المشهد

هل الواقعية أفضل فعلا؟

TT

* هناك إعلان تعرضه إحدى شركات صالات السينما في لندن يقول، بعد استعراض بعض مواقف الحياة المحبطة، «اترك الواقع في البيت». هدف الإعلان حث الناس على مواصلة ارتياد السينما وإذا ما فكرت في الموضوع وجدت أن السينما، على الرغم من «البوب كورن» وأشربة الصودا، هي لا تزال المكان الوحيد الذي يفي بوعده: يعرض الفيلم كما يجب أن يعرض، أي على شاشة كبيرة وصوت مجسم ولمشاهدين يتابعون معا، ومن دون أن يعرف أحد الآخر، صورا ملتصقة ومتحركة تحكي قصة.

* لقد أخطأ النقد حين منح السينما الواقعية شأنا أعلى من السينما الأخرى - أيما كانت هذه السينما. وهو لا يزال يخطئ كلما مدح ناقد ما فيلما معينا على أساس أنه «فيلم واقعي». بذلك يقصد أنه جيد لأنه واقعي. وأن الفيلم الذي يسرد حكاية خيالية ليس جيدا لأنه خيالي. ليس فقط أن الحياة علمتنا أن الواقع مر، وأنها سلسلة من الإخفاقات والأحلام غير المحققة والإنجازات التي تبددها حرب أو يعبث بها نظام، بل هي في الواقع، وقياسا بالسينما، هي الشتاء والسينما صيف.

* الفيلم «الواقعي» قد يكون رديئا والخيالي قد يكون جيدا. لو لم يكن الأمر على هذا النحو لكان فيلم «سارق الدراجة» للإيطالي فيتوريو دي سيكا أفضل من فيلم مواطنه فديريكو فيلليني «أماركورد»، لكنه ليس كذلك. أو لكان فيلم «عشرة» لعباس كياروستامي أفضل فيلم في العالم وهو أبعد من أن يكون. المسألة ليست أن نوعا لا بد أن يكون أفضل من نوع آخر، ولو أن ذلك عادة ما يكون مريحا لكثير من النقاد عندما لا تكون درجة المعرفة متساوية بين كل الأنواع أو حين يفتقد الناقد للرغبة في النظر إلى كل جوانبها واتجاهاتها.

* منذ الحدث الإرهابي الذي شهده العالم ممثلا بالهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك سنة 2001 وجدت أن الحياة أخذت تتصرف كخيال جانح. حروب وقتلى وجوعى ومشردون ودمار شديد ومؤامرات بوندية بأجهزة إلكترونية معقدة وصراعات مزمنة تزينها أحداث لم يكن المرء يعتقد أن وقوعها ممكنا. قياسا بالسينما، فإن الخيال الجانح الذي تستخدمه يبدو مستلهما اليوم من الواقع وليس سباقا له بالضرورة. لقد انتهت أيام ما صعد الإنسان فوق سطح القمر على الشاشة قبل نحو خمسين سنة من صعوده في الواقع. الفرنسي جورج ميلييس، وضع سنة 1912 وفي «رحلة إلى القمر» زمرة من ممثليه على قمر (من ورق) مسكون بمخلوقات شريرة ثم أعادهم إلى الأرض لتسقط مركبتهم الفضائية في البحر حيث ينجون أيضا من مخلوقات أخرى. إنه كما لو أن الشر يكمن في كل مكان. غيره تنبأ بكثير مما حدث لاحقا: «متروبوليس» لفريتز لانغ (1927)، و«1948» لمايكل أندرسن (في نسخة أولى سنة 1956)، و«فهرنهايت 451» لفرنسوا تروفو (1966)، و«أوديسا الفضاء: 2001» لستانلي كوبريك (1968) ولا تزال إلى اليوم.