فنانون عراقيون: حقبة النظام السابق والعنف الاجتماعي غلبا على ملامح الدراما الرمضانية

قالوا لـ «الشرق الأوسط» إن الفضائيات العراقية تبهر جمهورها عبر 15 عملا جديدا

جانب من بعض الأعمال الدرامية المقدمة على الفضائيات العراقية
TT

أفردت شاشات القنوات الفضائية العراقية، ولأول مرة خلال موسمها الرمضاني الحالي، أوسع انطلاقة لها منذ عشر سنوات مضت، عبر برامج ومسلسلات درامية جديدة شكلت مفاجأة لحركة الدراما المحلية، وعبر مواضيع تناولت مراحل مهمة من الحقبة الماضية، وتداعيات الظروف التي عاشتها البلاد بعد التغيير عام 2003، مستفيدة من الهجرة العكسية للممثلين والمخرجين العراقيين من سوريا إلى بلادهم نتيجة الأوضاع السياسية المضطربة هناك.

مدير عام دائرة السينما والمسرح العراقي الدكتور شفيق المهدي قال لـ«الشرق الأوسط»: «هذا العام يشكل انطلاقة قوية للدراما العراقية، فهناك أكثر من 15 مسلسلا دراميا عراقيا ومشتركا ستعرض على الفضائيات العراقية، وهذا العدد من المسلسلات يفوق بكثير ما كان ينتج خلال المواسم الرمضانية السابقة». وأضاف «هذه الأعمال الدرامية، التي شهدت تصوير قسم كبير من مشاهدها هنا في بغداد، بعد أن كانت تصور في دور الجوار، لم تتميز بكثرتها فقط بل أيضا باختلاف مضامينها بين دراما تاريخية واجتماعية تراجيدية وكوميدية وسيرة ذاتية، وكذلك بالمستوى الإنتاجي الضخم لبعضها».

وأرجع المهدي أسباب النشاط الدرامي إلى «استقرار الأوضاع الأمنية في البلاد والذي أسهم في عودة أغلب الممثلين والفنانين العراقيين إلى أرض الوطن، وشجع الكثير من شركات الإنتاج التلفزيوني على إنجاز أعمالها داخل البلاد في وقت مبكر، والإعلان عن تلك الأعمال لتشجيع أكبر عدد من المشاهدين لمتابعتها طيلة شهر رمضان».

ويلمس المتتبع لمجمل الأعمال المعروضة حاليا حضور الدراما السياسية والاجتماعية المثقلة بالعنف بشكل واضح، فيما لا تزال المواد الكوميدية تحظى باهتمام باعتبارها لازمة الدراما المفضلة في شهر رمضان، فقناة «الشرقية» الفضائية المعروفة بمشاغبتها للحكومة عبر برامج ساخرة منوعة ينتظرها المشاهد بشغف، تعرض هذا الموسم ثلاثة أعمال درامية، منها مسلسل «الدرس الأول»، والمسلسل التاريخي «سليمة باشا» وهي مطربة لها إرث فني مميز، ويصور فيه جزء من حياة اليهود العراقيين، في حين وضعت قناة «العراقية» الفضائية (القناة الرسمية في البلاد) ثقلها هذا العام في أربعة أعمال عراقية، من بينها مسلسل «باب الشيخ» للمخرج أيمن ناصر الدين الذي يقدم عرضا سياسيا عن أجواء حكم حزب «البعث»، ومسلسل «حفر الباطن» للمخرج مهدي طالب، وهو عمل مأخوذ عن رواية «ضياع في حفر الباطن» للكاتب عبد الكريم العبيدي، ويعاين الحياة العراقية تحت وطأة الحرب مع إيران، ولاحقا الانتفاضة الشعبية في عام 1991 وقمعها، إضافة إلى مسلسل «خارطة الطريق» (للمخرج السوري غسان عبد الله)، وتدور فكرته حول رغبة عراقي يعاني الفقر في الهرب، لكنه يخوض في تجربة تنطوي على كثير من المفارقات، فالهارب من بلده بحثا عن الحياة يضطر لخسارة كليته. أما العمل الرابع لـ«العراقية» فهو مسلسل «أوان الحب» للمخرج فيضي الفيضي، وهو ينتمي للدراما الاجتماعية، وفيه تبحث عراقيات عن «الزوج المناسب» وخلال هذا البحث يتعرضن لكثير من المصاعب.

