«مشقاص».. «عراب» الفوازير الرمضانية في الزمن الجميل للتلفزيون السعودي

ملامحه التي ترسمها عمامة حجازية وسديري وساعة بارز على صدره أسهمت في ترسيخ شخصيته لدى المتلقي

TT

طاير سواح وبطاقتي براح وراح أوصل آخر الكون ارتاح وأنا جية معاك كدا بالعافية! طبعا ما انا اسمي الجغرافيا أهلا شرفتي أنستينا، لكن على فين حتودينا؟

قبل أن نعرف إجابة السؤال. يبدو أن السواح في بلاد الله، لم يدخل في حساباته يوما أن تأخذه الأقدار نحو عالم المشاهير. ملامح مشقاص أو (حسن دردير) التي ترسمها عمامة حجازية وسديري، فيما تحتل الساعة مكانها البارز على صدره، كلها سمات خارجية أسهمت في ترسيخ شخصية «مشقاص»، منذ أول ظهور تلفزيوني له، عبر مراحل عمرية شابها التغيير الطبيعي للشخصية؛ إلا أنه لم يلغ قط عند الدردير محبته للناس ونظريته التي أكدها الإعلامي بدر كريم «أكثر الناس فطروا أخيارا».

حسن ظن الدردير بالناس أوقعه في كثير من «المطبات»، كان هو في غنى عنها، لم يشكل حجابا يواري شخصيته التي وصفها كريم بقوله: «الدردير شخص صاف ونقي و(بلوري)، إن صح التعبير، وبسبب هذه السمات يقع كثيرا في حبائل من لا يخافون الله». «ابن البلد».. التعبير الذي اعتبره علي البعداني، رفيق درب الدردير وصفا يختزل مشقاص، بكل سلبياته وإيجابياته، على الرغم من خلافه معه في عدم التزامه فنيا، وارتجاله في بعض الأحيان للأدوار التي تسند إليه.

حسن دردير الذي شرق وغرب بعد وقرب، قبل أن تحط رحاله في بيت الفوازير الرمضانية، مبتدئا إياها عبر سياحته الكرتونية، التي لم يتوان فيها عن ركوب «صاروخ مشروخ وبزمارة»؛ ليكون أول من يسجل سبقا في عالم الفوازير في الزمن الجميل للتفزيون السعودي. الفكرة التي تبنى وزير الإعلام حينها، محمد عبده يماني، إجازة عرضها، وإن توقفت بعد خمس حلقات هي عمر الرحلة التي كتبت لمشقاص والآنسة جغرافيا على التلفزيون السعودي، بسبب الصوت «العورة» للفنانة صفاء أبو السعود. تاركة إياه وحيدا في رحلاته وهي تردد «ياللا يا مشقاص الله يعينك لحسن كل الناس سابقينك».

والفكرة بسيطة جاءت على خلفية شخصيات «ميكي ماوس» و«باباي»، في محاولة من الدردير لرسم ملامح شخصية خارجة من تراب البيئة المحلية، الأمر الذي اعتقد حينها أنها ستترك أثرا محببا عند أطفال ذلك الزمن، ولم يخطئ حدس الدردير؛ كون «مشقاص السواح» ظل حتى اليوم ملمحا من ملامح تلك الطفولة.

فيما اعتبر أن شخصيات الكرتون، التي كانت سائدة حينها «شخصيات خيالية» وغير مستفاد منها. الفوازير التي ارتبطت بالدردير، لم تكن وليدة الشاشة الفضية؛ بل سبقها الراديو الذي قدم من خلاله «مشقاص» أولى فوازيره بمشاركة الفنان محمد عبده؛ وكانت تعزف على آلة السمسمية؛ قبل أن يسحب التلفزيون البساط من الإذاعة، ليبدأ عالم الفوازير المصورة، التي بدأها مشقاص مع حلقات درامية، تنتهي بأغنية تتضمن حل الفزورة.

مشوار الدردير الذي تلخصه بعض مقاطع من مقدمة فوازيره «حلوة يا مشقاص حلقاتك ـ الله يسعد أوقاتك» لم يكتف فيه بفن المنولوج والفزورة، بل تجاوزه ليكون ثنائية مع لطفي زيني، مثل «تحفة ومشقاص في كفر البلاط» إنتاج عام 1394هـ، و«حمدان وجمعان»، و«عزومة لرحيمي»، التي قدمت على مسرح الإذاعة؛ وكانت أول عمل مسرحي نقل للتلفزيون. فيما يعتبر الدردير أن بدايته الأولى رسمها أثير الإذاعة، من خلال عشقه لشخصية أبو عرام؛ التي كان يقدمها الإذاعي خالد زارع، ولم يكن يدري حينها أنه سائر؛ لتكوين شخصية مماثلة في زمن آخر.

يختلف عن زمن «راديو طامي» الذي كان يعكف موظف الأرشيف، بوزارة المالية على سماعه، على مدى ستة أشهر هي فترة إقامته بالرياض، قبل أن تنتقل الوزارة في النصف الثاني من العام لـ«العروس». إقامة الدردير في العاصمة. أعطته المؤشر الأول لدخول عالم الشهرة، عندما فتحت له الباب واسعا أمام تعلم العزف على آلة القانون، بعد ما تمكن من شرائه من موظف بوزارة التجارة؛ مقابل 500 ريال مقسطة، في وقت كان يمارس فيه تقليد يحرم موظفي الدولة؛ من اقتناء الآلات الموسيقية حسب رواية الدردير.

