المشهد

الغبي والأغبى

TT

* ربما يرى الممثل جيم كاري المشروع فرصة رائعة لاستعادة بعض تألـقه الماضي بين هواة أفلام الكوميديا، لكن ماذا عن جف دانيالز؟ هل هو فعلا بحاجة لأن يلعب دورا كوميديا يتمحور حول شخصية واحد أبله؟ الآن، بل حصوله على واحدة من جوائز «إيمي»؟

* المشروع سيحمل عنوان «غبي وأغبى 2»، وسوف، بلا أدنى شك، يحاول التفوق على الجزء الأول الذي خرج قبل عشرين سنة في مقدار غبائه. من شاهد ذلك الفيلم وما زال يتذكره، يدرك أن محوره قام على رحلة قام بها رجلان صوب أسبن في ولاية كولورادو. قبل الرحلة ثم على الطريق، وجدناهما يتنافسان أمام الجمهور في تجسيد من هو أكثر غباء من الآخر. وأنا لا استعمل الوصف بسهولة أو تبعا لمزاج ما، بل لأن هذا هو لب الفيلم وتجده منشورا في أكثر من موقع.

* بصرف النظر عما إذا كان جمهور اليوم سيكون سعيدا بمشاهدة «غباء» من هذا النوع وأن الفيلم سيحقق النجاح الذي حققه ذلك السابق، فإن الغباء والتمثيل الكوميدي اقترنا معا منذ عقود طويلة. الكوميديا الأفضل، بكلمة حاسمة، هي تلك التي لا تصور غبيا، بل ضحية. عاين مثـلا الفارق بين الثنائي لوريل وهاردي والثنائي بد أبوت ولو كوستيللو، بين باستر كيتون أو تشارلي تشابلن ومايك مايرز. بين الفرنسيين جاك تأتي ولوي دو فونيس. حال يطرح الممثل الكوميدي نفسه كشخصية مضحكة بالقصد وغبية التصرف معتمدا على الحركة المنتزعة من خارج محيط العمل ككل.

* الكوميدي الناجح فنيا يستطيع أن يكون ناجحا جماهيريا أيضا. الجامع بين كيتون وتشابلن، رغم المنافسة الكبيرة بينهما خلال حياتهما المهنية، أنهما كانا ضحيـتين ماثلتين لكونهما مختلفين. كيتون ضحية سوء طالعه. تشابلن ضحية تصرفاته الرعناء أو فقره. جاك تأتي ضحية العصرنة التي يشعر بأنه خارجها. حاليا، بل موراي، وليس جيم كاري، من يستطيع أن يوفـر هذا المنهج بنجاح، كون الأول يستند إلى أداء داخل الذات وليس خارجها كما حال كاري.

* حين نتابع فيلما لـلوريل وهاردي، سريعا ما ينساب تحت فعل الإعجاب كيف أنهما يتحركان كنتاجين غير طبيعيين في مجتمع يمشي باتجاه معاكس لهما. ليس أن مطالبهما كبيرة، وليس أنهما يعكسان في أفلامهما أي قضايا، لكن ذلك النحيف الباكي والبدين الشاكي هما أفضل ثنائي ظهر على شاشة السينما على الإطلاق.

* السينما العربية حاولت كثيرا نقل الفورميلات الغربية، لكنها لم تتمتـع بملاحظة هذا الإطار الخاص الذي كان عليها أن تتمتـع به. لذلك، خوت تجاربها الكوميدية الصرفة من ثنائي يعلو عن مستوى لعبة الغبي والأغبى (رياض القصبجي وإسماعيل يس مثلا) وحتى عن فرد يبلور هذا التوجه الخاص المنشود. تستثني نجيب الريحاني الذي نجا بنفسه من التنميط. وكان عادل إمام فوت على نفسه مثل هذا التطور، لكن في المحصلة الأخيرة هكذا فعل معظم الكوميديين الآخرين.