شاشة الناقد وديان تؤدي إلى نسيان

ليندسي لوهان في «الوديان»
TT

إخراج: بول شرادر.

أدوار أولى: جيمس دين، ليندسي لوهان، آماندا بروكس، نولان فنك.

النوع: دراما/ الولايات المتحدة - 2013 تقييم: (2*) (من خمسة) من السهل على من شاهد فيلم روبرت ألتمن «اللاعب» (1992) وهو فيلم من الضروري مشاهدته للهاوي والمحترف على حد سواء، أن يجد أوجه مقارنة. الفيلمان يتحدثان عن هوليوود ومتاعبها مع نفسها وشخصياتها. كلاهما يشير إلى فساد ذمم وأذواق وأخلاقيات. لكن حتى قبل المحصلة الأخيرة يرتفع فيلم ألتمن عاليا فوق مستوى هذا الفيلم كونه اختار الحديث عن شخصيات هي أقرب للسائد وأكثر صلاحية لأن تؤخذ نماذج فعلية. كذلك، أم «اللاعب» موضوعه بالسخرية النارية التي عُرف بها ألتمن كلما عاين صنعة وصانعيها (العيادة والحرب في «ماش» سنة 1970، الوله بالذات في عالم الأزياء في «جاهز للبس» سنة 1992، وصناعة الموسيقى في «كانساس سيتي» سنة 1996).

فيلم شرادر يختار أن يكون باردا على نحو «أنا أعرض فقط ولا أعلق». صحيح أن في اختياره لما يعرضه نوعا من التعليق أيضا، لكن مما يجعل العمل ناقصا هو وضع مسافة واحدة بينه وبين كل الشخصيات. مرة أخرى، من الصحيح أنه لا توجد شخصية من شخصياته يمكن الدفاع عنها، لكن هذا من اختياراته، لأن الصحيح أن ما يخلق ذلك البرود والحيادية السلبية هو أن ما يطرح هو مواقف لا تشكل قضية يريد المخرج أن يتبناها.

في المقابل، يخلق العنوان وضعا مفيدا. كون «الوديان» هي الفواصل القائمة بين مرتفعات وهضاب الجبال الخضراء حول وفي شمال مدينة لوس أنجليس (هوليوود)، هي أيضا الرمز المناسب للحالات التي يتقصدها المخرج هنا. إنها ترجمة لوديان الأنفس المترعة بثراء عال وذمم متدنية. هي وديان للوضع حين ينحدر بشخوصه إلى حيث الحضيض: كرستيان المدمن على الكوكايين والمستهتر بعرضه (ولو أن فتاته ليست زوجته) والذي لا يؤمَن له (يقوم به ممثل أفلام «بورنو» - جيمس دين - ظهر في نحو 300 شريط من ذلك النوع).. رايان الذي يضحي بكرامته للفوز بالدور وبالمرأة التي آوته وتحبه (جينا) لقاء شهوته لصديقته القديمة تارا.. كما تارا التي ترضى بأن تكون موضع تحقير والتحول إلى أداة جنسية رغبة في البقاء في نعيم الثراء الذي يوفره كرستيان. باستثناء جينا، لا توجد في الحقيقة شخصيات قممية، بل كلها وديان.

من الصحيح أن لا يُطلب من بول شرادر الدفاع عن أي منها، لكن أن يصنع فيلما مسطحا كالذي أنجزه هو الخطأ.

التعليق الجانبي الذي اهتم به المخرج جيد.. ففي مطلع الفيلم، ثم في أماكن مختلفة منه، يعرض لقطات لصالات سينمائية خاوية.. معظم هذه الصالات موجودة في البلدات الصغيرة (وأنا أعرف عددا منها في كاليفورنيا وتكساس وأريزونا). هذه الصالات عاشت عشرات السنين التي سبقت صالات الـ«مول»، وكانت مرتع عشاق الأفلام الوحيد قبل هجمة الإلكترونيات الحالية. التعليق الموجود هنا هو تصوير هذا الخلو الشامل.. إفلاس حقبة كانت السينما فيها تعبيرا فنيا أكثر منه تقنيا (العكس هي الحال اليوم). وهي بادرة جميلة من حيث إن الأصبع موجه، ولو بطريقة غير مباشرة، إلى أمثال كرستيان منتجا والباقين كأصحاب مهن سينمائية. لكن أمثال كرستيان والباقين ليسوا هوليوود.. ليسوا منتجيها الكبار وصانعي القرارات، مما يؤكد أن ما كان يلزم الفيلم خط ساخن على الصورة الأكبر. في الحقيقة؛ المشروع الذي يتحدث عن فيلم شرادر، والمفترض أن يكون محور اهتمام الجميع داخل فيلمه، هو مجرد مشروع يقترب موعد تنفيذه نظريا، لكن لا يوجد شيء موثق أو حقيقي.. مشروع قد لا يكون موجودا، أو موجود بوصفه مشروع مشروع.