كيف توقفت هوليوود عن الخوف وأحبت القنبلة

«الهجوم» لزياد الدويري يعيد السجال

علي سليمان في «الهجوم»
TT

عندما قام المخرج الراحل ستانلي كوبريك بتحقيق «دكتور سترانجلف: أو كيف توقفت عن الخوف وأحببت القنبلة» سنة 1964 لم يكن يعلم أن الخوف من القنبلة (النووية في هذا الفيلم) سوف يبقى ماثلا أكثر مما كان عليه في أي وقت مضى لدى جميع الأمم والشعوب. لم يكن فيلم كوبريك المازج بين الخوف والسخرية هو أول فيلم تناول هذا الموضوع. قبله، وباستثناء أفلام قصيرة استخدمت في الخمسينات كوسائل إرشاد حول كيف يمكن تجنب آثار قنبلة نووية روسية تتلقاها أميركا، كان هناك فيلم صغير من شركة كولومبيا عنوانه «الخمسة» أخرجه آرك أوبولر عام 1951 حول خمسة ناجين وحيدين بعد كارثة نووية هم موظف مصرف ورجل أسود وامرأة بيضاء حامل ونازي محافظ وشاعر شاب. ثم هناك أيضا «ذعر في السنة صفر» أنتجته «أميركان إنترناشنال بيكتشرز» سنة 1962 من بطولة وإخراج راي ميلاد حول عائلة من أربعة تعيش في لوس أنجليس وهي، أيضا، الوحيدة التي تبقى حية عندما غادرت المدينة في فسحة قبل دمارها.

ما جعل فيلم كوبريك في وقت واحد مختلفا وذا وقع أشد هو أنه ترك من يعيش ومن يموت كمسألة غير مبتوتة. جنرال أميركي مهووس (سترلنغ هايدن) يأمر بإرسال طائرة تحمل القنبلة الذرية (كما كان آنذاك) لإلقائها فوق موسكو. وبمجرد صدور الأمر ليس هناك من قدرة على استرجاع الطائرة حتى ولو جاء الأمر من الرئيس الأميركي نفسه (بيتر سلرز) الذي يستمع إلى خبرة عالم مقعد اسمه دكتور سترانجلف (سلرز في دور ثان) في الوقت الذي يسعى فيه كابتن بريطاني (بيتر سلرز أيضا) لفهم ما حدث بزيارة الجنرال الذي أصدر الأمر بإلقاء القنبلة. حين تغادر القنبلة الضخمة باطن الطائرة وعليها ممثل أفلام الوسترن سليم بيكنز (في إيحاء لا مفر به يقصد السخرية من الكاوبوي الأميركي) يدرك الجميع أن موسكو ستباد لكن هذا المصير هو أيضا ما سينتظر واشنطن.

* أسئلة فلسطينية - إسرائيلية

* طبعا في الواقع ما زالت العاصمة الروسية والعاصمة الأميركية سالمتين تتجاذبان اللعب السياسي 365 يوما في السنة، كل سنة. لكن الأفلام التي تحذّر من القنبلة أو تتمحور حولها تكاثرت. من ناحية، تطوّرت القنبلة وأصبحت نووية أشد فتكا من ذي قبل وبالتالي أشد داعيا لصنع فيلم تشويقي حولها، ومن ناحية أخرى لأن هوليوود عرفت كيف تتخلص من حذرها وتقبل على الأفلام التي تتعامل ومختلف أنواع وأحجام المتفجّرات. لم يعد ذلك واردا باعتذار من الجمهور كون الأفلام باتت تلعب بالقنبلة (من الحزام الناسف إلى الانفجار النووي) كما لو أنها سكين مطبخ.

إنها في فيلم زياد الدويري الجديد «الهجوم» الذي افتتح في الأسبوع الماضي في الولايات المتحدة (بعد أقل من عام على عرضه في مهرجان توليارايد هناك) ضمن إعجابا نقديا أميركيا غالب. في الفيلم يكتشف الجراح الفلسطيني الذي يتمتع برضا أهل المهنة في تل أبيب أمين (على سليمان) أن زوجته (ريمون أم سالم) كانت من فجّرت نفسها بعبوة ناسفة ولم تكن ضحية التفجير الذي أتى على حياة إسرائيليين بينهم أطفال. هذا يهزّه ويدفعه للبحث عن الحقيقة ولماذا قامت زوجته (المسيحية) بمثل هذه الفعل. الإسرائيليون من حوله (أمنيا ممثلة بالكابتن موشي ويلعبه أوري غافرييل واجتماعيا بالزميلة كيم كما تؤديها إيفنيا دودينا) كان السؤال المطروح هو كيف جرى أنه لم يعلم بأن زوجته ستقوم بمثل هذه العملية. يخسر أمين ثقة الجميع من حوله وهذا ما يحدث للمخرج الدويري الذي لا مثّل دفاعا عن وجهة النظر الإسرائيلية ولا كسب تأييد الفلسطينيين بل تعرّض، إضافة إلى ذلك، للمنع في أكثر من دولة عربية.

