التقنيات المختلفة تسيطر على حظوظ أصحابها

في سباق الممثلين «الرجّالة»:

دانيال داي لويس كما يبدو في «لينكولن»
TT

معظم التوقعات بخصوص الممثل الذي سيخطف الأوسكار هذا العام تصب في خانة دانيال - داي لويس عن دوره في «لينكولن»، وهكذا كان الحال عندما فاز بأوسكاريه السابقين، واحد مبكر عن دوره في «قدمي اليسرى» (1989) وآخر لاحقا عن دوره في «سيكون هناك دم» (2007). وكان مرشّحا قويّا في مناسبتين أخريين: سنة 1993 عندما مثّل «باسم الأب» وحينها نال توم هانكس الأوسكار عوضا عنه عن الدراما المعنونة بـ«فيلادلفيا»، وسنة 2002 عندما قام ببطولة «عصابات نيويورك»، وهي السنة التي خطف الجائزة أدريان برودي عن دوره في فيلم رومان بولانسكي «عازف البيانو».

هذا العام نراه يواجه عددا من الممثلين اللافتين: برادلي كوبر عن «سيلفر لاينينغز بلايبوك» وهيو جاكمن عن «البائسون» وواكين فينكس عن «السيد» ودنزل واشنطن عن «طيران».

المقابل النسائي لهذا الفريق (الذي سنسبر غوره في مقال منفصل) تتصدّره جسيكا شاستين التي رشحت مرّة سابقة (في عام 2011) عن دورها المساند في «المساعدة» ولم تفز عنه. التوقّعات حاليا تصب في صالحها على نحو كبير تتقدم بسببه على باقي زميلاتها: جنيفر لورنس عن «سيلفر لاينينغز بلايبوك» وناوومي ووتس عن «المستحيل» وكويفنزاني ووليس عن «وحوش الحقول الجنوبية» والفرنسية إيمانويل ريفا عن دورها في «حب».

هناك أسباب وجيهة لتوقع فوز دانيال داي - لويس معظمها يلتئم تحت سقف التشخيص المثالي. لا يخفي هنا أن تقنيات التمثيل تختلف حسب الممثل. في شكل عام، هناك ممثلون يسحبون الشخصيات إليهم وممثلون يقومون بمهمة أصعب وهي دخول تلك الشخصيات. هذه الصعوبة على درجات أسهلها، نسبيا، الحفاظ في الوقت نفسه على «الأنا» الداخلة في «الآخر»، وأصعبها الذوبان داخل الشخصية الأخرى. دانيال داي - لويس هو من هذا الفريق الذي عليه قبل أن يقول المخرج «أكشن» أول مرّة أن يكون وضع كتابه الخاص حول كل ما يتعلق بالشخصية التي يقوم بتمثيلها سواء أكانت حقيقية («قدمي اليسرى»، «لينكولن») أو خيالية («سيكون هناك دم»، «عصابات نيويورك»).

وأعضاء الأوسكار، من ممثلين (يشكلون النسبة الأعلى من الـ5765 عضوا من مختلف المهن) يحبّون ذلك. لقد منحوا دانيال داي - لويس أوسكاره الأول بناء على ذلك. لكن الأهم، وما يرفع من احتمالات فوز الممثل البريطاني المولود قبل 55 سنة أنهم يحبّون أيضا الممثلون الذين يتقمّصون الشخصيات الحقيقية كما يستطيع المرء أن يدرك حالما يعود إلى تاريخ الأوسكار خصوصا في سنواته العشر الأخيرة:

2005: جايمي فوكس عن لعبه دور المغني راي تشارلز في «راي» 2006: فيليب سايمور هوفمن عن تمثيله شخصية الكاتب ترومان كابوتي في «كابوتي».

2007: فورست ويتيكر عن تقديمه شخصية عيدي أمين في «آخر ملك لاسكوتلندا».

2009: شون بن عن تشخيصه محافظ مدينة سان فرانسيسكو هارفي ميلك في «ميلك».

2011: البريطاني كولين فيرث يفوز بالأوسكار عن أدائه شخصية الملك جورج السادس في «خطاب الملك» - مع الانتباه إلى أن كولين هنا لم يضطر للبحث في تقنيات الشخصية ذاتها على غرار داي - لويس في «لينكولن».

والتقنيات الأدائية تختلف كثيرا من ممثل لآخر هذا العام.

في حين أن داي - لويس محص أبراهام لينكولن ودرس خطبه وحركاته والصور الفوتوغرافية المحدودة المتوفّرة عنه، لم يكن مطلوبا من باقي المرشّحين تمثيل شخصيات حقيقية. إذا نظرنا لأدوار واكين فينكس ودنزل واشنطن وهيو جاكمن وبرادلي كوبر، فإنها جميعا شخصيات خيالية. نعم ليست فانتازية لكنها ليست مستنسخة من حقائق. على ذلك الأداءات وفهم المطلوب لتحقيق الأداء الأفضل يختلف من ممثل لآخر.

