صالة لواحد

نبراسكا
TT

إخراج: ألكسندر باين دراما: الولايات المتحدة 2013 تقييم: (3*) (من خمسة).

بعض أفضل أعمال المخرج ألكسندر باين هي أفلام طريق، أي تلك التي تدور في رحى رحلة بالسيارة يقطعها الممثلون بين نقطتين مهمّتين في حياة كل منهم، كتلك الرحلة التي قام بها شميت (كما لعبه جاك نيكولسون) في «حول شميت» (2002) وكما لعبه كل من بول جياماتي وتوماس هايدن تشيرش في «طرق جانبية» (2006). وحتى حين لا يكون الفيلم من أفلام الرحلات عبر الطرق الريفية والبعيدة فإن البحث قائم وحثيث. ريز ويذرسبون تبحث عن مستقبلها السياسي وسط ضباب الحركات الطلابية وأهواء الشباب. جورج كلوني في رحلة ذهنية قاسية محاولا الإجابة على أسئلة وجودية تتجاوز ما إذا كانت زوجته خدعته أم لم تخدعه ومع من وذلك في «أحفاد» (2011).

لكن الرحلة التي يقوم بها أبطال فيلم باين الجديد «نبراسكا» تختلف، فهي مبنية على علاقة بين الأب وابنه: الأول واثق من أنه فاز بجائزة «اللوتو» التي تبلغ قيمتها مليون دولار، وابنه واثق من أن والده صدّق خدعة. الطريقة الوحيدة لتأكيد ذلك هو أن ينطلق الاثنان في رحلة بالسيارة عبر ولايتين للوصول إلى ولاية نبراسكا حيث عنوان الشركة الصغيرة التي تبعث بالبريد لملايين الأميركيين مراسلات تغريهم بشراء اشتراكات لمجلات وصحف في مقابل الدخول في مسابقة قيمتها الكبرى مليون دولار.

مطلع الفيلم معبّر جدّا: بروس ديرن (ذلك الممثل المخضرم الذي طالما لعب أدوارا شريرة تلفزيونية وسينمائية من الستينات) يمشي على الطريق السريع قبل أن يوقفه رجل شرطة. تلك اللحظات هي - كالفيلم كله فيما بعد - كوميدية وجادّة. تتعامل على نحو يُثير الضحك من دون أن يغرق فيها ويعالجه بقدر من الشعور الإنساني المغدق في دلالاته. ابنه ديفيد (ول فورت) يحاول أن يثني والده عن القيام برحلته التي كان مستعدا القيام بها سيرا على الأقدام عبر ولايتين، وحين يجد أنه لن يستطيع إقناعه يأخذه بسيارته. الكثير من الفيلم يتم خلال هذه الرحلة. الكثير من المواقف. والكثير من تبعات شيوع الاعتقاد بأن العجوز ربح المليون في بلدات معدمة. فجأة الأب بات نجما محليّا ولا أحد ينوي تصديق الابن بأن والده لم يربح شيئا.

صوّر المخرج فيلمه هذا بالأبيض والأسود. تفعيل لصالح الفيلم على اعتبار أنه أراد تحقيق فيلم صغير وبسيط. لكن المخرج، ولأنه يعرف كيف يلتزم بشروط الإنتاج المستقل ويمنح المشاهد عملا كبيرا في أبعاده من دون التدخّل في التشكيل الفني أو التخلي عن المعالجة الهادئة والرصينة، يصنع عملا عميقا وبل ربما صعب الإنجاز بالنسبة لمخرجين آخرين. يترك المخرج نفسه خارج لعبة الظهور ويمنح أبطاله وشخصياته والبيئة الاجتماعية التي تقع فيها الأحداث كل ما يلزم من جهده. والنجاح حليفه.

* ألكسندر باين والأوسكار

* فاز المخرج بأوسكار أفضل سيناريو مرّتين. الأولى سنة 2004 عن «طرق جانبية» والثانية في العام الماضي عن «الأحفاد». كما رشّح للغولدن غلوبس ثلاث مرّات ففاز بجائزة أفضل سيناريو عن «طرق جانبية» لكنه أخفق في الحصول على الجائزة ذاتها حين رشّح كأفضل مخرج وأفضل كاتب سيناريو عن فيلمه الأخير «الأحفاد».