شاشة الناقد

داخل العقل والسيارة

كريس همسوورث ودانيال برول في «اندفاع»
TT

* إخراج: رون هوارد.

* أدوار أولى: كريس همسوورث، دانيال برول، أوليفيا وايلد، ألكسندرا ماريا لارا

* النوع: دراما [سباق سيارات] | الولايات المتحدة - ألمانيا - بريطانيا - 2013

* تقييم: (4*)(من خمسة)

* أهم ميزة لفيلم رون هوارد الجديد، باستثناء أنه على الأرجح أفضل فيلم حققه في حياته، هي أن هذا المخرج الذي اختبر الكثير من الأنواع السينمائية وأصاب وأخطأ على نحو متساو في كل ما حققه، ينجح في وضعك، مشاهدا، تحت خوذة سائق سيارة السباق. فجأة، تجد نفسك تفكـر في ما يفكـر فيه، وتكاد تتصرف كما تفعل لو كنت مكانه. هذا لم يكن ممكنا لولا سيناريو جيد من بيتر مورغن وتنفيذ أكثر جودة من هوارد يعالج فيه، لا الحدث وحده، بل الشخصية ذاتها، متفهـما تماما ما تشعر وتفكر فيه.

«اندفاع» ليس من النوع ذاته الذي تقوم عليه معظم أفلام سباق السيارات الأخيرة، وفي مقدمتها سلسلة (Fast and Furious). كذلك، ليس من المستوى الذي عرفناه في «غراند بري» و«أيام الرعد» أو «لومان»، الفيلم الذي مثـله سنة 1971 هاوي السيارات الحقيقي الراحل ستيف ماكوين. وما يختلف فيه هو عنايته بالشخصيات على قدم المساواة مع الجوانب الفنية والتقنية المثيرة. هنا، السيارة لا تنطلق وحدها، ولا الكاميرا تكتفي بمتابعتها على دروب سباقات الــ«فورمولا وان» التي سادت في السبعينات، بل ينطلق معها الشعور بالتعاطف مع شخصيتين، ينجح الكاتب في جعلهما متناقضتين تماما. وكل ذلك مأخوذ عن سير ذاتية لشخصيتين حقيقيتين.

* جيمس هانت (همسوورث) هو البريطاني الشاب الذي لا يخلو من جفاء ورعونة. ينظر إلى الحياة على أنها ترفيه ومسرات ويسرف في النيل. لكنه سائق سيارة قدير، دائما في الطليعة (ورابح جائزة بطل العالم سنة 1976). في المقابل تماما، ذلك النمساوي لاودا (برول) الطارئ الجديد، الهازئ من هانت وأسلوبه وطريقة حياته. لاودا يؤمن بالانضباط ويزدرئ العاطفة العابرة واللهو، ويعترف، في مشهد جيـد، بأنه يؤم البيت باكرا لينام (في مقابل حياة السهر الطنـانة لهانت). الفيلم يدور حول سباقات الأعوام ما بين 1971 و1976 بينهما، وكيف تعرض الثاني لحادثة سباق رهيبة، لكنها لم تمنعه من العودة لمنافسة غريمة هانت على بطولة كأس العالم.

* لا يهم إذا ما قرأت كتبا وتحقيقات عن هاتين الشخصيتين. رون هوارد يضعنا في الفترة الزمنية بسهولة، ويكشف النقاب عن بطليه ومدارات أيامهما، ثم تحول كل لصالح الآخر من دون أن يتبدل تماما أو يتخلـى عن شخصية، بصورة طبيعية بعيدة عن تنميط التصرفات السهل والمتوقـع.

يستعين المخرج بمدير التصوير أنطوني دود مانتل الذي يستوحي من أفلام السبعينات المشابهة بعض ألوانها. كذلك، يعمد المخرج هوارد إلى تكثيف الحكاية وخلق إيقاع سريع ينبع من صلبها ولا يتــخذ الموضوع عذرا. لقطاته سريعة، لكنها ثابتة، ومنواله ليس القفز بالكاميرا والتعلق من أغصان الشجر لكي ينفرد بما يشبه اللقطة السينمائية الفريدة، بل ينجح في الاستيحاء من التنفيذ التقليدي ما هو مخالف عن أقصى التقليد وأقصى التجديد كذلك. الفيلم لم يتكلـف أكثر من 36 مليون دولار، لكن لو أنه نفـذ في هوليوود كفيلم أميركي بالكامل لارتفعت إيراداته إلى مائة مليون. حتى من دون هذا الجانب، لا بد أن يلاحظ المرء غزارة اللقطات والمشاهد مع فسحات من المشاهد الدالـة. إن لم يكن «اندفاع» أفضل فيلم سباق سيارات، فهو من أفضلها بلا ريب.