المشهد: المسألة ليست عددية ولكن ..

TT

* الرسالة التي وجهتها مؤخرا مؤسسات وهيئات سينمائية ونقابية إلى وزير الثقافة المصري صابر عرب بالغة الأهمية وتتضمن تلخيصا لوضع لم يعد يمكن التريث لحله. الوقائع تقول إن عدد الأفلام المصرية التي تم إنتاجها هذا العام لم يزد على دزينة من الأعمال، ومع نهاية السنة قد يرتفع الرقم إلى 15 أو - الأكثر احتمالا - أن يبقى في حدود الـ12 عملا لا أكثر. مع هذا الوضع هناك أوضاع مشتقة أخرى. فالمسألة ليست كمّ الأفلام المنتجة - على أهمية ذلك - بل الحال العام الناتج عن قلة عدد المنتج. وفي هذا الصدد، فإن أهم التأثيرات السلبية هو انتشار البطالة بين المخرجين والكتاب والممثلين ومديري التصوير وباقي العناصر البشرية التي تصنع السينما وتتوزع أعمالها أمام الكاميرا أو خلفها. هؤلاء جميعا يخسرون معيلهم الرئيس ورزقهم الأساسي تبعا لهذا الوضع، ويتفاقم وضعهم سوءا إذا ما بقيت الحال على ما هي عليه أو زادت.

* هؤلاء في الواقع ينضمون حاليا إلى عدد كبير من السينمائيين الذين لم يعد لهم حضور في العمل السينمائي اليوم. يستطيع المرء أن يخصص الوقت، إذا أراد، للبحث عما حدث لكل الذين زاولوا مهنهم في شتى الحرف السينمائية وكانوا حتى قبل القرن الحادي والعشرين ينطلقون من عمل لآخر بلا توقف تقريبا. مع منتصف الثمانينات بدأت البطالة في الانتشار وعدد الأفلام في الانحسار، وزاد الطين بلة دخول لعبة التسويق في أبشع أوجهها: الإنتاج فقط من أجل در الربح من قبل العرض. التسمية الشهيرة لذلك هي «أفلام المقاولات» وذلك، فيما أعتقد، نسبة للعمارات والشقق التي كان المطلوب بيعها قبل أن تنتهي وعلى الشاري أن يحسب ما ستكون عليه حال الشقة التي سيشتريها وقد دفع ثمنها سلفا.

* لم يكن مهما، بالنسبة لهذه الأفلام، أن ينجز الفيلم أي مستوى في أي ركن وحيز ونطاق. الأمور بلغت من الإسفاف بحيث إن المخرج سيسمح لعدد من الممثلين بدخول وخروج الكادر وكل يقوم بحركته المطلوبة، بدل القطع والتنويع لأن تثبيت الكاميرا في لقطة واحدة من دون تحريك أوفر جهدا ووقتا ومالا من أي طريقة أخرى.

* كان لهذه النوعية من السينما أن تنتهي، وانتهت فعلا، لكن السينما المصرية واجهت إشكالا آخر: العالم الجديد الذي فرضته التقنيات الحديثة والتسويق المقرصن وانفضاض العائلات عن صالات السينما ووقوعها تحت براثن جمهور ليست السينما له سوى صورة تتحرك، وكلما تحركت من دون ثقل أو معنى تحركت أسرع، وهو مع.. الأسرع.

* السينما المصرية تستحق من المسؤولين الدعم الحقيقي الذي يعيدها إلى الجمهور كائنا فنيا ناضجا وصناعة كبيرة تشكل لقاء حضاريا بين الأزمنة والعصور والمتغيرات الاجتماعية المختلفة.. معبرا حقيقيا عن وجدان الفرد ووجدان الناس في حياتها وأفكارها ومشاغلها.. السينما التي تستطيع أن تلغي الواقع لأنها أفضل منه وفي أحيان كثيرة أنضج منه أيضا.. تستبدله بحياة موازية أجمل وأكثر إفادة.

* المطالب التي تقدمت بها تلك المؤسسات بدهية وأساسية ومحقة.. عينها على تراث يجب ألا ينقطع وحاضر مؤلم ومستقبل مظلم. تصور، بصرف النظر عن مدى إعجابك بالسينما العربية ككل، لو أنه فجأة لم تعد هناك سينما مصرية.. بالنسبة إلي سيبدو الأمر كما لو أنها نهاية حياة، وليست نهاية مرحلة.