علي سليمان نفسه كان في الفيلم الأسبق لطرح موضوع الهجمات الانتحارية وذلك في «الجنة اليوم» للمخرج هاني أبو أسعد (2006). هناك يعتزم القيام بالعملية ويتراجع ويحاول إيجاد صديقه (قيس ناشف) لكي يقنعه بالعدول.

* المصري والعراقي

* في حين لعب التخويف من القنبلة دورا بارزا في هذه الأفلام وسواها، انبرى فيلم كاثرين بيغيلو «خزنة الألم» (2008) لمعالجة الخطر على نحو مختلف إلى حد بعيد. في ذلك الفيلم الذي تم تصويره بكاميرا دجيتال (نوع آتون أ - مينيما بفاعلية شرائط الأخبار الميدانية) هناك ذلك الفصل من المشاهد التي ينطلق فيه فريق من خبراء المتفجّرات الأميركيين (يقودهم جيريمي رَنر في الدور الأول) لمعاينة تهديد محيّر: هناك ذلك العراقي الذي يقترب من جنود أميركيين ليخبرهم أن هناك «مزنّرا» بحزام من المتفجرات مرسلا من قبل مجموعة عراقية لتفجير نفسه وسطهم. الوضع هو أن لا أحد من المشاهدين، كما من الجنود، يعرف إذا ما كان العراقي المرتجف خوفا يعني ما يقول أو أنه يتوسّم جذب الخبراء لمعاينته حتى يستطيع تفجير نفسه بينهم. إنه يتوسّل المساعدة مكررا أنه لا يريد أن يموت، وفي حين أن الفيلم لا يجيب تحديدا عن السؤال حول ما إذا كان العراقي صادقا أم لا، إلا أنك أقرب لتصديقه.

في الفيلم العسكري الآخر «فعل شجاعة» (ماوس ماكوي وسكوت ووف - 2012) ليس هناك مجال للريب. المسمّى أبو شبل (جاسون كوتل) يقصد الأذى حين يصل بعربته لبيع «الآيس كريم» عند محيط إحدى المدارس. وحين يقترب الوقت المناسب يترك العربة مبتعدا وتنفجر بالفعل مودية بأرواح أبرياء. بدورها تنقل ميرا نير في فيلمها الجيّد «المتطرّف المتمنّع» (2012) وغافن هوود في «أداء» المسألة إلى ما هو أعلى من مجرد سجال بين أميركيين وإرهابيين عرب. المخرج هود يتحدّث عن مصري (قام به عمر متولي) تحتجزه سلطات الحدود الأميركية حال هبوط الطائرة التي حملته عائدا إلى أميركا. هو متزوّج امرأة تحبّه (ريز وذرسبون) وبريء من أي تهمة منسوبة إليه لكن وكالة المخابرات المركزية لا تعرف ذلك علم اليقين. هذا الفيلم طرح افتراضية ما الذي يمكن أن يحدث لو أن عربيا عاديا وقع تحت مخالب الخوف من العملية الإرهابية.

فيلم ميرا نير من ناحيته يتوغل أكثر: باكستاني شاب (ريز أحمد) انتقل للعمل والعيش في الولايات المتحدة ليحقق فيها الحلم الذي جذب قبله وبعده مئات الملايين من الناس، فقط ليكتشف بعد إرهاب الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) أنه أحب أميركا أكثر مما أحبته وأنه لم يعد يستطيع أن يطمئن لمعاملة السلطات له لمجرد أنه داكن البشرة.

من الطبيعي أن يشد كل طرف الحبل لناحيته: تعامل هوليوود مع موضوع القنابل الموقوتة أو تلك التي ستتسبب في كوارث عالمية، يتضمّن اختلاف المواقف بين من يبرر الدفاع الهجومي لأميركا وبين من ينتقده.

* أفلام أخرى

* الخوف من الانتحاريين وقنابلهم تسلل إلى أفلام كثيرة بمفاهيم مختلفة. في «سولت» الجاسوسي (لفيليب نويس - 2010) و«أحمر» التشويقي (روبرت شونتكي - 2010) و«الحصار« (إدوارد زويك - 2008) و«ساعة الزحام 2» Rush Hour 2 (برت راتنر - 2001) من بين نحو مائة سواها. ويجب أن لا ننسى ذلك الإرهابي دنيس هوبر الذي شحن الحافلة المدنية بقنبلة موقوتة موصولة بالمحرك في فيلم «سرعة» (جان دي بونت - 1994) بحيث إذا ما خفّت سرعة الحافلة انفجرت بمن فيها.