معين شريف: بأي عين يمكن أن ينظر الناس إلى فنان يتخلى عن قضية من أجل مصالح مادية؟

يستعد لطرح أغنياته الجديدة بعيدا عن «روتانا».. ويشبه تجربته بتجربة وديع الصافي

معين شريف
TT

يتجه الفنان معين شريف إلى طرح مجموعة من الأغنيات المستقلة خلال الفترة المقبلة، بعيدا عن شركة «روتانا» التي يربطه بها عقد فني، على الرغم من أن الشركة بدأت بطرح ألبومات الفنانين اللبنانيين المتعاقدين معها، من بينهم ملحم زين، وإليسا، وقريبا وائل كفوري. وعندما يسأل شريف عن مصير ألبومه الذي ينتظر في الأدراج منذ نحو أكثر من سنتين، يبادر إلى القول «لا يوجد ألبوم كامل بل مجموعة أغنيات سوف أعمد إلى طرحها الواحدة بعد الأخرى. الألبوم لم يعد موضة، وبخاصة أنه تنجح منه 3 أغنيات والأغنيات الباقية تذهب سدى وينساها الناس، فلماذا نتعب أنفسنا وننفذ ألبوما كاملا؟! وفي الأساس لا يوجد شيء اسمه بيع (سي دي) والأغنيات تتعرض للقرصنة وتنتشر على (اليوتيوب)، ويبدو أن الإنترنت (خرب الدنيا)».

وعما إذا كان قرار الابتعاد عن طرح ألبوم كامل، جاء نتيجة قرار شخصي أم بسبب خلافاته مع «روتانا»، يوضح شريف «مشاكلي مع (روتانا) معروفة وقائمة منذ فترة طويلة، ولا جديد فيها. سبق أن أرسلت لها إنذارين، ولكن بسبب (شوية وفاء) أرجأت موضوع الخلاف جانبا مفسحا المجال أمام حل ودي معها. ولكن هذا لا يعني أنني لا أستطيع التخلي عنها، بل كل ما في الأمر أنني لم أرغب في أن يقال عن تجربتي معها، كما يقال عادة، إن الفنان يستغل الشركة ويتحدث عنها بشكل إيجابي عندما تكون علاقته جيدة بها، وعندما تقصر قليلا معه (يخرب الدنيا على رأسها)، ولذلك حاولت أن أبرهن أنه على الرغم من التقصير الحاصل في حقي، (خلينا شوي مناح). ولكن في النهاية الدنيا مصالح، ومن الطبيعي ألا أغلب مصلحة (روتانا) على مصلحتي الشخصية، ومن الآن فصاعدا لن يلومني أحد مهما فعلت».

وعندما يسأل شريف عن الخطوة التالية التي ينوي القيام بها تجاه «روتانا»، يجيب «وهل يمكن للمرء أن يفصح عما يخطط له؟!».

ولأن شركة «روتانا» استبعدت عددا كبيرا من الفنانين، ومن بينهم معين شريف، وأبقت فقط على من وجدت أنهم الأنجع بالنسبة إليها، ولأنها أيضا عمدت في الفترة الأخيرة على توزيع ألبومات عدد من المطربين غير المتعاقدين معها، الأمر الذي يفسره البعض بمحاربة له، يقول شريف «هكذا يبدو الأمر لجميع الناس، ولكن الطلاق وقع بيني وبين (روتانا) منذ ثلاث سنوات. في ظل الإدارة الحالية لا يمكن أن أتعاون أو أن أجدد عقدي معها على الإطلاق. عندما تذهب هذه الإدارة لكل حادث حديث، أما إذا بقيت فهناك شركات إنتاج كثيرة سواها، لأنه من العار أن أستمر معها».

ولأن النقاد كما معظم الفنانين يجمعون على أن صوت معين شريف هو من أهم الأصوات في العالم العربي، يتساءل الكثيرون لماذا لم يحقق شهرة ونجومية كاظم الساهر مثلا، والجواب بالنسبة إلى شريف «عودوا إلى أرشيف كاظم الساهر هل غنى ضد إسرائيل! من جهتي لا أجد تفسيرا آخر». ويضيف «طبعا أنا محارب، وهل الحرب تكون بالصواريخ والطائرات فقط، أم أنها مفتوحة على الجبهات كافة؟! وفي رأيي فإن الحرب تشن علينا من الجبهة الثقافية قبل الجبهة العسكرية».

