«الموتى ـ الأحياء» ملوثون راوغهم الحلم الأميركي طويلا

هل تتنبأ أفلام الزومبي بنهاية ذات أنياب؟

«أرض الموتى» أحد أفلام جورج أ. روميرو
TT

هل من الممكن أن يكون في مستقبل العالم زومبيز؟

حتى الآن، ورغم وجود حالات محدودة لبشر تم وصفهم بأنهم ناهشو أجساد أو آكلو أبدان، فإن الزومبي هو غير ذلك على الإطلاق.. إنه، كما هو واضح في فيلم «الحرب العالمية ز» World War Z (انظر النقد على هذه الصفحة)، ميـت - حي، إما تبعا لفيروس أو نتيجة تجارب نووية تركت تأثيرا لا يمكن حده، أو، كما في بعض الأفلام، لأن جهنم امتلأت بالبشر ولم يعد هناك بد إلا عودتهم إلى الدنيا. في بعض الأفلام خرجوا من قبورهم، وفي أخرى لم يدخلوا تلك القبور أساسا.

«الحرب العالمية ز» (معروض في كل مكان حاليا) لا يمزح. كتبه ماكس بروكس (ابن الكوميدي مل بروكس من زوجته الممثلة آن بانكروفت) في ثلاثة كتب كل منها يصلح أن يكون فيلما منفصلا (وربما الغاية هي كذلك). لكن ما ميـز الكتب هو شحنها بالمعالجات والآراء السياسية: عند ماكس بروكس الزومبيز هم نتاج لما يعيشه العالم حاليا من اضطرابات وقضايا، وإن لم يكن نتاجا في كل الأحوال، فهم عنوان عريض لفوضى سياسية مستشرية وإفرازات للحروب القائمة.

لكن عهد السينما مع الزومبيز (الذين ظهروا في نحو 2600 فيلم بدءا من فيلم قصير أخرجه سنة 1929 من بين كل الناس والت ديزني بعنوان «بيت مسكون») بدأ قبل هذه الحروب. في الواقع روايات الجريمة والتشويق (وبينها روايات الرعب) هي مجازات رائعة في شتى الأحوال. أفضل ما كتب من تعليقات اجتماعية ترمز للأوضاع الإنسانية والسياسية العامـة كان فيما يعرف بـ«الأدب البوليسي». أحيانا بين السطور وأحيانا في السطور ذاتها. تجد هذه التعليقات في روايات رايموند تشاندلر وداشيل هاميت وإلمور ليونارد، ميكي سبيلان، جيمس لي بورك، جون د. ماكدونالد ولورنس بلوك، وسواهم.

حين يصل الأمر إلى قصص الزومبيز فإنه من السهل إيجاد الرمز الذي يقصده الفيلم إذا ما كان ذا قيمة. في عام 1932 قام ممثل الشر وأدوار الرعب الأول حينها بيلا لاغوسي، ببطولة فيلم عنوانه «زومبي بيضاء» حول عالم يحول المرأة المتمردة التي أحب إلى زومبي، ليتيح له ذلك السيطرة عليها. في حين لم يحمل هذا الفيلم أي دلالات، سعى «مشيت مع زومبي» (إخراج جاك تورنور - 1943) لاقتراح أن القبائل السوداء التي تسكن بعض جزر الخط الاستوائي هي المسؤولة عن انتشار الزومبي. حينها لم يحتج أحد على هذا الموقف العنصري بالطبع، والفيلم، بفضل حسن صنعته، تحول إلى واحد من كلاسيكيات سينما الرعب.

بعد ذلك لم يبد أن سينما الزومبيز كانت مثيرة لاهتمام أحد. حتى عام 1968 عندما قدم مخرج غير معروف، اسمه جورج أ. روميرو، فيلما بعنوان «ليلة الموتى الأحياء»، لم يستول هذا الفرع من أفلام الرعب على أي اهتمام رغم وجود حفنة أفلام سبقت ذلك التاريخ.

من بين ما ميز فيلم روميرو على الفور، لجانب رخص كلفته التي لم تؤثر على قوة تنفيذه وتأثيره، أن الزومبيز كانوا بشرا من الشعب «الطبيعي» ذاته. ليسوا غرباء وليسوا متحولين من مخلوقات أخرى أو مستنبطين من تجربة علمية ما. شعب يائس يمشي بثقل، ويبدو كما لو أن الجامع الوحيد بينهم، لجانب حبهم لنهش الأناس الأصحاء، أنهم مصابون بخيبة أمل في الحياة. يستطيع المرء أن يقرأ بين قوسين خيبة أمل في الحلم الأميركي نفسه.

