الطرب الينبعاوي.. ورحلة البحث عن الهوية

الجدل لا يزال قائما حول أصله المتفرق

الطرب الينبعاوي.. اختلف الناس في تحديد النسب الحقيقي لهذا اللون الطربي («الشرق الأوسط»)
TT

«دستور يا ساحل الغربي/ فليت في بحرك شراعي»؛ بهذه الكلمات استأذن سكان المدن الواقعة على طول ساحل البحر الأحمر، من عقبة الأردن مرورا بسيناء مصر، وحديدة اليمن، حتى حاضرة ينبع السعودية، بنخلها، بحرها، ليبدأ نسج قصة الأغنية الينبعاوية، التي وإن اختلفت تسميتها في كل مدينة من مدن الساحل؛ إلا أن رنة وتر عازفي سمسميتها، تستطيع أن تعود ببحارتها لليالي الأنس ولسان حالهم يصدح بـ«يا ليلة الأنس ما تعودي لنا».

ينبع التي سالت أغنياتها أودية؛ على طول مدن الساحل الغربي، وفاضت لتعم كافة المدن السعودية، باعتبار الطرب الينبعاوي فنا أصيلا للمدينة، في ظل الجدل الذي ما زال قائما حول أصله المتفرق، بين قدود حلب، وهو ما يبدو واضحا في مواويل تغنى بها الينبعاويون «يا مسافر على بر الشام/ خدلي معاك لحبيبي سلام»؛ على الرغم من البعد الجغرافي.

في حين لعب حضور الجغرافيا، دوره عبر طراوة الكلمة المصرية؛ الحاضرة في الطرب الينبعاوي، الأمر الذي أرجعه الشاعر ناجي بطيش إلى «التمازج الثقافي، وصلة النسب، كان لها دور مهم، في انتشار بعض الأغنيات المصرية»؛ في حين لعبت مراكب الصيد، وكثرة تنقل البحارة، بين عواصم الساحل دورا آخر، عمل على اقتباس بعض الأدوار والموشحات؛ التي كانت تغنى في مصر، وتم تعديل بعض كلماتها، لتتناسب مع واقع حال الينبعاويين ذلك الوقت».

ولسان حال الينبعاويين يغني للمصريين «أنا الجسد وأنت الروح/ وما لي غنى عنك/ غني عن الناس/ وما لي غنى عنك، يلي العقيق مبسمك/ والجوهر سنك/ أنا قبل ما أعرفك/ جاني خبر عنك/ إنك ظريف المحاسن/ والحلو فيك فنك».

إلا أن ذلك لم يشفع عند المتعصبين للطرب الينبعاوي، لتحديد النسب الحقيقي لهذا اللون الطربي، الأمر الذي دعا البعض لتأكيد هويته وفرادته كلون طربي، خاص بينبع معتمدين على أسماء عائلات نذرت نفسها، للطرب الينبعاوي، من أمثال البطيش والرويسي، اشتغلت على تأليف الكلمة الشعرية وللحنية في آن. ولم يقف الأمر عند عائلات ينبع، بل تجاوزتها لكافة مدن الساحل الغربي، باعتبار أن هذا الفن هو موروث شعبي. كما أبان بطيش.

وعلى الرغم من الأصول الفرعونية لآلة السمسمية، التي هي دعامة من دعامات الطرب الينبعاوي، التي تقوم على خمسة أوتار - تتبع السلم الخماسي، ومكونة من فرمان وحمال وسناد والشمسية والقرص وصندوق الصوت والحوايات والأوتار والفرس. والمنتشرة بأشكال مختلفة لها على طول مدن ساحل البحر الأحمر، وربما تختلف تسمياتها، حسب اللهجة الدارجة فيها.

إلا أن ذلك لا يعد سببا وجيها عند الينبعاويين، في تجيير الطرب الينبعاوي لصالح الأغنية المصرية، مكتفين بالحضور الطاغي لهذا اللون الغنائي؛ في الأعراس والمناسبات السعيدة، الذي يفسره «الإيقاع والرتم السريع للأغنية الينبعاوية»، كما أوضح الملحن أنور معوض، الأمر الذي يعيدنا مرة أخرى للنسب المصري للأغنية الينبعاوية، إلا أن مصرية الإيقاع لم تكن يوما حاجزا، لحراس الطرب الينبعاوي، من «تطعيمها بلون العجل الطربي، لكسر هذا الإيقاع».

وتأتي شهرة بعض الأغنيات التي يتم تداولها بشكل كبير في الحفلات، دون غيرها من الأدوار الينبعاوية، بسبب تسجيلها من قبل فرق فنية مثل فرقة أبو سراج وأبو هلال، والتي ساهمت إلى حد كبير في انتشار هذا اللون؛ على الرغم من كم علامات الاستفهام الموجهة لأبو سراج، من قبل قامات ينبعاوية، ترى أن «ما يقدمه على أنه ينبعاوي؛ فن مغلوط»، كما وصفه كلا من معوض وبطيش.

وعلى الرغم من الفن المغلوط الذي قدمته فرقة أبو سراج؛ إلا أن ما يشفع له أنها قدمت هذا اللون وساهمت في انتشاره، عند مجتمع الشباب، بطريقة محببة ولسان حالها يقول «أنا عبيد عبدك/ وأنا متيم بك/ وقتلتني بلحظك يا حبيبي/ والسحر في عينك/ آه يا سيدي أحبك/ وأنت لي صاحب/ والعين ما تعلى/ يوم على الحاجب».

تجديد الطرب الينبعاوي، القائم على «السمسمية والمرواس»، كما أوضح بطيش، طاله التجديد حاله حال باقي الفنون، الأمر الذي انعكس إيجابا من خلال إدخال آلة القانون، التي أدخلها «عبد رب النبي أو أبو رديف»، والذي كان يعد عازفوه من «أصحاب الكعب العالي»، كما وصفهم معوض، موضحا أن ثمة تصنيفا يعرفه الينبعاويون، بشكل مستتر، بين عازفي القانون والسمسمية، التي هي أصل الطرب الينبعاوي، والمقصورة على فئة الصيادين، إلا أن ذلك لم يمنع ولادة عازفين للقانون، ارتبطت أسماؤهم بالأغنية الينبعاوية، من أمثال «حميدي بلال، وإبراهيم بطيش، وحسين الخطيب وعواد أبو زكي».

«مد الشراع يابا عونك يا رحمن»، ليست إلا دلالة على مشقة البحارة؛ الذين لم يجدوا في ذلك الوقت من عون وشغل للوقت؛ إلا التبحيرة المصاحبة للموال، والتي تم إدخالها على الأغنية الينبعاوية، وفي حين يعد الموال ركيزة أساسية في الأغنية الينبعاوية، إلا أن الخلط بين الموال المصري والمجس، ظلم الموال الينبعاوي؛ من خلال استخدام موالات مصرية، ونسبتها للموال الينبعاوي، القائم على «مشق ومحط».

ولأن العادة قد جرت بأن تكون للفنان طقوس، يبدو أن الينبعاوية، قد أخذوا على أنفسهم عهد، بأن يغيروا تلك العادة، ليصبح للطرب الينبعاوي طقوسه، التي تبدأ من موال يبحر بين مقامات الرصد والسيكا، ويحط رحاله عند الحجاز، ولسان حاله يقول «لا تحسب البعد يفرقنا إذا طول/ دا البعد زود معنا الشوق أكثر من الأول/ بس أنا خايف عليك لتميل وتتحول/ يا محسن الود والمعروف إذا طول»، مبتدئا دور ينبعاوي، قبل أن يثير مستمعيه بشجن التبحيرة.