برادلي كوبر عن دوره في «سيلفر لاينينغز بلايبوك» ينجز حضورا جيّدا بالفعل، لكن ليس من دون نقطة ضعف مهمّة ستتدخل حتما لإبعاده عن احتمال الفوز بأوسكار هذا العام: دوره كشخصية غير متوازنة لا يمكن لها أن تستند على دراسة حقيقية من دون أن تترك هذه الدراسة ثقلها على الأداء والفيلم بأسره. بديله كان ترك نفسه يتماوج حسب المشهد. هذا يعني فقدان خطة أفضل ومهما كانت الأعذار فإن ذلك ليس في صالحه.

دنزل واشنطن قريب من هذا المنهج، هو أيضا شخصية غير سويّة: قائد طائرة محنّ-ك ينقذ أرواح معظم ركّاب الطائرة في «طيران»، لكنه مدمن كحول (وأحيانا كوكايين) في الوقت ذاته. قبضته على التدرّجات الواقعة بين جانبي هذه الشخصية رائعة. تعبيره بالملامح عنها رتيب.

هيو جاكمن يعمد إلى خلفيّته المسرحية في «البائسون» لكن الرجل ليس مغنيا على الرغم من أنه يمارس الغناء هنا. عندما تكون ممثلا وعليك مزاولة الغناء، على نحو استعراضي وأوبرالي كما الحال هنا، فإن خلفيّتك هي التي تؤثر على نوعية أدائك الذي بات مزيجا من فنيّن غير متساويين. في «البائسون» يثقل على جاكمن هذا التنويع. يتركه أكثر عرضة للنقد منه للإعجاب.

هذا يترك واكين فينكس في «السيد»: ثاني أهم صاحب إنجاز في هذه الفئة بعد داي - لويس، والرد الأصعب على تقنية داي - لويس في الوقت ذاته.

مثل الآخرين ليس لدى واكين نموذجا يحتذي به، بل هو يشارك كوبر وواشنطن حقيقة أن شخصيته ليست متّزنة. لكن الرجل يبتكر من خلال ذلك ويصنع شخصية أكثر تكاملا في «عدم توازنها» من زميليه. في الوقت ذاته، يكشف عن أن دانيال داي - لويس مكبّل بشخصية لينكولن بعدما اختار، تبعا لمنواله في العمل، اقتباس حذافير تلك الشخصية. واكين فينكس، الذي رُشح مرّتين سابقتين، يخرج عن النمط لكنه يأتي بشخصية قابلة للتصديق وحقيقية. في ذلك، سواء أكانت هذه الشخصية خيالية أو حقيقية هي ذات وجود بعيد عنه وخاص به في الوقت ذاته.

هذا المنوال مارسه عندما لعب شخصية المغني جوني كاش سنة 2005. إنه العام الذي لعب فيه زميله فيليب سايمور هوفمن بطولة شخصية حقيقية أخرى هي الكاتب كابوتي وفاز بالأوسكار عنها. ومن الصدف بمكان أن هوفمن وفينكس يشتركان في بطولة «السيد» الذي تم ترشيح فينكس عنه لأوسكار أفضل ممثل (ترشيح فينكس الأول كان عن دور مساند في فيلم «غلادياتور» سنة 2001).

كل ما سبق هو خاص بحرفة التمثيل ومزاولتها وما يتبع ذلك من ميول لدى أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية. لكن هناك عوامل أخرى تتدخل لتوجيه التوقعات و - بالتالي - النتائج.

من بين هذه العوامل أن أعضاء الأكاديمية غالبا ما سيجدون أنفسهم في حيرة بين ثلاثة هم داي - لويس ودنزل واشنطن وواكين فينكس وحينها سيتم إخراج واكين فينكس تلقائيا من المنافسة في مدارها الأمامي خصوصا أن فيلمه «السيّد» لم يحظ بالتأييد فلم يدخل سباق أفضل فيلم كما حال «لينكولن» و«البائسون» و«سيلفر لاينينغز بلايبوك». طبعا فيلم دنزل واشنطن «طيران» لم يحظ بدخول المسابقة، لكن كلاسيكية أداء واشنطن هنا ومفهوم دوره (رجل يقرر أن عليه أن يدفع ثمن آثامه) أقوى من أن تُلغى من الاعتبار.

العاطفة القومية سبب آخر يؤيد فوز دانيال داي - لويس كونه يتناول حياة رئيس جمهورية دفع بتشريع حقوق السود الأميركيين إلى النور في وقت نلحظ فيه أن «زيرو دارك ثيرتي» و«دجانغو طليقا» يرسمان هالات الشك حول المؤسسة الأميركية وهو أمر يضعف احتمال فوزهما بأفضل فيلم.

الممثلون الأكثر احتمالا للفوز (حتى الآن) 1 دانيال داي - لويس 2 دنزل واشنطن 3 واكين فينكس 4 هيو جاكمن 5 برادلي كوبر الممثلون الأكثر استحقاقا للفوز هذا العام 1 واكين فينكس 2 دانيال داي - لويس 3 دنزل واشنطن 4 برادلي كوبر 5 هيو جاكمن 1. Lincoln.jpg دانيال داي لويس كما يبدو في «لينكولن» 2. Denzel.jpg دنزل واشنطن: ثاني أقوى المرشّحين