صراع الأبيض والأسود ينتقل إلى الأوسكار مجددا

أفلام جديدة عن العنصرية وواحد قديم

لقطة من «12 سنة عبدا»
TT

ما زال من المبكر تشكيل أمارات محددة لسباق الأوسكار السادس والثمانين في العام المقبل، لكن هناك أكثر من سبب يدعو المتابع إلى توقع تنافس الأبيض والأسود على الجوائز الرئيسة هذا العام، تحديدا في مجالات أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل تمثيل.

ما نتحدث عنه هنا وجود فيلمين بارزين انطلقا في الأسابيع الأخيرة يدوران حول موضوع واحد: فحواه العبودية والقضية العنصرية التي عانى منها الأفرو - أميركيين طويلا قبل وخلال وبعد الحرب الأهلية التي شهدتها الولايات المتحدة والتي انطلقت في 12 أبريل (نيسان) 1861 واستمرت، حاصدة أرواح أكثر من نصف مليون فرد، حتى 10 مايو (أيار) 1865.

كما يذكر معظمنا، شهد العام الماضي وجود فيلمين عاينا تلك الفترة وقضيتها: فيلم ستيفن سبيلبيرغ «لينكولن»، الذي دار حول سيرة الرئيس الأميركي في سنوات حكمه الأخيرة، وفيلم كوينتين تارانتينو «دجانغو طليقا» الذي تحدث عن «بطل» أسود قبل الحرب مباشرة يثأر من البيض الذين باعدوا بينه وبين زوجته ولاحقا حاولوا قتلهما.

لم يخرج أي من هذين الفيلمين بأوسكار أفضل فيلم، بل ارتأى الناخبون من أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية منح فيلم يتعامل ونوع من الحرب القائمة حاليا هو «أرغو» للمثل بن أفلك، لكن دانيال داي - لويس خطف أوسكار أفضل ممثل في حين غاب جيمي فوكس، البطل الأسود في الفيلم الآخر، عن الترشيحات (حل مكانه بين الممثلين الأفرو - أميركيين دنزل واشنطن عن دور لا علاقة له بالأبيض والأسود هو «طيران»).

ما تم زرعه من تنافس بين أفلام تريد خوض موضوع الصراع حول أحقية السود في حياة متساوية كاملة، يتكرر هذا العام مع خروج فيلمين جديدين يثيران التوقع المشار إليه من أن المنافسة ستدور، للعام الثاني على التوالي، في نطاق البحث عن الخلفية التاريخية للصراع العنصري الذي على الرغم من قدمه، فإنه لا يزال مطروحا، وبل مثيرا للمشاهدين.

الفيلم الأول «رئيس الخدم» للي دانيالز الذي سبق له أن رشح للأوسكار سنة 2010 عن فيلم «بريشوس» (اسم الشخصية وليس معناها). الفيلم ترشح في ستة سباقات لكنه أخفق حينها في خطف جائزة أفضل فيلم ولو أن الممثلة مونيك (أفرو - أميركية) خرجت بأوسكار أفضل ممثلة مساندة، ونال جيفري فلتشر (أفرو - أميركي) أوسكار أفضل سيناريو مقتبس وكان بذلك أول كاتب سيناريو من جنسه يفوز بهذا الأوسكار.

في «رئيس الخدم» (وعنوانه الكامل هو: Lee Daniels› The Butler في تخليد لاسم المخرج في العنوان) نشهد ذكريات رئيس خدم البيت الأبيض وذكريات أجداده منذ أن كانوا عبيدا، وصولا إليه صغيرا ثم يافعا ثم انضمامه إلى خدم البيت الأبيض قبل أن يتبوأ إدارة هؤلاء في عدة حقب سياسية. الهدف المنشود هنا هو دخول الفيلم في سباق أكثر من أوسكار بينها أفضل فيلم وأفضل كتابة وأفضل إخراج وكذلك أفضل تمثيل (من فورست ويتيكر).

جماهيريا، نال الفيلم رضا الجمهور (ونقديا رضا عدد غالب من الأميركيين) فهو اخترق سقف المائة مليون دولار قبل أسبوعين علما بأن تكلفته جاءت في حدود 35 مليون دولار.

الفيلم الثاني هو «12 سنة عبدا» 12Years a Slave للمخرج البريطاني ستيف ماكوين في أول تعامل فعلي له مع موضوع أميركي. هو سيرة ذاتية أخرى (الفيلم السابق مستند على شخصيات حقيقية ولو أنه تم تطويرها) تركها سولومون نورثاب (شيويتل إيجيفور) توثق مسيرة حياته الصعبة: كان نال حريته قبل الحرب الأهلية، لكن ذلك لم يعن شيئا عندما ألقى بعض البيض القبض عليه وباعوه في سوق العبيد.

