مفاجآت السينما العربية المقبلة لا تعكس الوضع القلق

مهرجانا «أبوظبي» و«دبي» يعرضانها

المخرج محمد خان خلال تصوير «فتاة المصنع»
TT

في زمن مضى، احتل مهرجان «قرطاجة» التونسي مركز القلب بالنسبة للسينما العربية. كل تلك الأفلام التي حاولت الابتعاد عن التقليدي والسائد من الأعمال، مصرية كانت أو لبنانية، سوريا، عراقية، جزائرية، مغربية، فلسطينية أو تونسية، كانت تتوجـه في لقاء حميمي خاص يعقد في العاصمة التونسية كل عامين.

الأفلام كانت وفيرة. المهرجان كان يستدعيها ومخرجيها ومنتجيها وكتابها وممثليها والنقاد العاملين ويعرض. وبعد كل عرض، كانت هناك حلقات ساهرة. ذلك المهرجان، الصغير حجما بين المهرجانات الأوروبية الكبيرة التي لا تبعد كثيرا عنه، كان بالنسبة للسينما العربية وسينمائييها، عيدا كبيرا.

مركز الثقل لم يغادر مهرجان «قرطاجة» بسهولة. لكنه توزع بين القاهرة ودمشق، كل عبر مهرجانها الخاص. لم يختلف التداول عن ذاك الذي تأسس في المهرجان التونسي، بل بقي، بطبيعة الحال، عرض أفلام والاستمتاع بالوجود في أي من العاصمتين الساهرتين.

لكن لا دمشق ولا القاهرة احتلا المركز الخاص لمهرجان «قرطاجة». مهرجان دمشق، لأنه لم يتمتـع بتلك الحرية التي عرفها المهرجان التونسي، ولو نشد لنفسه حضورا عربيا كبيرا، والثاني لأنه أسـس ليكون مهرجانا عالميا، مما يجعل الاشتراك العربي فيه مشتتا ولاحقا، مما جعله مبعثرا.

ما أصاب مهرجان «قرطاجة» بالوهن، انتقاله، في التسعينات، من إدارة إلى أخرى ثم إلى أخرى ثالثة، لينتهي مجرد فعل وظيفي يستند إلى تاريخه أكثر مما يطمح إلى تفعيل حاضره. طبعا، بقيت الأفلام العربية تذهب إليه لأنه متخصص فيها (ولو أن مسابقته تضم إليها أيضا الأفلام الأفريقية)، لكن ذلك الوهج السابق انطفأ.

* تكتـم

* في ظرف سنوات قليلة، انتقل الزخم بأسره من تونس والقاهرة ودمشق إلى مدينتين: أبوظبي ودبي. وإذا ما أمسكنا الموضوع من آخره، فإن مهرجانيها (الأول يـقام في الثاني والعشرين من أكتوبر «تشرين الأول» المقبل، والثاني في السادس من ديسمبر «كانون الأول» من هذا العام) هما البيتان الرئيسان للسينما العربية. سمـهما الملجأ أو المحطة أو العيد الكبير... واقع الحال أن السينما العربية، لا المختلفة فقط، بل تلك قليلة الاختلاف أيضا، باتت تتمحور حولهما… اليوم أكثر من أي وقت مضى.

لا واحد من الاثنين مستعد ليعلن قبل الأوان الأفلام التي اختارها وربط عليها خشية أن يسعى الآخر لسحبها منه. ربما لن يفعل، لكن الخشية موجودة وهي لب المنافسة المشروعة والضرورية بين أكبر مهرجانين في العالم العربي. لكن رغم هذا الكتمان، فإن الواضح أن السينما العربية فاقت التوقـعات هذا العام (وللعام الثاني على التوالي). تلك التوقـعات التي ربطت بين الاضطرابات الحاصلة في عدد من الدول العربية، والإنتاج السينمائي وتلك التي لم تلحظ في سماء بعض المهرجانات العالمية خلال الربيع والصيف الماضيين ما يوحي بأن هناك زخما غير عادي من دول لم تدخل نطاق ثورات الربيع وما بعده.

ولعله من الأفضل أن نترك الحديث هنا لبعض هذه الأفلام التي ستطرح، عبر هذين المهرجانين، على الجمهور المواكب.

* «بالاستاين ستيريو»

* المخرج الفلسطيني المعروف رشيد مشهراوي يعود للساحة بعد غياب ثلاثة أعوام منذ أن قدم «عيد ميلاد ليلى». بنفس أسلوبه الساخر يوفر نظرة على مساعي شقيقين هما ميلاد (محمود أبو جازي) وسامي (صلاح حنون) للهجرة إلى كندا وماهية الصعاب التي تحول تحقيق ذلك. خلال الحكاية يطرح المخرج البحث عن الغد الأفضل الذي سيحتم تغييرا في سمات الهويـة الذاتية والوطنية.

