قمر.. محاولة فاشلة لاستنساخ هيفاء وهبي

صراع الأصل والصورة في فيلم «حصل خير»

TT

ليس جديدا أن تصبح فنانة ما هي النموذج الذي تتشبه به الأخريات هناك دائما ما يمكن أن نطلق عليه المرأة النموذج في عصر ما.. هكذا مثلا كانت ليلى مراد في الأربعينيات وفاتن حمامة في الخمسينات وسعاد حسني في الستينات خلال القرن العشرين.

في الماضي كانت الفتيات يقلدن النموذج في الملابس أو أسلوب الحديث والملامح عن طريق المكياج ولم تكن بالطبع جراحات التجميل قد تقدمت كما حدث في السنوات الأخيرة حيث إن نموذج نانسي عجرم وهيفاء وهبي صار هو السائد الآن وأطباء التجميل أصبح يطرق بابهم عدد من الفتيات بعضهن يردن التشبه بملامح نانسي عجرم والأخريات ملامح هيفاء وهبي ومن الممكن أن تجد في الممثلة اللبنانية قمر شيئا من هذا حيث إنها تبدو وكأنها تريد أن تقول للجمهور إنها هيفاء الجديدة بل وأكثر من هيفاء حيث إنها تصغرها بعدد لا بأس به من السنوات.

أتصور أن الفنانة الجديدة قمر وقعت تحت ضغط مرض فني يصيب البعض وهو تقليد النموذج الذي يحقق نجاحا طاغيا ومن أعراض هذا المرض الشائعة أن المريض بالتقليد لا يدرك أنه هو الذي يقلد بل يعتقد أن العكس هو الصحيح يتصور أنه الأصل والآخرين هم الصورة.. بالمناسبة حدث ذلك في أعقاب النجاح الطاغي الذي حققه المطرب عبد الحليم حافظ قبل نحو 60 عاما أن تقدم للإذاعة المصرية نحو 30 صوتا يقلدون عبد الحليم كل منهم يدعي أن عبد الحليم هو الذي يقلده!! قمر تنويعة فنية وشكلية على هيفاء حيث إن رأسمالها الفني ليس في الصوت ولكن في الأداء الذي يعتمد على الغواية والأنوثة قمر وضعت عينها على هيفاء وقررت أن تحاكيها في الحركة والنظرة ومع تقدم علم جراحات التجميل من الممكن أيضا أن تكتشف أنها صارت صورة منها على مستوى الشكل ولو سألتها سوف تقول لك إن العكس هو الصحيح وهيفاء هي التي تقلدها في أسلوب الغناء وهي التي تسعى لكي تكتسب نفس ملامحها وأعتقد أن فيلم «حصل خير» لم يكن يعني صناعه سوى تقديم قمر باعتبارها هي هيفاء 2012.

أكثر من ذلك قدمت قمر في الفيلم أغنية قديمة اسمها «رنة خلخالي» كانت هيفاء قبل بضع سنوات فقط قد أعادت غناءها على المسرح كل ذلك من أجل أن تقول للجمهور إنها هيفاء الحديثة بينما المنتج بالتأكيد وجد فيها كفنانة صاعدة فرصة لكي يدفع أجرا أقل ولسان حاله يقول على طريقة الإعلان الشهير ليه تدفع أكثر لما ممكن تدفع أقل.

