نجوى كرم: حفرت في الصخر لأصل للنجومية وبدأت أشعر بالوهج

قالت لـ «الشرق الأوسط»: ما زلت عند رأيي.. لن أغني «خليجي» إلا إذا غنى محمد عبده بلهجتنا

نجوى كرم تمشي على البساط الأحمر في مهرجان كان
TT

مع تجربة نجوى كرم الفنية الناجحة التي تمتد إلى أكثر من 18 عاما لا تعود عبارة «لا يصح إلاّ الصحيح»، مجرد عبارة «كليشيه» نسمعها بين وقت وآخر على لسان هذا الفنان أو ذاك، بل هي تعكس واقع فنانة لا تزال وحدها المستمرة بين مطربات جيلها، متربعة على عرش الغناء في لبنان رغم توالي الأجيال من بعدها، بل وأيضا هي صاحبة نجومية «مترامية الأطراف» وتصنف بين مطربات الدرجة الأولى في الوطن العربي. عندما تسأل كرم عن السبب وهل ترده إلى الذكاء أو الحظ أو الصدفة، فإنها تجيب: «أنا أقول دائما ثمة بيوت تبنى على الرمال وأخرى تبنى على الصخور، وأنا عندما دخلت الفن حرصت على أن أبني بيتي على الصخر وها أنا اليوم أحصد النتيجة».

وتتحدث كرم عن تجارب فنانات أخريات يملكن مثل موهبتها، بدأن المشوار معها ولكنهن اليوم مغيبات عن الساحة «ربما البعض لم يعرف كيف يخطط لمسيرته، ولكن البعض الآخر لا يزال مستمرا. هناك فئة من الفنانات أصيبت بالإحباط وتوقفت بسبب الموجات التي سيطرت عل الساحة الفنية، وفئة آخرى تجتهد وتسعى من أجل تحقيق الاستمرارية. في الأساس عدد الفنانات قليل جدا، أنا بدأت في التسعينات ومعي بدأت نوال الزغبي في لبنان، وفي الخليج لم يكن هناك سوى أحلام ونوال الكويتية، وكانت هناك أنغام في مصر وأصالة في سوريا. هذه الأصوات عظيمة ومهمة وهي لا تزال موجودة».

كرم صاحبة المسيرة الفنية التي تخللتها الكثير من المطبات والمحطات، تحدثت عن المرحلة الفنية التي وصلت إليها اليوم: «بدأت حاليا أشعر بالوهج الذي خططت له في التسعينات، لأنني فنانة التسعينات، ولذلك أحب أن أقول لكل الذين يرغبون بالعمل في الفن، بأنني منذ التسعينات وحتى اليوم احتجت إلى 18 عاما من التحضير لكي أشعر بالقليل من الوهج.. هو ليس ضوءا متوهجا بل ضوء شمعة. من يعتقد أن الفن لعبة واهم، ومن يعتقد أن تصفيق الناس له وتسليط الأضواء عليه، يعني أنه استمرّ إلى الأبد واهم أيضا. أنا مجرد نقطة في بحر عمالقة سبقونا لن يتكرروا، وهجهم (يشع على كل الدنيا) واستمروا لأكثر من 40 عاما أو 50 عاما. ولذلك أنا أحب أن أقول لكل من يريد أن يحقق الاستمرارية، إنه لا يمكن أن يبرز بين يوم وليلة وأن يستمر، إلا إذا كان يملك موهبة حقيقية، وأيضا إذا اشتغل على نفسه لكي يتطور ويتقدّم إلى الأمام، ومن يرجع إلى مقابلاتي الصحافية في التسعينات، يجد أنني كنت أقول إنني أحب السلحفاة وليس الأرنب، لأنها تصل بخطوات ثابتة وواثقة بينما أنا أخاف الأرنب لأنه يمكن أن يقع في الحفرة ولا يتمكن من الخروج منها أبدا. وأنا لا أقصد أحدا بكلامي، بل أتحدث عن حقيقية وإثبات وبرهان وقناعة توصلت إليها من خلال تجربة عمرها 18 عاما والتي كانت عبارة عن سلسلة من المراحل التحضيرية في مسيرة فنانة تريد أن تقدم فنا تصل من خلاله بتمهل وروية إلى الناس، تريد أن يتقبلها الناس وأن يكون لديها قاعدة وقضية من خلال الفن الذي تقدمه».

