الفنانون الجدد.. بين استغلال أسماء الكبار وتشويه أغانيهم

ملحم بركات: غرور الصغار يدفعهم لذلك.. وأضحكتني فنانة غيرت لحنا لأم كلثوم

TT

تطفو على السطح بين فترة وأخرى ظاهرة تجديد أعمال كبار الفنانين بأصوات المغنين والمغنيات الجدد، وإذا كان من بين هؤلاء من نجح في إعادة الروح والحياة إلى أغنيات منسية لا يعرفها الجيل الجديد، فإن البعض الآخر أساء إليها عندما قدمها بطريقة مشوهة مدعيا أنه أداها بشخصيته وأسلوبه الخاص، متغافلا إمكانات صوته الضعيفة والمحدودة التي لا تسمح له حتى بأداء أغنياته الخاصة.

إلين خلف تأتي في طليعة فنانات الجيل الجديد اللواتي أعدن بأصواتهن أعمال فناني الجيل السابق، فهي افتتحت مسيرتها الفنية عام 1997 بأغنية «يا صبابين الشاي» للفنانة طروب، فأحبت الأخيرة صوت إلين ورحبت بتجربتها، الأمر الذي شجع خلف على تجديد المزيد من أعمالها. أما الفنانة مروى فبدأت مشوارها الفني بتجديد أغنية «أمَّا نعيمة»، كما صورتها بطريقة الفيديو كليب، تحت إدارة المخرج سامح عبد العزيز، ثم تبعتها بتجديد وتصوير أغنية «ما اشربش الشاي»، الأمر الذي استفز الفنانة ليلى نظمي صاحبة هاتين الأغنيتين وجعلها تصرح في الصحافة «فوجئت بمروى اللبنانية ترقص وهي تغني أغنياتي ومنها (أمَّا نعيمة)، وبعدها أغنية (ما اشربش الشاي)، وطبعا غضبت جدا ولجأت إلى الخطوات، القانونية وأبلغت جمعية الملحنين، لكني وجدت أن الطريق للشكوى طويل جدا، ورميت طوبة الموضوع لأنني اكتشفت أن لهؤلاء المطربات طرقا وأساليب لا أجيدها، وعلمت بعد ذلك أن بعض النقابات الفنية منعتها من العمل». وأضافت نظمي «إذا كانت أغنياتي تعجبها فعليها أن (تتحشم شوية) وهي تغنيها، وأعتقد أن نجاح هذه الأغنيات الشعبية يكمن في أن التي تغنيها يجب أن تكون مصرية، وأن تظهر بمظاهر البنت الريفية، لكن أن تقدم بهذه الإباحية فصعب جدا، ومع ذلك فإنها لم تستأذن، ولم تعتذر بعد أن علمت بغضبي، وهي تعتقد أن ذلك من حقها، بل الكارثة أنها تعتقد أنها تشهرني بذلك».

قبل نحو ثلاث سنوات قامت الفنانة إليسا بتجديد أغنية «لو في» للفنانة عايدة شلهوب، وضمتها إلى ألبومها «تصدق بمين». وتقول إليسا عن هذه الأغنية «هي إحدى الأغنيات الأحب إلى قلبي، ولا أملّ من سماعها، عشقتها منذ طفولتي وأستمع إليها أثناء ممارسة الرياضة وقيادة السيارة». لكن الفنانة عايدة شلهوب عبرت عن استيائها لأن المكتب الإعلامي للفنانة إليسا ذكر عند طرح الأغنية أنها للفنانة الراحلة سلوى القطريب، مشيرة إلى أنها مع تجديد الأغنيات القديمة، أما عن رأيها في أداء أليسا للأغنية فقالت «كانت منيحة».

الفنانة كارول سماحة اختارت أغنية «خدني معك» للفنانة الراحلة سلوى القطريب وقدمتها بصوتها، ومن بعدها طرح رامي عياش أغنية «على رمش عيونها»، مع أنه لم يكن قد مر سوى فترة وجيزة على طرح ألبومه الأخير، كذلك أعادت نيللي مقدسي تسجيل أغنيتي «على عيني» للفنانة الراحلة وردة الجزائرية و«مستنياك» للفنانة المعتزلة عزيزة جلال على طريقة التسجيل الحي بمرافقة فرقة موسيقية وبتقنية عالية تذكّرنا بتسجيلات الخمسينات من القرن الماضي، كما أكدت أنها تفكر في طرح أغنية «لحلحني ولا لحلحتو»، بالإضافة إلى طرح ألبوم كامل يضم أغنيات الفنانة سميرة توفيق كتحية منها إليها، بينما أعادت الفنانة نورهان تجديد أغنية «حبيبي يا عيني» للفنانة مايا يزبك، ثم اتبعتها بأغنية «طب وأنا مالي» للفنانة مها صبري المأخوذة من ثلاثية «بين القصرين» للأديب الكبير نجيب محفوظ.