شيء آخر كشف عنه الفيلم ولو لماما، حقيقة أن الأسود (قاد الفيلم ممثل أفرو - أميركي غير معروف اسمه دوان جونز ظهر في ستة أفلام أخرى فقط) لن يسمح له بالقيادة. صحيح أن رصاصة البوليس الأبيض لم تكن عن سابق قصد وتصميم، لكن الرجل الأسود كان الناجي الوحيد من هجوم الزومبيز على البيت الذي لجأ هو وآخرون إليه وهو خرج رافعا يديه. لونه، يقترح الفيلم، دفع «الشريف» لإطلاق النار عليه قبل التحقق من أمره.

أنجز روميرو، تبعا لنجاح هذا الفيلم نحو 110 آلاف دولار فقط. عدد آخر من الأفلام المنتمية إلى سلسلته تلك، وكل منها حمل تعليقا ينتقد أحد أركان الحياة العامة: العسكر، الإعلام، الأثرياء، فإذا بتصرفاتهم الاجتماعية دفعت بالزومبيز لفعل انتقامي من مجتمع نبذهم أو أثقل عليهم. أحد أفضل هذه الأفلام كان «أرض الموتى» سنة 2007. بعيدا عن منوال تحميل أفلام الزومبيز مثل هذه الرموز، نجد أن نجاح هذه السلسلة دفع بمئات الأفلام المشابهة إلى السطح. إنه كما لو كان كاتبوها وصانعوها يريدون التحذير من أن مستقبل العالم سوف يسوده ناهشو لحوم الجسد. وفي الواقع أنه من بين ما يزيد على 1600 فيلم فيه زومبي على نحو أو آخر، هناك 120 فيلما تخرج من نطاق الحدث الفردي للزومبي إلى تصوير هؤلاء على أنهم علامة أكيدة من علامات نهاية العالم، بل في كثير منها مسببها الوحيد.

«الحرب العالمية ز» ليس، في نهاية المطاف، إلا واحدا من هذه الأفلام التي تشمل، على سبيل المثال، بعض الأفلام التي نالت نجاحا تجاريا ملحوظا، مثل «زومبي لاند» (روبن فلايشر - 2009) و«بعد 28 يوما آخر» (داني بويل - 2002) و«بعد 28 أسبوعا آخر» (جوان كارلوس فرسناديللو - 2007). الفيلمان الأخيران من أفضل ما تم تحقيقه من أعمال في هذا الصدد.

لكن الأسئلة التي عادة ما يطرحها العديد منـا حيال هذه الأفلام هو: ما سبب انتشارها ونجاحها؟ هل هي تعبير عن خوف ذاتي من مستقبل بمثل هذه البشاعة؟ هل يكمن نجاحها في إدمان المشاهد على الأفلام الرخيصة؟

حسنا، كثير من هذه الأفلام ليست رخيصة و«الحرب العالمية ز» (إنتاجيا كما مضمونا) ليس بالتأكيد فيلما رخيصا، لكن الصحيح أن الخوف من مستقبل غامض يكمن في البال. وإذا لاحظنا فإن أفلام الرعب حتى مطلع السبعينات، لم تكن تسعى لأن تجعل الخطر المحدق محلـيا. في معظمها كان الرمز المعني هو الخطر الشيوعي في غمار ما عرف، من مطلع الخمسينات، بالحرب الباردة. العقرب استدار ليشير إلى الداخل على أساس أن الخطر الوحيد قد يكون كل واحد في عالمه وبيئته. هو المهدد أن يتحول إلى زومبي يهاجم أقرب الناس إليه.

هذا التحفيز على مثل هذا الشعور تبدى بنجاح مسلسل تلفزيوني قدمته خلال الأعوام القريبة السابقة، ولا يزال، محطة «AMC» الأميركية تحت عنوان «The Walking Dead» هذه المرة الزومبيز ضيوفك في البيت.

* آخر إنسان على الأرض

* هناك فيلمان يتعاملان وموضوع ما بعد نهاية العالم على أيدي الزومبيز، وكلاهما من مصدر واحد: «آخر رجل على الأرض» من أعمال سنة 1964 من بطولة فنسنت برايس وإخراج أوبالدو ب. راغونا، والثاني «أنا أسطورة» الذي قام ببطولته سنة 2007 وول سميث تحت إدارة فرنسيس لورنس. أما المصدر فهو رواية منشورة لريتشارد ماثيسون. في كلا الفيلمين هناك رجل واحد يجوب المدينة المبادة وحيدا مع كلبه وليلا يختبأ في منزله حتى لا يكتشفه الوحوش.