كل شيء في هذا الفيلم تشعر بأنه يعيد قالب قديم البناء الدرامي الذي كتبه سيد السبكي أيضا يستلهم فيلم «عمارة يعقوبيان» رواية علاء الأسواني التي قدمت من خلالها حكايات مصرية تناولت مصر أيام مبارك بينما في عمارة السبكي لم يقدم في تلك العمارة التي يملكها طلعت لبيب سوى أن هناك قمر راقصة ومطربة لبنانية جاءت للقاهرة لرعاية شقيقتها الصغرى وهناك في العمارة ثلاثة متزوجين سعد الصغير من آيتن عامر ومحمد رمضان من بدرية طلبة وكريم محمود عبد العزيز من أمينة مطربة الحنطور.. الثلاثة يصابون بحالة من الهلع والشحتفة العاطفية بمجرد أن يشاهدوا قمر ويخرون صرعى واحدا بعد الآخر على باب شقتها ويبدأ السيناريو في البحث عن أغنية أو رقصة وكل ذلك من أجل أن تزداد المشاهد التي توجد بها قمر فهو فيلم مصنوع على مقاسها والهدف هو أن يحيلها في لحظة إلى نجمة كبيرة أو هكذا تتوقع وتتمنى.. إلا أن المخرج إسماعيل فاروق والمنتج أحمد السبكي في طريقهما لتحقيق هذا الهدف ارتكبا عشرات من الأخطاء.. مثلا في بيت الدعارة الذي ذهب إليه الثلاثة أزواج لم يجدوا غير أغنية محمد منير «علي صوتك بالغنا» لتتحول إلى أغنية جنسية الكلمات التي تمتلئ إرادة ووطنية صارت تعني فشلا في إتمام العلاقة الجنسية!! تجد المطرب الشعبي طارق الشيخ ويغني مع قمر وبعدها تنتقل إلى سعد الصغير ثم محمود الليثي.. في الفيلم قرر المخرج أن يقدم أسلوب البارودي أي إنه يلتقط مشهدا شهيرا من فيلم قديم مثل «معبودة الجماهير» بين عبد الحليم وشادية ويؤدي سعد دور حليم وتصبح قمر هي شادية في المشهد الذي يحملها فيه على دراجته.. كذلك نشاهد المطرب محمد قنديل وهو يغني في «صراع في النيل» «يا مهون هون» في هذا المشهد حيث يصبح الليثي هو قنديل ولطفي لبيب عمر الشريف وقمر هي هند رستم ونرى كريم محمود عبد العزيز الذي يعيد مشهد من فيلم والده محمود عبد العزيز «الشقة من حق الزوجة»!! وفي كل فيلم يشارك فيه المطرب الشعبي الليثي تنهال على وجهه عشرات من الصفعات من كل المشاركين في الفيلم وتكرر الأمر بالطبع في «حصل خير» وتتردد بهذه المناسبة نكتة في الوسط الفني تشير إلى أنه يحصل على أجره مقابل عدد الصفعات التي ينالها مخصوما منها عدد الأغنيات التي يقدمها!! المخرج إسماعيل فاروق تخصص في مثل هذه الأفلام التجارية وفي مثل هذه الظروف لا تجد أي شيء مختلف عما سبق ولكنه يقرر استنساخ كل ما هو متاح أمامه.. قمر التي تقلد هيفاء ومحمد رمضان يزداد تشبها بأحمد زكي وكريم محمود عبد العزيز لا يزال يعيش في جلباب أبيه محمود عبد العزيز.

إننا بصدد فيلم تجاري متواضع يبحث صناعه عن ضحكة وقفشة ونكتة وغنوة ورقصة.. وأصبح نجومه أشبه بالبديل الصيني الرخيص في الثمن.. الفيلم في النهاية هو طبخة سبكية تجد فيها البنت الحلوة وأكثر من مطرب شعبي بالإضافة إلى طفلة تحاكي الكبار كل ذلك من أجل إثارة الضحك باستخدام أي وسيلة ولكن لا شيء أبعد من ذلك.

يسأل الناس كثيرا هل هذه هي السينما التي ننتظرها بعد الثورة المصرية والحقيقة أن الجماهير تستحق أعمالا فنية أعظم ولكن لن تنتهي من حياتنا أبدا الأعمال التجارية.. الثورة لا تملك عصا سحرية لتغيير الصورة الفنية بينما قمر تعتقد أنها تستطيع برنة خلخالها أن تُحدث ثورة في الوسط الفني!! إننا بصدد فيلم متواضع أراد صناعه أن يحققوا هدفا محددا وهو تقديم نجمة استعراضية على طريقة هيفاء وهبي فهل من الممكن أن تنتصر الصورة على الأصل؟!