من جهتها، جددت الفنانة نايا أغنية «ماما يا ماما» للفنان جورج وسوف، أما نجوى كرم فاختارت أغنية «تنقل يا غزالي» للفنانة سميرة توفيق، بينما أطلقت الممثلة نادين الراسي أغنية «أخدوا الريح» للفنانة صباح. وبعد رحيل النجمة وردة، أعلنت نوال الزغبي أنها تستعد لوضع صوتها على إحدى أغنياتها بتوزيع جديد، كاشفة أنها تربت على أعمالها وأن أول أغنية حفظتها وغنتها كانت لوردة ولم يكن عمرها يتجاوز السابعة. وضمن برنامج «يلا نغني» الذي تقدمه الفنانة لطيفة أعلنت الفنانة ديانا حداد عن نيتها تجديد أغنية «ويلي لو يدرون» للعملاق وديع الصافي. ومن جهتها أطلقت رولا سعد ألبومها الأخير «رولا تغني صباح» تكريما للفنانة الكبيرة صباح وتقديرا لمشوارها الفني، ومثلها فعلت الفنانة ريما خشيش التي طرحت ألبوما بعنوان «من سحر عيونك» الذي ضم مجموعة من أغنيات صباح التي غنتها في الأفلام.

الموسيقار ملحم بركات اعتبر أن الغرور ضرب رأس المغنين الموجودين على الساحة مما يجعلهم يؤدون أعمال الكبار بطريقة غير مقبولة على الإطلاق «أكثر ما يضحكني عندما تغني فنانة إحدى أغنيات أم كلثوم وتعمل على التغيير في اللحن، إذا كانت أم كلثوم لم تغيّر اللحن فمن تكون تلك الفنانة لكي تسمح لنفسك بذلك؟! وكأن رياض السنباطي أو بليغ حمدي لا يفهمان في التلحين فتعمد إلى الزيادة على اللحن بالطريقة التي تريدها».

أما الملحن سمير صفير فأكد أنه مع فكرة تجديد الأغنيات القديمة بأصوات الجيل الجديد من المغنين، مشيرا إلى أن السبب الذي يدفع الفنان إلى خطوة يعود لمسألتين «الأولى لأنه يحب تلك الأغنيات ويميل إلى تقديمها بصوته، والثانية لأن هناك تطورات في التوزيع الموسيقي والتنفيذ والتكنولوجيا فيسعى إلى تقديمها بطريقة حديثة، لكن هذا التجديد يكون مرفوضا عندما يسيء الفنان إلى الأغنية، وللأسف فإن 80 في المائة من المغنين الذين جددوا الأغنيات أساءوا إليها، إلا أنني أحببت أغنية (مستنياك) للفنانة عزيزة جلال بصوت نانسي عجرم، كما لفتتني أيضا تجربتا كارول سماحة وإليسا، بينما رولا سعد لم تضف شيئا إلى أي من أغنيات صباح، بل حتى إنها جعلتها تتراجع إلى الخلف. عادة الناس عندما يستمعون إلى أغنيات مشهورة ومعروفة بأصوات جديدة يتفاعلون معها، لكن للأسف هناك من يسيء إلى تلك الأغنيات ولا يستفيد من هذا الأمر سوى الفنان نفسه».

وعن ظاهرة تجديد الأغنيات التي تعوم على السطح بين فترة وأخرى يوضح صفير «لطالما شهدت الساحة الفنية مدارس غنائية عدة، كمدرسة فيروز ووديع الصافي وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وكارم محمود، لكننا اليوم نفتقد إلى مثل هذه المدارس الغنائية، ولذلك بات معظم الفنانين يلجأون إلى التجديد والتقليد والسهل الممتنع، ولا يوجد من بين هؤلاء من يعمل على تكوين خط غنائي خاص به».

ويرى صفير أن 20 في المائة فقط هم الفنانون الذين يعيدون تجديد الأغنيات بهدف تذكير الناس بها «الباقون يفعلون ذلك بحثا عن التوفير لأنهم بخلاء ولا يحبون دفع المال، إذ يكفي أن يدفعوا مبلغ 100 دولار للساسيم لكي يحصلوا على حق غنائها ثم يقوموا بتسجيلها، أي أن يوفروا على جيوبهم مبلغ 10 آلاف دولار، هذا عدا عن وجود فئة من المغنين يرفض الملحنون التعامل معهم فيجدون في تجديد القديم حلا لمشكلتهم».

