاك مصرية، وهذه هي وصفة الوصول إلى قلوب العرب.

تغنت بجملة من الأعمال العربية، مصريا، وخليجيا، ولبنانيا، غنت «المكبلة»، والإيقاع السريع، والتطريبي، والقديم، ونجحت أيما نجاح، حيث باتت فتاة «مليونية» على «يوتيوب».. أبدعت خليجيا، ولبنانيا، وبالطبع في لهجتها الأم المصرية، فمساحة صوتها مرتاحة، كالإسفنجة، تمتص كل نغمة، وتعيدها للمستمع وقد وسمت بعلامة مسجلة اسمها كارمن سليمان، كل ذلك وهي يافعة، وصغيرة السن.

غنت كارمن سليمان في «عرب آيدول» لفنانين كبار؛ فمن السيدة أم كلثوم، إلى صباح، وفنان العرب محمد عبده، وحتى الراحلة ذكرى، وأبدعت؛ لكنها أضفت لمستها المميزة صوتا يأتي متسللا من ليل القاهرة البارد في شتاء قارس، لكنه حنون.. صوت يأتي وكأن مقاهي القاهرة تضع مذياعها على الموجة نفسها، فتأتي الموجة بصدى تعرفه القاهرة منذ عرفت أم كلثوم.. صوت تعيده نسمات العاصمة ثم تنثره على صدر النيل.. شريان الحياة، فبدلا من أن ترمي مصر بحسناء فاتنة كل عام في النيل، يكفي أن تسكن مصر نيلها بصوت كارمن، مرددتا: «مصر التي في خاطري». ولم يبالغ الفنان راغب علامة عندما قال لها في احدى الحلقات: «شو عملتي فينا انت»؟ او عندما قالت لها الفنانة احلام: «عندك تتعطل لغة الكلام».

كارمن سليمان ذات جمال عربي، وصوت مصري، وحضور يشبه الزمن الجميل، لا الزمان المصطنع الذي ابتليت به مصر والعالم العربي؛ فهي من جيل ما قبل الكومبيوتر والمحسنات. كارمن سليمان «عربة» موسيقية جاءت من الزمن المصري، العربي، الجميل، ويجب أن لا تترك لتجار الفن، ومقتحميه. كارمن سليمان يجب أن يعلن أنها ثروة مصرية فنية، ويجب أن تكون أيقونة مصر الفنية، وليست صوتا قابلا للفن التجاري، وهذه مصيبة ابتلي بها الفن العربي، والفن المصري بيته الكبير. كارمن سليمان صوت يستحق أن تستثمر فيه مصر، لا أن يبحث عن مكان له بمصر. وكما قال الموسيقار حسن الشافعي في إحدى حلقات «عرب آيدول» فإن مشكلة صوت كارمن سليمان أنه سيصدم بواقع حزين وهو عدم وجود الكلمة الحلوة، واللحن المميز، ليلائم هذا الصوت الجميل، والوجه الأجمل. وهذا واقع محزن، فالفن بات تجارة اليوم في العالم العربي، من بيع وشراء القصائد، إلى الألحان الناشزة، ومن خلال الأصوات المصطنعة، أما ظاهرة كارمن سليمان فإنها تقول إن مصر ولادة، وكارمن هي مصر الجديدة.. كارمن هي الثورة التي لم ترق فيها دماء، بل نثر فيها العطر.. كارمن هي المصرية التي وحدت العرب مجددا في حب الفن المصري.

ولذا، فإن فازت كارمن سليمان اليوم بالمركز الأول في «عرب آيدول» فهذا أمر متوقع، أما إن لم تفز فلا غضاضة في ذلك، فمجرد وجودها يعني أن الفن العربي الراقي بخير، وأن مصر ما زالت ولادة. فكارمن سليمان هي: صوت العرب الذي بعث من جديد؛ ومن القاهرة.