المخرج جو بوعيد: «تنورة ماكسي» لا يسيء للكنيسة.. والمرأة اللبنانية ظلمت نفسها

قال لـ «الشرق الأوسط» إن حصوله على شهادة تقدير من مهرجان القاهرة السينمائي وسام على صدره

جو بوعيد
TT

أثار فيلم «تنورة ماكسي» أولى التجارب الفنية للمخرج اللبناني جو بوعيد جدلا في الأوساط اللبنانية. وطالب بعض رجال الدين المسيحي في لبنان بمقاطعة العمل نظرا لاحتوائه على مشاهد جريئة تم تصويرها داخل الكنيسة وأروقة الدير، وعلى الرغم من هذا الجدل يستعد بوعيد لعرضه في السوق المصرية خلال العام المقبل، بعد أن حاز بوعيد مؤخرا على شهادة تقدير كـ«أفضل مخرج» ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في المسابقة الرسمية. ويجسد فيلم «تنورة ماكسي» ثلاث قصص حب محرمة، كل ثنائي منها يعيش لحظات من المتعة، لكن بوعيد يؤكد أن فيلمه لا يمس الدين ويعتبر أن كل إنسان يحمل قدسيته في قلبه، قائلا في حواره مع «الشرق الأوسط» إنه يؤمن بالجرأة والحرية المطلقة، وأن عمله الأول يطرح قيمة إيمانية حيث «الحب ينتصر على الحرب والحياة تنتصر على الموت».

ووجه بوعيد في حوار أجرته «الشرق الأوسط» معه بالقاهرة لوما للسينما المصرية قائلا إن مبدعيها تسرعوا في تناول الثورة المصرية قبل أن تكتمل معالمها، لافتا إلى أن الصورة التي روجتها بعض اللبنانيات عن المرأة اللبنانية ظلمتها، إذ يتم اختصار صورة لبنان في أنه بلد التجميل فقط.. وفي ما يلي نص الحوار:

* هل توقعت حصول فيلمك «تنورة ماكسي» على جائزة في فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ35 والتي أقيمت مؤخرا؟

- لم أتوقع أن أحصل على الجائزة، لكن توقع البعض من نقاد وإعلاميين مصريين حصول العمل على جائزة، لكن سعادتي لا توصف بحصولي على شهادة تقدير عن الإخراج وصورة العمل، وأهدي الجائزة إلى لبنان وفريق العمل، وأثني على أهمية حرية التعبير في الفن، وأعتبر هذا التكريم شرفا لي وقيمة كبيرة بل وسام على صدري. وفي الحقيقة أعتبر نفسي قد حصلت على شهادتي تكريم الأولى من لجنة التحكيم والأخرى من الجمهور المصري الذي جاء لمشاهدة الفيلم، وهذه الجائزة تضاف إلى رصيد هذا الفيلم اللبناني الذي واجه التحديات في لبنان، وقد حصد من قبل جائزة «الفيلم الأكثر إبداعا» في مهرجان واشنطن الدولي، وأفضل ممثلة رئيسية في مهرجان موناكو.

* ألم تتردد في تقديم أول أفلامك في دورة ضعيفة بعض الشيء هذا العام بسبب ما تشهده القاهرة من أزمات سياسية؟

- كنت أتمنى أن تكون هذه الدورة قوية، ولكن بغض النظر عن الصعاب التي واجهت الدورة وبعيدا عن الاحتفالات والصخب الذي يصاحب المهرجانات، فإن قبول فيلمي ضمن المسابقة الدولية يعد قيمة في حد ذاته، هذا المهرجان له عراقته وأصالته وتاريخه الدولي الناجح، وسيسجل لي التاريخ أن فيلمي عرض ضمن فعاليات صاحبتها ظروف مليئة بالتغيرات على المستوى السياسي.