الإعجاب المتناهي بالفيلم من قبل النقاد الأميركيين ونيله جائزة الجمهور في مهرجان تورونتو الأخير ما هي إلا مقدمات دخول هذا الحصان سباق الأوسكار في أكثر من قسم تطال الفيلم وإنتاجه وإخراجه وكتابته وممثليه.

دفاعا عن الشرف الأبيض على أن الحقيقة أن الموضوع العنصري لم يغادر الشاشة الأميركية بأوسكار أو من دونه.. مئات هي تلك الأفلام التي مرت عليه وعاينته جانبيا أو على نحو قاصد منذ أن قام المخرج الراحل ديفيد وورك غريفيث بتحقيق فيلمه العنصري بلا ريب «مولد أمة» سنة 1915. إلى اليوم يبقى ذلك الفيلم إنجازا فنيا مهما بقدر ما هو عمل عنصري واضح.

شحن الفيلم، الذي تم اقتباسه عن مسرحية وضعها المبشر توماس ف. ديكسون سنة 1905 تحت عنوان «The Clansman»، العواطف بين جمهور من المتطرفين البيض مما أدى إلى أحداث عنصرية سقط فيها مواطنون بسبب لون بشرتهم. وفي حين ساهم الفيلم في تشجيع هوليوود على الإقدام على إنتاج أفلام أميركية طويلة، بدلا مما كان منتشرا حتى ذلك الحين من أفلام قصيرة، إلا أنه ووجه بالمنع من العرض في أكثر من ولاية بسبب بثه الشعور التمييزي للبيض وبعث الروح في منظمة «كوكلس كلان» المحظورة. هذه وجدت فيه المادة المؤيدة لمنهجها السياسي وتبنته بوصفه منشورا دعائيا وسط استمرار الاحتجاجات عليه. وحتى عام 1995 حاولت محطة ساتالايت أميركية (TNT) عرضه مرمما، لكنها اضطرت لإلغاء البث بسبب الاحتجاجات ضده. في عام 1998 تم انتخابه أحد أهم 100 فيلم أميركي في التاريخ مما جدد الضجة المثارة حوله واحتجاجات الـ«أفرو - أميركانز».

دار «مولد أمة» عن الحرب الأهلية.. دراما اجتماعية وسياسية فيها مشاهد من نوع يُثير الحوافز مثل تلك التي تتعرض فيها نساء بيض للاعتداء من قبل المجندين السود (قام بأدوارهم ممثلون بيض ملطخون) ومثل المشهد الذي يترصد فيه أحد هؤلاء الجنود للفتاة فلورا (ماي مارش) وهي وحيدة في بعض الأحراش ويطاردها مما يؤدي بها إلى إلقاء نفسها من صخرة عالية. هذا ما عزز لدى المشاهدين البيض شعورين معا: الخشية من شر وفحولة العنصر البشري الأسود، والحاجة إلى منظمة مناوئة تعيد النظام الأبيض إلى المجتمع وتفرض حظرا على ما لا تحمد عقباه فيما لو بقي الحبل الاجتماعي ليبراليا فالتا. ديفيد وورك غريفيث، الذي سبق له أن أخرج أفلاما قصيرة دارت أحداثها عن الحرب الأهلية الأميركية من بينها «في كنتاكي القديمة» In Old Kentucky سنة 1909، دعا في هذا الفيلم وخارجه إلى ترحيل السود إلى ليبيريا، ومع أنه أنكر بعد سنوات أنه كان عنصريا، إلا أن اختياره للموضوع والفيلم نفسه خير شهادة على موقع القلب في هذه الحالة. لكن غريفيث أراد التأكيد على منحاه الإنساني فحقق في العام التالي «تحمل» Intolerance الذي ناقض فيه رسالته في الفيلم السابق. مجموعة من السينمائيين السود أنتجوا عام 1919 فيلما بعنوان «مولد عنصر» (Birth of a Race) أخرجه إميت ج. سكوت. وحقق المخرج الأسود أوسكار ميشو فيلمين مناوئين هما «المتوطن» The Homesteaderفي العام ذاته و«داخل بواباتنا» Wihtin Our Gates في العام التالي.

* أفلام أخرى تأمل دخول السباق

* لن يكون السباق حول الأوسكار محدودا في الأفلام التي تطرح الموضوع العنصري. منذ الآن يتبوأ «جاذبية»، وهو خيال علمي تقع أحداثه في الفضاء، صدارة التوقعات، ومعه «داخل ليوون ديفيز» للأخوين كووَن، و«نبراسكا» لألكسندر باين، ومن شاهد «ذئب وول ستريت» لمارتن سكورسيزي و«رجال النصب» لجورج كلوني، يؤكد أنهما سيكونان منافسين مهمين في السباق المقبل.