حمادة هلال ينتظره في السينما مصير مصطفى قمر!

«مستر آند مسيز عويس».. كوميديا غير صالحة للتداول

حمادة هلال
TT

يحتل حمادة هلال موقع المطرب الثاني على الخريطة السينمائية بعد تامر حسني، حيث إنه منذ ستة أعوام وهو يوجد بانتظام على الشاشة الكبيرة في أفلام «عيال حبيبة»، و«العيال هربت»، و«حلم العمر»، و«الحب كده»، و«أمن دولت» وصولا إلى «مستر آند مسيز عويس».

إنه صاحب درجة متوسطة في النجاح التجاري يضمن أن له في كل عام فيلما جديدا، ولكن يظل النجاح الجماهيري الضخم حلما بعيد المنال، ولكن في الحد الأدنى نرى أن شركات الإنتاج تضعه على خريطتها.. أرقام «حمادة» التي يحققها في دور العرض تعني أنه ناجح على «الحُرُكْرُك».

حمادة بوصفه مطربا أيضا له دائرة جماهيرية لا يمكن إنكارها، ولكن ليس هو المطرب الجماهيري الأول؛ هناك من الفنانين من تكتشف أنهم قانعون بالمركز الثاني، ولكني أتصور أن فيلمه الأخير «مستر آند مسيز عويس» هو أسوأ أفلامه على الإطلاق.. الفيلم احتل المركز الثالث في دنيا الإيرادات بين أفلام العيد وبفارق كبير بعد فيلمي «تيتة رهيبة» لمحمد هنيدي و«بابا» لأحمد السقا.

مخرج الفيلم «أكرم فريد» واحد من المخرجين الذين من الممكن أن تعتبره نموذجا صارخا لحالة المخرج الذي يأتي لمكتب المنتج رافعا يديه خاشعا ومعلنا استسلامه قائلا له: «فيلمك وانت حر فيه تفرده أو تتنيه»، ويقدم بضاعته حسب الطلب؛ إذا أراد النجم أن يغني.. يغني، وإذا أراد المنتج أن يستعين براقصة تفتقر ليس فقط إلى مقومات التمثيل ولكن حتى إلى مقومات الرقص، فهو لا يدقق في مثل هذه التفاصيل.. إنه دائما جاهز ورهن إشارة الجميع؛ المنتج أو النجم، فهما بالنسبة له طلباتهما أوامر، المهم أن يظل في السوق مطلوبا، وكلما احتاجوا إلى مخرج قادر على الإنجاز السريع، فإن «أكرم» جاهز دايما.

مخرج اختار أن يعيش على بقايا مشروعات الإنتاج هو في العادة يحصل على الأجر الأقل وقوته الحقيقة تأتي من ضعفه الفني، فهو عادة لا شروط له سوى الأجر، ينهي عمله على وجه السرعة منتظرا أن تأتى له شركة أخرى تبحث عن مخرج ينفذ طلباتها من دون قيد ولا شرط.

بدايات «أكرم» لم تكن في الحقيقة تشي أبدا بهذا المصير الذي انتهى إليه.. منذ أكثر من عشر سنوات قدم فيلما قصيرا عنوانه «3 ورقات» كان الفيلم يعدنا بأننا بصدد مخرج لديه وجهة نظر وموقف، ولكن الحقيقة على أرض الواقع تؤكد أنه لم يكن صادقا في ما وعد به، لأنه على الفور عندما دخل السوق قرر أن يستسلم من دون قيد ولا شرط بما يريده السوق وما يمليه عليه المنتج.. الفيلم من إنتاج شركة تديرها «بشرى» وهو على الفور يلعب لصالحها ويسند لها البطولة ومعه البطل المطرب حمادة هلال.

الفيلم تستطيع أن تعتبره حالة صارخة من التلفيق والاستسهال والادعاء، ويظل طوال الأحداث يبذل محاولات مستحيلة لاقتناص ضحكة شاردة هنا أو هناك، وغالبا كل المحاولات تبوء بالفشل.. كل شيء في الفيلم يشعرك أنه يأخذ ما تبقى حتى من «الإيفيهات» التي أشبعتها السينما المصرية تداولا من فيلم إلى آخر، وكأنه يعرض بضاعة سابقة التجهيز.. إنها كوميديا قديمة للبيع، ولكنه لم يدرك أن عمرها الافتراضي قد انتهى ولم تعد صالحة للتداول الآدمي!! السيناريو الذي كتبه كريم فهمي لم يبذل فيه أي جهد لكي يعثر على موقف جديد، ولكن الخيط الوحيد الذي يرتكن إليه هو أن الفيلم يستغل حالة الكراهية لضباط الشرطة والأمن في الشارع المصري بعد ثورة «25 يناير (كانون الثاني)» ويفرغ شحنة الغضب التي شاهدناها وهي تصل للذروة في الشارع، وكان فيلم «حمادة» الأخير «أمن دولت» قد تناولها أيضا وبأسلوب مباشر، ولكن هذه المرة يقدمها على أنها خط مواز.