بينما دخلت قناة «السومرية» رمضان 2012 بمواد منوعة، منها الدراما السياسية، إذ تواصل إنتاجها للعمل الذي لاقى نجاحا كبيرا «الحب والسلام» في جزئه الثاني، وهو يسرد حيوات عراقية واجهت «صور الموت» وقدرتها على تأويل «الألم» للتشبث بالحب والحياة، وأيضا مسلسل «بيت الطين 4» وهو من النمط التوثيقي لتاريخ العراق الحديث، وبالتحديد المحطة الحرجة بين الملكية والجمهورية.

المخرج المسرحي عماد محمد انتقد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أحوال الدراما العراقية هذا العام بكونها لم تستطع، حتى الحلقات المعروضة منها من شهر رمضان، أن تقدم أفكارا ومواقف متطورة عن السنوات السابقة، وهي تفتقد إلى مقومات صناعة الإنتاج الدرامي المحترف. وأضاف «الإنتاج ليس أموالا فقط، بل هو عملية متكاملة، ومع الأسف ما زلنا نتفقد إلى السيناريست الجيد والمخرج الناجح وطريقة اختيار الممثلين والنصوص، لذا جاءت معظم الأعمال كأنها طبخت على عجل وتفتقر إلى الحرفية في الصناعة».

في حين أرجعت الفنانة الشابة سولاف عبد الجليل، إحدى بطلات المسلسل العراقي «الدرس الأول»، ارتباك الدراما المقدمة في رمضان هذا الموسم إلى العجالة في تنفيذها وعدم إطلاق ميزانية معظم الفضائيات العاملة إلا في وقت متأخر، لكنها طمحت إلى تحسن وضع الدراما العراقية في الفترات القادمة بعد سنوات من هجرتها في دول مجاورة.

وقال الناقد المسرحي عباس لطيف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «الدراما العراقية هذا الموسم مع كثرتها وتنوعها فإنها بدت تتدحرج إلى طريق مجهول بسبب طبيعة المواضيع والمضامين التي لا تمت للواقع المعيش، ولا تلامس هموم الإنسان العراقي الحقيقية، إضافة إلى ضعف المعالجة الدرامية فيها وتقنيات الصوت والإنارة، وغيرها، وتركيزها على حقبة النظام السابق فقط، أما المواضيع الكوميدية فيها فبدت سطحية ومتعبة ومقحمة».

أما المخرج فيضي الفيضي، فقال «مسلسل (أوان الحب) هو أول عمل لي بعد عودتي للعراق من غربة طويلة استمرت نحو 15 سنة أمضيتها في السويد، وهو عمل اجتماعي رومانسي يتناول قصة حب تدور حولها بعض المشاكل العائلية وتتعقد لتحل في النهاية بشكل مبسط». وأضاف أن «المتلقي العراقي تواق لرؤية أعمال درامية محلية إبداعية تحاكي قضاياه وبيئته الاجتماعية»، مبينا أن الدراما العراقية ورغم تحسن مستوى الإنتاج فإنها «لا تزال بحاجة إلى اهتمام أكبر بالجانب الإبداعي لتكون قادرة على منافسة نظيراتها العربية، فالمهم في العمل الفني التركيز على النوع وليس الكم».

من جانبها، ذكرت الممثلة آلاء نجم أنه «لمن المفرح حقا أن نرى هذا العدد الكبير من المسلسلات المحلية الرمضانية التي إن دلت على شيء فإنها تدل على أن الدراما العراقية بدأت تستعيد عافيتها وتأخذ مكانتها المرموقة، إضافة إلى خلق حالة من التنافس بين الفضائيات لتقديم المسلسلات المحلية وتحسين واقع الأعمال الدرامية العراقية والنهوض بها من جديد مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار توخي عامل الجودة في تلك الأعمال المنتجة».

الفنانة نسرين عبد الرحمن أكدت أن «الدراما الرمضانية أضحت وسيلة لإبراز التفوق بين الفضائيات الساعية لجذب أكبر نسبة من الجمهور، وقد شهدت في هذا الموسم ولادة جيل جديد من المؤلفين والمخرجين العراقيين، خصوصا من العناصر الشابة الجديدة» ودعت إلى الاستفادة من وسائل الدعم الجديدة للدراما العراقية لأجل تطويرها وخرط العاملين فيها في دورات وورش فنية وتقنية لزيادة خبراتهم بعد سنوات من القطيعة بسبب سوء الأوضاع السياسية في البلاد. وأضافت أن «الفنان باسل شبيب تميز هذا العام بأعماله التأليفية التي قدمها على الرغم من أن بداياته كانت كفنان وليس كمؤلف، لكنه استطاع أن يأخذ مكانا بين مؤلفي الدراما هذا العام».