* واجهت لجنة التحكيم انتقادات لاختيار فيلمك ضمن المسابقة الرسمية بسبب جرأته، والبعض تحدث عن مشاهد جنسية صارخة.. كيف ترى الأمر؟

- تقدمت للمهرجان منذ 6 أشهر وجاءني الرد باختيار الفيلم ضمن 15 فيلما في المسابقة الدولية، ولم يوجه لي أي تعليق على العمل، وأعترض على كلمة «مشاهد صارخة» تلك، وإيماني بتقديم عمل صادق جعلني أقدم فنا يتحلى بالصدق بعيدا عن اللف والدوران، كما يفعل بعض المخرجين، فإذا لم نطرح قضايانا بصدق مع النفس فلن نتقدم، نحن معتادون على تقديم الأعمال الفنية التي تتحايل على الصراحة والوضوح، وقبل إقدامي على هذه التجربة نصحني البعض أن أقدم تجربة من الشارع، لكني رفضت لرغبتي بتقديم فن جيد.

* ألم تخش اتهام البعض لعملك بتشويه الثقافة اللبنانية؟

- في لبنان يقال إن لدينا الحرية الكاملة في أي شيء نقوم به، وهذا هو الواضح للبعض، ولكن المجتمع اللبناني يتحايل على الصراحة والحرية، فالحرية ليست هي ارتداء ملابس قصيرة أو القيام بعمليات تجميل، ولكن الصدق يعني الكثير والمجتمع اللبناني بعيد عن هذا المبدأ، فنحن لم نكن صادقين مع أنفسنا، وبناء على ذلك قررت أن يكون أول أعمالي السينمائية عملا صادما وقادرا على تعرية المجتمع.

* لكن المجتمعات العربية لا تفضل هذا النوع من التناول.

- قررت أن أثور على هذه العادات على الرغم من احترامي لها، وأنا لا أسعى إلى كسر هذه العادات، ولكن الهروب من الحقيقة الكاملة يجعلنا نرجع إلى الخلف وننغلق على أنفسنا أكثر، لذلك قدمت فكرة الفيلم «تنورة ماكسي» لكشف الحال والتحدث بمنتهى الصراحة عما يميزنا ولم أقصد الابتذال وخدش الحياء كما ردد البعض.

* لكنك قمت بتصوير مشهد حميمي في الكنيسة.

- يجب أن ننتبه أيضا إلى أن المشهد تم تصويره من وراء زجاج معتم، في حين لم يظهر المشهد أي صليب أو كاهن أو أي شيء يرمز إلى العبادة. والفيلم يطرح قيمة إيمانية في العمق ورسالته الحب ينتصر على الحرب والحياة تنتصر على الموت، وقد حاولت ترجمة هذه المعاني عبر الفيلم باعتبار أن الحجر أو البناية ليس هو المكان المقدس ولكن كل إنسان منا مكان مقدس، فقلبك هو مكان مقدس ما دمت قريبا من الله، فليس بالضرورة أن تذهب لمكان ما ليكون مقدسا، لا تكون أكثر اتصالا في الأماكن الأكثر قداسة، فالشيطان يجرب الشخص الأكثر إيمانا، ولكن الشخص البعيد عن الله لن يذهب إليه لأنه فعلا بعيد، إن تصوير هذه المشاهد على أي حال لا يدنس قدسية الأماكن ولا يمسها. مع ملاحظة أنه يوجد في الواقع المعيش أكثر مما قدمت.

* وماذا عن الرقص في أروقة الدير؟

- مشهد الرقص الموجود بالكنيسة في الفيلم يجسد اعترافا بالخطيئة، فهو مثل كرسي الاعتراف للاغتسال من الخطيئة فأردت ألا تحكي المرأة عن تلك الخطيئة بلسانها، وبالتالي تم تجسيد تلك الخطايا التي تريد أن تعترف بها من خلال الجسد وعبر حركات راقصة.

* لماذا هاجمك رجال الدين المسيحي في لبنان وطالبوا بإيقاف هذا الفيلم؟

- هذه الهجمة جاءت عقب تناول بعض الصحافيين غير المنصفين والمتطفلين على الوسط الإعلامي الفيلم دون أن يشاهدوه، وقد تمت استضافة كاهن من الكنيسة، وهذا الكاهن لم يشاهد الفيلم أيضا، وخلال الحلقة تم عرض مشاهد من فيلم سوري آخر يتناول مشاهد رقص على الصليب، وهذه المشاهد لا وجود لها في فيلمي، كيف تكون هذه المشاهد ضمن فيلمي وأنا أرفض أي عمل يسيء لأي رسول؟! وبأي حق يتم دمج الفيلمين ويتم تقييم فيلمي على هذا الأساس؟! وكانت النتيجة مطالبة الكاهن بمقاطعة الفيلم، وأنا أعتقد أن في واقعنا يوجد بعض رجال الدين المتشددين الذين يقدمون مظهرا يسيء إلى الدين بنظرتهم السطحية إلى بعض المواضيع، وتناولهم لمواضيع كثيرة في السياسة والفن بغير علم، وعلى هؤلاء جميعا أن يتوقفوا عن هذا وأن يتحدثوا عما يعرفون من أمور الدين.

