المشهد

فن فقط!

TT

* «شعرنا بالتوتر لأن المخرج كان يبحلق بنا عن كثب خلال التصوير» قالت الممثلة ليا سيدوكس وبجانبها أديل أكزاكوبولوس بطلتا فيلم عبد اللطيف كشيش «الأزرق أكثر الألوان دفئا» (سمي بالفرنسية «حياة أديل»). وهما كانتا تتحدّثان إلى الصحافيين في مهرجان تورنتو، قبل أيام قليلة، حول مشاهد الحب التي يمكن أن تقلي عليها البيض من فرط سخونتها في ذلك الفيلم. مشاهد الحب المثلية التي تقتلع نحو عشر دقائق من الفيلم.

* كنت أعرف طبعا أن المخرج كان لا بد له أن يكون موجودا في مثل هذه المشاهد (بل في كل المشاهد) لكن ما استوقفني أنه كان «يبحلق». جعلني أشعر أن المشهد ربما كان نافذة وله للمخرج التونسي الأصل. مناسبة تشبه تلك التي بحلقت فيها كاميرته في مشهد قيام الممثلة حفصية حرزي بالرقص لثلث ساعة أو نحوها في فيلمه الأسبق «سر الكُسكُس» أو «كُسكُس بالسمك» كما سمي أيضا حين خروجه سنة 2007.

* هناك الكثير من الأفلام كل سنة التي تصوّر مشاهد الحب واضحة ومكشوفة. وقليل جدّا منها هي تلك تتميز بفنية التنفيذ. تلك التي يمكن لها أن توحي وتموه وتمنح المشاهد القدرة على استخدام الخيال في الموقع المناسب. وفيلم بول شرادر الجديد «الوديان» هو واحد من تلك التي كان بالإمكان لمخرجها أن يترك الكاميرا على سراحها تلتقط ما تريد لكن المخرج أدرك أنه كان يمشي خيطا رفيعا ولا يريد لنفسه أن يقع عنه. صحيح أن الفيلم يحتوي على لقطات واضحة، لكن حين أتى الأمر إلى مشهدي الحب (بين اثنين مرّة وبين أربعة مرّة أخرى) يكتفي بنصف دقيقة كافية لمنح المشاهد الفكرة.

* في زمن مضى، لم يكن هناك أي من هذا كله مسموحا به في هوليوود، وفي السينما الأوروبية كان من النادر أن تراه علما بأن السينما الفرنسية صورت في عام 1901 أو 1902 فيلما لامرأة تخلع ثيابها أمام الكاميرا. سريعا ما أدرك صانعو السينما أنهم مطالبون باحترام أخلاقيات ومبادئ وأن الغاية ليست استعداء الغالبية من المشاهدين بل جني الأرباح منهم عبر توفير ما يريدونه.

* يعجبني مثلا كيف أنه في أفلام الوسترن الأميركي، خصوصا في السنوات السابقة لمطلع الستينات، كنت لا تشاهد وضعا جنسيا. هناك ألفة بين البطل وفتاته وربما قبلة، لكن عمق العلاقة أمر على المخرج إيضاحها من دون اللجوء إلى العنصر البصري. سمّني أخلاقيا إذا شئت، لكن صنع السينما ليس تصوير الشيء كما هو (سواء أكان جنسا أو عنفا أو تفاصيل أخرى)، بل الإيحاء بها. ها هو فيلم ألفرد هيتشكوك «سايكو» يبقى نموذجا: جانيت لي تموت بـ26 طعنة كلها موحى بها. لا جسد يتمزق ولا دم ينفجر ولا قلة ذوق. فن فقط.