* «هم الكلاب»

* هذا هو الفيلم الثاني للمخرج هشام العسري الذي فاجأ الوسط السينمائي بفيلمه الأول «النهاية» (عرضه «أبوظبي»، بينما يبدو أن هذا الفيلم الثاني سيعرضه «دبي»). هنا، يحكي المخرج قصـة رجل معتقل ومنسي من عام 1981 إلى أن تم الإفراج عنه سنة 2011. بعد ثلاثين سنة، يتغير العالم من حوله، يخرج إلى واقع جديد سيجد نفسه مختلفا ومخالفا فيه.

* «سلم إلى دمشق»

* محمد ملص، مخرج «أحلام المدينة» و«الليل» يعاود الكرة: يبحث مجددا عن علاقة الإنسان بالمكان، وخلال ذلك في الوضع القائم بسوريا اليوم وكيف أن تطلـعات الجيل الجديد من الناس تتجاوز ما قام عليه النظام، كما ما تطرحه معظم أحزاب المعارضة. الفيلم آيل إلى مهرجان «دبي».

* «فتاة المصنع»

* كل فيلم يحققه المخرج المصري محمد خان هو حدث منعش. معه تطمئن إلى أنه لا يتنازل عن مستواه، ولا يوجد ما يوحي بأن هذا الفيلم المتشابك الذي يدور في أوضاع اليوم المستجدة (ولا علم لنا إلى أي حد) يختلف في ذلك.

* «حبيبي بيستناني عند البحر»

* المخرجة الأردنية ميس دروزة تقدم عملها التسجيلي الجديد بكثير من الجرأة. تمزج بين الذاتي والخاص وما هو عام. تجري مقابلات مع فلسطينيين يتوقون إلى الحياة من دون آيديولوجيات. مجرد حق العيش الذي يؤمن نوعا من المستقبل. الفيلم ليس سياسيا ولا يدعي أنه يحاول إلقاء ضوء على قضية كبيرة أو صغيرة، بل يبقى في سياقه الإنساني. والأجمل أنه منفذ بحس المخرجة الشفاف والناعم.

* «جيش الخلاص»

* عبد الله الطايع، كاتب مغربي يعيش ويعمل ويصدر الكتب في باريس، وهذا هو فيلمه الأول. قام باقتباسه عن رواية ذاتية تدور حول سنوات شبابه الأولى. الطايع مثليّ ولا ينفي ذلك، بل يجعل من هذا الوضع محور الفيلم. لكنه لا يتحدث عن قبول المجتمع أو عدمه. ولا عن متى أدركت عائلته الكبيرة (أم وأب وخمس بنات وولدان) ذلك. خلال الفيلم لا ترى ما يراه المشاهد. صحيح أن المخرج يتحاشى بنجاح عدم الذهاب إلى مناطق وعرة (كما فعل مثلا عبد اللطيف كشيش في «الأزرق هو أدفأ الألوان»)، لكن الموضوع ماثل بالفعل.

* «عمر»

* هذا الفيلم الذي عرض في مهرجان «كان» ونال منه إحدى جوائزه، هو جديد المخرج هاني أبو أسعد بعد طول غياب. المخرج الذي قدم سابقا «الجنة الآن» حول تمنـع فلسطيني القيام بعملية استشهادية حين أدرك أنها ستوقع ضحايا أبرياء، يقدم فيلما موزونا آخر: عمر يريد أن يفوز بالحبيبة وبالوطن ويتخلـص من مخابرات الجيش الإسرائيلي التي تريد تحويله إلى جاسوس.

* مهرجانات الأشهر الأخيرة

* إلى جانب المهرجانين المذكورين المقامين بدولة الإمارات العربية المتحدة، هناك خمسة مهرجانات أخرى تستحق التسجيل هنا، هي من بين ما يختتم به العام أعماله. مهرجان «سان سابستيان» الإسباني الذي كان انطلق في العشرين من الشهر، وينتهي في الثامن والعشرين منه. يليه مهرجان «لندن» السينمائي الذي ينطلق من التاسع أكتوبر (تشرين الأول) حتى العشرين منه. يليه مهرجان «روما» من الثامن وحتى السابع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني)، لينطلق في أعقابه مهرجان «مراكش» (24 نوفمبر حتى الثالث من ديسمبر) بالتقاطع مع مهرجان «أجيال» الذي يقام بالدوحة من السادس والعشرين وحتى الثلاثين من نوفمبر.