* لكنك قلت إنك سعيت إلى تعرية المجتمع الذي تنتمي إليه.

- أقصد بتعرية المجتمع كشف الحقائق، وواجهت هذه الحقائق حتى نجد حلا لها، وقصدت أن أخترق هذه الحقائق عن عمد، وفي لبنان كل شخص مصبوغ بلون ما، وهناك الكثير من الكذب.

* هل تفكر في عرض الفيلم تجاريا في السوق المصرية؟

- من الممكن أن يعرض الفيلم في عام 2013، وأتوقع الهجوم على الفيلم، فالعمل فيه نوع من الصراحة وهو جريء في تقديم موضوعه، ولو طلب حذف بعض الألفاظ فلن أمانع في ذلك، ويمكن كذلك أن يكون الفيلم للكبار فقط، ولكن إذا طلب مني حذف أي مشهد فلن أقبل، لن أسمح بالنجاح على حساب إيماني بالحرية. الفيلم عرض في لبنان 9 أسابيع وهذا دليل على أن الجمهور تحدى كل من طالب بمقاطعته، وأتمنى ألا يحكم الجمهور المصري على فيلمي إلا بعد مشاهدته، فأنا أريد أن أقول للصح صح، وللخطأ خطأ، وعلينا أن نتعلم أن نقيم ما نسمع ونقوم بتقييمه بأنفسنا. وبلا شك تأثر الفيلم بعض الشيء بالهجوم عليه، حيث إنه حجب عنه العديد من الجمهور نظرا لما سمعه من نقد، وكذلك كانت بعض الدول أبدت رغبتها في عرضه لكنها تراجعت قلقا من الهجوم الذي صاحبه، فنحن نقبل أن نستورد من الغرب كل ما هو فج، ويفوق بمراحل ما قدمته في عملي.

* البعض يرى أنك قدمت صورة ظالمة للمرأة اللبنانية.

- ربما يكون هذا صحيحا، لكن المرأة اللبنانية هي التي ساهمت في هذا الظلم، وساهمت في تصديرها للعالم بشكل مبتذل، على الرغم من أن المرأة اللبنانية محافظة وذكية، كما أرفض أيضا أن يتم اختصار صورة لبنان في أنه بلد التجميل فقط، لا أنكر أن بعض اللبنانيات روجن لهذه الصورة، لكن يوجد في لبنان كثير من النساء المفكرات والمبدعات والمحافظات أيضا، لكن الذي ساهم في ذلك هو موديل أو عارضة أو مطربة لا تفكر في أي شيء سوى الشهرة، وهذا ما يسيء للمرأة اللبنانية ووضعها في داخل إطار معين.

* ما رأيك في تصريحات فضل شاكر وتحريمه للفن مؤخرا؟

- أنا ضد تصريحات فضل شاكر على الرغم من حبي له، ولكني أرفض كل ما قاله بكل اللغات، فكيف يحرم الفن وهو عرف به؟! فالدين لا يسيء إلى أحد، ويوجد بعض الفنانين تركوا الفن من قبل واتجهوا إلى أماكن بعيدة للعبادة ولكن دون الإساءة إلى الآخرين، وأرفض وصف الفن بأنه حرام.

* ما رأيك في السينما المصرية؟

- عاشت فترات جيدة جدا، ووصلت للعصر الذهبي، ويوجد العديد من المخرجين بها وصلوا إلى العالمية كالمخرج الرائع يوسف شاهين، ولكني أعتب على السينما المصرية في شيء واحد وهو استغلال ثورة 25 يناير في الكثير من الأعمال، وكأنه لا توجد مواضيع غير موضوع الثورة، فهذا يقلل من أهميتها ويفقدها قيمتها التاريخية، لأن الثورة حتى الآن لم تكتمل والحقيقة غير واضحة.