عندما تسأل كرم عن قضيتها في الفن، تجيب بسرعة: «الأغنية اللبنانية، والتي هي جزء من الوطن. في هذا العصر لا يمكن إن أجزئ أغنيتي عن وطني».

كرم التي تتمسك بأداء الأغنية اللبنانية لم ترفض فكرة أن تقدم أغنية بغير اللهجة المحلية كما فعلت سميرة توفيق التي غنت «مش موجود اللي يلوعني» وحتى وديع الصافي الذي غني «على رمش عيونها» إذ قالت: «يمكن أن أقدم أغنية واحدة وليس ألبوما كاملا بغير لهجتي. وهذا الأمر يمكن أن يحصل عندما تتوفر الأغنية التي أجد أنني متمرسة ومتمكنة في أدائها وفي الوقت نفسه أكون واثقة (أنها بتطحش عالعمياني) إلى كل الساحات وتوصلني إلى مكان أبعد مما وصلت إليه من خلال الأغنية اللبنانية».

ولأنها كانت مقنعة جدا بأدائها بل وخطفت الأضواء عندما أجادت الغناء باللهجتين المصرية والخليجية خلال مشاركتها في برنامج (آراب أيدول) تقول كرم بتواضع: «أنا أديت جملة واحدة من إحدى أغنيات أحلام وجملة أخرى من إحدى أغنيات راغب علامة، ولكن أحلام من أرباب الأغنية الخليجية وراغب من أرباب الأغنية المصرية. يهمني أن أكون مقتنعة أنا شخصيا بأنني أغني بشكل صحيح. وأقصد بكلامي اللهجة وليس النوتات الموسيقية».

ولكن أي اللهجتين أقرب إليها المصرية أم اللهجة الخليجية؟ الجواب حاضر بالنسبة إلى كرم: «لهجتي اللبنانية! اللهجة الخليجية (الصرفة) صعبة ولها هيبتها واللهجة المصرية (الصرفة) صعبة ولها هيبتها. أنا متخصصة بالغناء باللهجة اللبنانية ولا أقول ما أقوله لمجرد الكلام. عندما أكون محامية بارعة ماذا يمكن أن أضيف إلى مجال هندسة الديكور إذا عملت فيه، بل حتى إنني يمكن أن أطرد منه وأن يقال لي: من الأفضل أن تبقي في مجالك. وأنا لا أحب أن أسمع كلاما مماثلا. وكما أن الجمهور اللبناني فخور بي لأنني متمسكة بالغناء بلهجتي اللبنانية، فأنا أيضا سعيدة بنفسي، وأعتقد أن الجمهور المصري كما الخليجي سعيدان أيضا بالفن الذي أقدمه. لماذا أسمح للابتزاز الفني بأن يدفعني نحو خطوة توصلني إلى مكان يمكن أن أفشل فيه».