الفيلم قائم على أن هناك «خُطّ» سفاحا قاتلا يثير الرعب في قلوب الجميع في الصعيد، ولكننا نكتشف أنها امرأة تؤدي دورها بشرى، وهناك مطرب شعبي يقدم أغنيات مسفة يؤدي دوره حمادة هلال.. المفروض أنه يحاول الزواج، ولكنه يخشى من الارتباط، وفي النهاية يقرر الزواج من صعيدية حتى يضمن أنها مثال للأدب والأخلاق والسلوك الحميد، وفي اللحظات الأولى التي يذهب فيها إلى البلدة يكتشف أنها هي «الخُطّ» الذي يخشاه أهل القرية وتطارده الشرطة ولا تستطيع العثور عليه.. الكل يبحث دون جدوى.

لا ينسى المخرج كعادته أن يضيف طفلة تؤدي دور المسخوطة التي هي شقيقة «بشرى» والمفروض أن تلك الورقة التي باتت متهرئة من كثرة استخدامها تثير الضحك.. لا أتصور أن الأمر من الممكن أن يستمر طويلا على هذا النحو التقليدي في الضحك، فلا ضحكة من الممكن أن تخرج صافية من القلب على تلك المواقف التي باتت عليها الطفلة، ولا ينسى المخرج أن يقدم كل المفردات التقليدية في ليلة الدخلة التي دأبت عليها الأفلام المصرية عبر تاريخها.

الأغاني التي يقدمها الفيلم افتقدت خفة الظل والمشاغبة على مستوى الكلمة واللحن، فكان «حمادة» في أضعف حالاته ليس فقط ممثلا ولكن مطربا أيضا.. يبدو أن الكل كان يفكر أن يستفيد من هذا الفيلم بشيء شخصي، وهكذا مثلا شاهدنا زوجة المخرج الفنانة اللبنانية «تاتنيا» وهي تؤدي دورا في الفيلم المفروض أنه إغراء، ولم أشعر في الحقيقة أنها تحمل شيئا له علاقة بالإغراء والغواية، إلا إذا كان المخرج يعتقد أن أي امرأة لبنانية في المخيلة المصرية تعني الغواية؛ فهذا اعتقاد على المخرج أن يتحمل تبعاته.. الممثلة «تاتنيا» بلا حضور أمام الكاميرا، ولكن يدعمها فقط في الاختيار أنها زوجة المخرج الذي من الواضح أنه قرر أن يفرضها على الفيلم، ولا أتصور أن المنتج يعارض؛ خاصة أن مشاهدها ضئيلة ولن توضع صورتها على الأفيش.

بشرى من الممكن أن تحقق نجاحا في الأدوار المرحة، ولكنها ليست كوميديانة بالمعنى المباشر للكلمة، ولهذا يبدو الدور بعيدا تماما عن إمكاناتها.. لم أشعر أن الفيلم أضاف لأي ممن شاركوا فيه أي شيء؛ بل أغلبهم سوف يسعى جاهدا لكي ينسى أنه قد لعب دورا في هذا الفيلم.

فيلم «مستر آند مسيز عويس» واحد من الأفلام التي تراها دائما في السينما؛ تشكل بالمناسبة النسبة الأكبر، إنها الأفلام التجارية، ولكن هذا الفيلم لو أخضعته للمقياس التجاري، فستكتشف أنه يقف في ذيل القائمة.. ولو حاولت أن تعثر على ضحكة شاردة، فأتحداك لو وجدتها.. لو كنت تبحث عن أغنية ترددها، فسوف يطول بحثك ولن تجدها.. هل تستطيع أن تتذكر شيئا من الفيلم؟ لا تجهد نفسك لن تتذكر سوى أنك كنت على مدى نحو ساعتين في كابوس من السخف السينمائي وانتهى الكابوس مع كلمة النهاية.

ويبقى السؤال.. هل يستمر هكذا حمادة هلال ينتقل بهذا النجاح التجاري المحدود «الحُرُكْرُك» من فيلم إلى آخر؟ قانون السوق السينمائي يؤكد أن مثل هذا النجاح المحدود محفوف بالمخاطر، والمطرب مصطفى قمر تستطيع أن تعتبر أنه المطرب الذي سبق حمادة على الخريطة السينمائية قبل نحو عشرة أعوام وكان يحقق أيضا نجاحا متوسطا وتجاوز رصيده عشرة أفلام، ومنذ خمس سنوات طلقته السينما بالثلاثة.. أخشى أن يصبح هذا هو المصير الذي ينتظر حمادة هلال!