وعن السبب الذي يجعله يتمسك بالفن في ظل كل هذه المحاربات، يقول شريف «الجمهور والتاريخ الذي لا يرحم، فبأي عين يمكن أن ينظر الناس إلى فنان يتخلى عن قضية من أجل مصالح مادية؟! الله عندما أعطانا الموهبة، لم يهبنا إياها من أجل أن نغني في الليل ومن أجل الناس التي تسهر وتشرب، بل من أجل أن نترك رسالة للأجيال المقبلة. أنا متمسك بفني لأنني أحب الجمهور ولأنني أعرف أنه يحبني أيضا، ومكانته عندي هي التي تجعلني أقف على قدمي. أما المحاربات فلا أهتم لها على الإطلاق، لأن موهبتي أكبر وأهم منهم بكثير».

ويرفض شريف التعليق على التصريحات السياسية التي صدرت على لسان بعض الفنانين في المنابر والمهرجانات الفنية، ولكنه يوضح «كنت أول فنان يعبر عن مواقفه عندما غنيت (لازم تعرف يا محتل) ويومها لم يكن يفكر أي فنان بالتصريح على المنابر. وللأسف، هناك فرق شاسع بين القضايا التي كنا نتحدث عنها وبين القضايا التي تثار اليوم على المنابر! هل قامت قيامة هؤلاء عندما كانت تقصف غزة وتنتهك حقوق الإنسان أو عندما كانت إسرائيل تقصف الجنوب اللبناني؟! وأنا أتمنى أن يوجه هذا السؤال إليهم، وبخاصة أننا لم نر اهتماما من قبلهم بالقضية المركزية، كالاهتمام الذي نراه اليوم».

أما عن رأيه بمستوى الأغنية اللبنانية والأصوات التي تؤديها، فيجيب شريف «المستوى متدن جدا ولم يعد يوجد فن من أجل الفن. عندما أصبح ما نسمعه مؤذيا للأذن توقفت عن سماع الأغنيات ولم أعد أتابع الأعمال الجديدة، وعادة أنا أكتفي بالاستماع إلى مطلع الأغنية فإذا أعجبني أكمل وإذا لم يعجبني أنتقل إلى محطة أخرى، لأنني أرفض أن (أوسخ) أذني بأعمال هابطة». وعما إذا كان يعتبر نفسه الأفضل بالإضافة إلى ملحم زين وأيمن زبيب وعاصي الحلاني ووائل كفوري وفارس كرم، يقول شريف «لن أذكر أي اسم، والأغنية الحلوة تفرض نفسها وصاحبها يعرف نفسه».

هل هذا يعني أننا نعيش في عصر الأغنية وليس في عصر النجم أو الفنان؟ يقول شريف «للأسف، الأغنية التي تضرب يبرز اسم صاحبها، وعندما تذهب الأغنية يذهب صاحبها معها، وأنا لا أعتبر نفسي من هؤلاء. آخر ألبوماتي طرحته قبل 5 سنوات، ولا أزال موجودا على الساحة، وهذا يعني أنني صاحب تاريخ فني. كل الأعمال التي قدمتها خلال السنوات، والتي حرصت من خلالها على المستوى الراقي، لم تكن مرتبكة بموضة، بدليل أن أغنية (حبيبي يا أمل بكرة) التي يبلغ عمرها 15 عاما أو أغنية (غدار) وسواهما من الأغنيات الأخرى لا تزال ضاربة وموجودة، ومن يسمعها اليوم يشعر وكأنها طرحت حديثا، وأنا لم أطرح أي عمل جديد، من بعد آخر ألبوماتي، لأنني لم أجد أعمالا بالمستوى المطلوب إلا أخيرا».

وعن إمكانية غنائه بلهجات أخرى غير اللهجة اللبنانية، يجيب شريف «لا مشكلة عندي، وأنا يمكن أن أؤدي أي أغنية تتميز بالكلمة الحلوة والراقية وبالموضوع الجميل حتى لو كانت باللغة الصينية، ولكن في المقابل، من المهم جدا أن أجيد اللهجة التي أؤديها».