وعن موقفها من الانتقادات التي وجهت إليها والتي وصلت إلى حد التهجم عليها عندما قالت «عندما يغني عمرو دياب باللهجة اللبنانية يمكن أن أغني باللهجة المصرية وعندما يغني محمد عبده باللهجة اللبنانية يمكن أن أغني باللهجة الخليجية»، تساءلت كرم: «وهل يجب أن أنتقد لأنني قلت كلاما مماثلا؟ لا يحق لأحد أن يهاجمني لأنهم لن يستسيغوا فكرة أن يغني عمرو دياب باللهجة اللبنانية لأنهم يعرفون أنه متمكن باللهجة المصرية، تماما كما أنهم لن يستسيغوا فكرة غناء محمد عبده باللهجة اللبنانية لأنه متمكن باللهجة الخليجية. الفكرة بحد ذاتها يمكن أن ترعب اللبنانيين، عدا عن أن دياب وعبده لن يغنيا في الأساس بغير لهجتيهما، فلماذا لا ترعبني أنا أيضا هذه الفكرة. رفضي الغناء باللهجة المصرية أو الخليجية لا يمكن التعامل معه على أنه غرور، بل هو دليل خوف. لماذا يعتقد البعض أننا نتعالى على اللهجات الأخرى، مع أن الأمر لا يعدو كونه خوفا وليس أي شيء آخر. محمد عبده يخاف أن يغني باللهجة اللبنانية، أين هي خليجيّته؟ وأيضا عمرو دياب يخاف أن يغني باللهجة اللبنانية، أين هي مصريّته؟ وأنا مثلهما أخاف أن أغني باللهجة المصرية أو الخليجية، أين هي لبنانيّتي؟ إذن هم يعتبرون أنني هاجمتهم بكلامي، فهذا يعني أنهم لا يجب أن يغنوا بلهجتهم إذا كانوا يخجلون منها، على الرغم من أنني لم أهاجمهم أبدا بل أعطيتهم كل الحق. أنا أشبه تجربتي، من خلال التمسك بالغناء بلهجتي، بتجربتي عمرو دياب ومحمد عبده، لأنهما هما أيضا متمسكان بالغناء بلهجتيهما، وهذا الكلام ليس فيه استفزاز لأحد بل هو دليل غيرة ومحبة وأنا أغار منهما من هذه الناحية».

كرم التي ستشارك في 8 يونيو (حزيران) المقبل في مهرجان قرطاج، علقت على كلام وزير الثقافة التونسي الذي صرح أن غناء بعض الفنانين في هذا المهرجان لن يتم سوى على جثته: «هو يريد التمسك بتقاليد هذا المهرجان الذي وقف على مسرحه أرباب الفن في الوطن العربي. هو لا يمانع بأن يكون هناك فن بل يمانع بأن يكون هناك (مش فن). لا أعرف من هم الفنانون الذين سمّاهم الوزير أو توجّه إليهم بكلامه، ولكن حتى لو أنه لم يذكر أسماء، فإن أي فنان يجب أن يكون بحجم مهرجان قرطاج لكي يغني فيه. هناك فنانون غنوا في هذا المهرجان ولكن الجمهور التونسي رفضهم، لأنه جمهور ذوّاق وجمهور لجنة وليس جمهورا عاديا، وهو يمكن أن يقول (كلا) للفنان الذي لا يعجبه، أن يقف ويعترض وأن يطرده إلى الخارج».

وعما إذا كانت تجد أنه أصبح يتم التعامل بشيء من الاستخفاف مع المهرجانات الكبيرة، تقول كرم: «في مهرجان قرطاج لم يحصل مثل هذا الأمر. وإذا كان هناك فنانون دون المستوى شاركوا في السنوات الماضية فيه فيجب أن تعرفوا أن الجمهور التونسي طردهم، ولا أعرف ما إذا كانت قد وصلت مثل هذه الأخبار إلى لبنان. أما إذا كان هناك من حاول (تلميع) تلك الأخبار، فهذا الأمر لا يعكس الحقيقة على الإطلاق، وأنا أقول لكم إن الجمهور التونسي طردهم بكل لباقة».

كرم التي قرّبت الجمهور العربي منها وعرفت الناس على شخصيتها من خلال برنامج (Arabs Got Talent) تحدثت عن الفرق بين الوجود في هذا البرنامج والوجود في برنامج (Arab Idol) «الأول أسهل بالنسبة إلى كمتلقية كما كعضو في لجنة تحكم على المشتركين بشكل عام، لأنني لا أكتفي بالحكم على الصوت فقط. الحكم على الصوت يحتاج إلى تركيز ولجنة متخصصة بالتقنيات، لكي يأتي صائبا. صحيح أننا كفنانين نمتلك بعض الخبرة من خلال وجودنا في الاستوديوهات، ولكن بالنسبة إلى فأنا أعتبر أن وجودي في برنامج (Arab Idol) فيه الكثير من المخاطرة، ولكن هذا لا يعني أنني ضد فكرة وجود أحلام وراغب علامة فيه بل أنا معهما، وهما نجحا بالذي قدماه، ولا أقصد من حيث فكرة وجودهما في البرنامج، بل من ناحية تقييمهما للأصوات أي أنهما نجحا بتقييم الأصوات بشكل صحيح».