محاولات الدردير تعلم العزف، لم تتوقف عند شراء «القانون»، الذي كان مصدر إزعاج لكل من في السكن؛ غير أنها أينعت في نظره عندما حالفه الحظ بلقاء جمعه بالفنان عبد القادر حلواني، في حفل فني بمدينة الطائف، ليطلب منه تعليمه العزف، الذي جاء بليل طويل نادى فيه مشقاص «يمَّا القمر ع الباب» فيما ردد من حوله أغنية كوكب الشرق «ياظالمني» التي كان يحاول عزفها.

شخصية مشقاص التي ولدت بالصدفة، وكان الزارع عرّابا لها، فيما وقف على مخاض ولادتها الراحل لطفي زيني؛ عندما بدأ التحضير لحفل استقبال ولي العهد؛ حينها الأمير فيصل آل سعود، وكان ضمن فقرات الحفل تقديم عمل مسرحي، فكان اقتراح اسم للشخصية، يتناسب مع خشبة المسرح، ويلتصق بأذهان الناس، الذي جاء بـ«مشقاص» وهو بالأساس «شقوص» صبي القهوة؛ الذي كان يعمل عند خال الزيني.

اختيار اسم «شقوص» الذي يحاول مساعدة الغير، من خلال ما يعتقد أنه خير، ليُفاجأ أنه ينقلب شرا مستطيرا، يبدو أنه انعكس في بعض جوانبه على شخص الدردير، الذي وصف نفسه بقوله «أنا أكثر شخص فاشل تجاريا، حاولت الدخول في عالم البزنس ولم أفلح» إلا أن ذلك لم يمنعه من تقديم خدماته التوعوية عبر «مشقاص» من خلال اسكتشات ومونولوجات، ربما كان أبرزها «كفاية سهر»، الذي كان صورة مبسطة عن الأغنية المصورة. شارك في أدائه لطفي زيني، واكتفى الدردير بالغناء بطريقته الخاصة.

في حين جاءت كثير من مونولوجاته ملامسة لهموم الناس، التي قدمها على مسرح الإذاعة، باعتباره حاضنا لكثير من المواهب، الذي وجد فيه الدردير مع رفقاء الدرب، من أمثال علي البعداني، وعبد الرحمن حكيم، ويوسف شاولي، متنفسا لمواهبهم. عمل ظهور التلفزيون على تقديم المنولوج بتقنية الصورة، الأمر الذي أسهم في تقديم مواضيع أثارت إعجاب متابعيها، منها «الشكوى لله»، و«حكاوي مشقاص» بالإضافة لـ«أنا قلت لأبويا جوزني»؛ الذي يعتبره الدردير واحدا من المونولوجات؛ التي ناقشت مشكلة الزواج ونفقاته.

رحلة الدردير التي بدأت من على منبر الإذاعة، في ظل وجود عمالقتها من أمثال آل اليغمور (عبد الرحمن، ومحمد، وفؤاد)، بالإضافة للكبير خالد زارع، عملت على تحفيزه لتعلم أصول اللغة العربية، التي كانت حينها الاختبار الأول؛ لاجتياز السد الإذاعي المنيع؛ ليلتحق بعدها الدردير بالعمل الإذاعي ممثلا، وليكون باكورة إنتاجه جملة حاجب الملك «أمر مولاي» في عام 1380 هـ. وتتوالى أدواره الإذاعية؛ التي تلقاها الجمهور بصدر رحب بدءا من العملاق في مسلسل «مدينة الأقزام».

في حين مثلت المشاركة في برنامج «دنيا»؛ الذي كان يقدمه الإعلامي الراحل عباس غزاوي، فرصة حقيقية لكثيرين من فناني ذلك الجيل، عبر معالجته مواضيع اجتماعية، قبل أن يصدر قرار الإيقاف بسبب جملة «عروسة ورق ولا خروق»، التي وصلت لأذن بعض المستمعين.

العفوية والسجية المطبوعة في شخصيته يعتبرها المقربون منه إحدى سماته، وكثيرا ما أخرجته من مآزق كبيرة، مهما كان مستوى الشخصية.

وهو ما يتضح في موقف نقله؛ من المكتب الخاص لوزير المالية، الذي وصفه بحسب تعبيره «كان الراتب يكفيني مقابل امتيازات السكن وخلافه»؛ الأمر الذي حمله على المطالبة بنقله لجدة، بحجة أن والدته تسكن في المدينة وحيدة، مما أثار تعجب الوزير طالبا منه المغادرة، بإشارة من يده التي كانت تحمل قلم الحبر السائل؛ لتتبعثر نقاطه على ثوب الدردير، الذي بادر الوزير بقوله «عجبك» ليأتي بعدها قرار نقله لقسم الإحصاء بجانب مبنى الإذاعة بجدة.

خفة ظل «مشقاص» لا تقف عليه وحده؛ بل يدخل القدر أحيانا في رسم مواقف، تحمل من الضحك بقدر ما تحمل من الحرمان لحفل فني؛ هدفه الترفيه عن الجنود في حرب اليمن، وهو ما حدث عندما انتهى الجميع من أداء صلاة العشاء، وقدم الدردير الفنان عبد الله محمد؛ ليغني «طل القمر» الذي واكب إعلان المسجد المجاور «الصلاة جامعة»، بسبب خسوف القمر.