وعما إذا كانت الأغنية الخليجية حافظت على مستواها أكثر من الأغنيات العربية التي تقدم باللهجات الأخرى، يرد شريف «دعيني من التقييم! لكن نحن أيضا عندنا فيروز ووديع الصافي، والساحة هي التي تقيم أهرامات الفن اللبناني». وهل يتوقع شريف أن يصبح في يوم من الأيام هرما مثلهما، يجيب «إن شاء الله، إذا استمررت بالمحافظة على المستوى المطلوب وإذا تمكنت من بناء تاريخ فني مهم. رصيد فيروز ووديع الصافي من الأغنيات يزيد على الـ7 آلاف أغنية لكل منهما، ومعظمها أعلى من المستوى المطلوب».

ولأن الفنان بحاجة إلى ظروف فنية مناسبة تحيط به لكي يتمكن من أن يصبح هرما في يوم من الأيام، يرى شريف أنه «كان هناك فريق فني مهم يحيط بفيروز وهي لم يكن مطلوبا منها سوى أن تغني، أما وديع الصافي فلم يكن معه إلا عوده. وأنا أجد أن تجربتي قريبة من تجربته، فهو تعرض للكثير من المحاربات، ولكنه تعب وسافر وكد واجتهد ولم يصل إلى ما وصل إليه في يوم وليلة. أعمال هذين الكبيرين لا تموت أبدا وأنا أتمنى لو أنني تمكنت من معاصرة شخص اسمه عاصي الرحباني».

وعن إمكانية لحاقه بركب الفنانين الذين يستغلون نجوميتهم في الإعلانات أو في البرامج التلفزيونية تقديما أو كأعضاء لجان التحكيم، يوضح شريف «إطلالاتي متعددة وكلها تحظى بأكثر من الصدى المطلوب. الفنان وحده هو الذي يحدد المكان الذي يحقق نفسه من خلاله، والذي يرى أنه يستطيع أن يطل من خلاله. لا شيء يمنع من أن يشارك الفنان في عمل دعائي، شرط أن يعرف ما هي السلعة التي يروج لها، لمن هي تابعة وإلى أين تذهب أرباحها، أما بالنسبة إلى المشاركة كعضو لجنة تحكيم في برامج الهواة، فإن الأمر يحتاج إلى تفرغ وأنا لا أملك الوقت الكافي له حاليا».

وبسؤاله عما إذا كان المردود المادي الكبير يمكن أن يجعله يغير رأيه وعندها يمكن أن يجد الوقت الكافي للوجود في مثل هذه البرامج، يجيب شريف «عندما أكون بعيدا عن مسرحي وجمهوري، أتحول من فنان إلى مستمع، وأنا أرى أن مثل هذه الخطوة لا تزال مبكرة علي. ربما عندما أشعر أنني انتهيت من مشواري وأنني قدمت العدد الكافي من الأغنيات والألبومات، يمكن أن أرتاح سنة كاملة من دون إنتاج. ولكنني في كل الأحوال لا أحب أن أكون في موقع تقييم الآخرين، لأن هذا الأمر يجعلني أشعر بالادعاء وكأنني وصلت وعلى الآخرين أن يأخذوا بنصائحي».

هل يرى بكلامه هذا أن مشوار نجوى كرم وراغب علامة انتهى؟ يؤكد شريف «لا أعرف، أنا أتحدث عن نفسي. راغب يملك أرشيفا كبيرا ومثله نجوى. ربما هما يريان أن خيارهما صائب أو ربما العرض ناسبهما».

في المقابل لا يرى شريف أن مثل هذه الإطلالات تقرب الفنان من جمهوره، «بل هي تسبب الملل، عندما يراني الجمهور كل يوم يتحول الأمر إلى روتين والروتين يؤدي إلى الملل».

أما عن إمكانية خوضه تجربة التمثيل، فيقول شريف «التمثيل يحتاج إلى تقمص شخصيات لكي يتمكن الفنان من تجسيد الدور المطلوب منه، وأنا عفوي جدا، كما أن فيه نوعا من عدم الصدق، لأن الفنان يقدم كاراكتير بعيدا عن كاراكتيره، وأنا نجحت كممثل في كليباتي، لأنها تشبهني، وإذا عرض علي دور تلفزيوني أو سينمائي يشبهني، يمكن أن أقبل به، وخاصة إذا شعرت أنني يمكن أن أقنع الناس من خلاله، ومن الطبيعي أن يكون بلهجتي، لكي يشبهني».