وعما إذا كان عدم عثور المطرب على كلمة جميلة أو لحن ناجح سببا قد يدفعه إلى البحث عن أغنيات وتقديمها بتوزيع جديد، يوضح صفير «أن يقال إنه لا توجد كلمة جميلة فهذا التبرير صعب جدا ولا يمكن تقبله على الإطلاق، لأنه لا يوجد من بين المطربين من يبحث عن كلمة جميلة أو موضوع أنيق، وأنا أؤكد أن عدد الفنانين الذين يحرصون على الكلمة الجيدة لا يتجاوز 2 في المائة أو 3 في المائة، بل حتى إنهم لا يجيدون ترداد كلمات أغنياتهم من دون غناء، وفي الأساس هم لا يكترثون للكلام الذي يغنونه».

هل يعتبر صفير أنه يجوز للمغنين تجديد أغنيات كل المطربين حتى الكبار منهم؟ يجيب «قانونيا هذا الأمر مسموح. صحيح أن هناك حرية وديمقراطية، لكن هذه الحرية يجب أن تتوقف عندما تصل إلى مرحلة الإساءة إلى الآخرين، وإذا لم يفعل الإنسان ذلك من تلقاء نفسه فلا بد من توافر الرادع الذي يجبره على ذلك، من خلال تشكيل لجنة فنية أو أي جهة أخرى تقوم بهذا الدور، وتتابع تقنيا وباحتراف هذا الموضوع بهدف المحافظة على البث الهوائي كما على ذوق المستمع وثقافتنا وحضارتنا، وهذا ما نطالب به دوما».

ويرى صفير أن «من يملكون خلفية فنية راقية نادرا ما يلجأون إلى تجديد الأغنيات، وربما يفعلون ذلك خلال غنائهم على المسرح، أما من يقصدون الاستوديوهات ويسجلونها فهم في الغالب مغنون لا يؤمنون بأنفسهم وبموهبتهم». أما بالنسبة إلى الفنانين الذي يلجأون إلى تجيد أغنيات مشهورة ومعروفة لاستعادة شهرة أو نجومية سحبت من تحت أقدامهم، فيقول صفير «أنتم أغبياء، لأن الناس عندما أحبوا تلك الأغنيات لم يفعلوا ذلك لكونها تتميز بلحن وكلام جميليْن فقط، بل أيضا لأن صاحبها أوصلها بصدق إلى الناس، وأنتم عندما تعيدون غناءها بأصواتكم فإن الناس سوف يكرهونها، وأنا شخصيا كرهت بعض الأغنيات التي كنت أحبها كثيرا عندما سمعتها بأصوات عدد من المغنين، لأن نجاح أي أغنية يعود بنسبة 50 في المائة للحن والكلمة، أما النسبة الباقية فتعود إلى أداء المطرب».

الفنان غسان الرحباني أيد فكرة تجديد الأغنيات وإن كان لا يرى أنها تضيف إلى الأغنية الأصلية، بل هي من وجهة نظره «تضيف إلى الناس وتسمح لهم بالاستماع إلى أغنيات ذات قيمة بدل إضاعة وقتهم وتدجينهم وتعويدهم على الاستماع إلى أغنيات (بلا طعم) والتي تشبه بثقافتها (ثقافة النرجيلة)». وأكد أنه في الغرب تمت إعادة غناء أعمال ألفيس بريسلي وبول أنكا بأصوات كل المطربين، وهذا الأمر صب في مصلحة أصحابها الأصليين، وصاروا أكثر قيمة وأهمية. وتابع الرحباني «لم نسمع يوما صوتا اعترض على هذا الأمر أو وجد فيه إساءة لهؤلاء الكبار، بل هو كان بمثابة تكريم لهم». وعن الطريقة التي يمكن اللجوء إليها لمنع الإساءة إلى الأعمال المجددة، يوضح الرحباني «يجب على الملحن عندما يعطي الأذن للمطرب بإعادة تجديد الأغنية أن يشترط عليه كيف وأين سوف يقوم بتجديدها، وأن يستمع إليها قبل طرحها في الأسواق». ولا يجد الرحباني أن تجديد الأغنيات تحول في يوم من الأيام إلى موضة «التجديد لطالما سار جنبا إلى جنب تقديم الأغنيات الجديدة، لكن في بعض الأحيان يحصل تركيز على هذا الموضوع في فترات معينة أكثر من فترات أخرى». وعن رأيه في الأغنيات العربية المجددة يقول «لا أعرف عنها شيئا، ولا أشاهد حتى الفيديو كليبات، لأنني لا أجد نفسي مستعدا لالتقاط فيروس الأغنيات الهابطة، بل أنا أكتفي بمتابعة الموسيقى العالمية لأنها تريحني، ولذلك لا أستطيع أن أعطي رأيي في الأغنيات العربية التي يعمل بعض الفنانين على تجديدها».