شاشة الناقد

فن التشويق في عالم متأزم

توم هانكس في «كابتن فيليبس»
TT

إخراج: بول غرينغراس.

أدوار أولى: توم هانكس، كاثرين كينير، فيصل أحمد، بركات عبدي.

النوع: تشويق/ وقائع حقيقية [الولايات المتحدة 2013] تقييم: (4*)(من خمسة) التوليف (المونتاج بكلمة أخرى) بالنسبة للمخرج بول غرنغراس هو ما يبني الفيلم وما يشكله أمام المشاهدين. هو ما يضع الفيلم، أي فيلم له، أمام سباق الزمانين: زمن المشاهدة المحدود بساعتين أو ما يجاورهما، وزمن الأحداث التي تقع على الشاشة. الكاميرا تأتي لتواكب هذه الصيغة. محمولة ومتسارعة ولاهثة. لكن لا المونتاج متفذلك أو مصطنع الوتيرة، ولا التصوير عبثي بلا قواعد. لذلك أفلامه (من سلسلة العميل جاسون بورن، إلى أفلامه التي تتناول قضايا سياسية التكوين مثل «يونايتد 93» و«أحد دموي» إلى هذا الفيلم) تشترك في هذا الأسلوب الذي بات عنوانا لمخرجه.

الحكاية المرتسمة على الشاشة هنا مقتبسة عن أحداث حقيقية بطلها الكابتن رتشارد فيليبس الذي تعرض وسفينته إلى القرصنة البحرية سنة 2009 وخاض غمار تجربة مرّة وصعبة نجا منها بأعجوبة، كما ورد ذلك في كتاب وضعه (بالمشاركة مع ستيفن تالتي) عنوانه «أيام خطرة في البحر». الجزء المرتاح نوعا في هذا الفيلم هو التمهيد: كابتن فيليبس (توم هانكس) وزوجته ينطلقان من بيتهما في السيارة. يتحدّثان عن جيل سيحيا في عالم مضطرب، بذا يعبّران عن شعور ملايين الناس وربما عن رأي المخرج أيضا. يصل إلى المطار وتعود هي بالسيارة. أن لا نراها بعد ذلك هو حقيقة بالنسبة إلينا. بالنسبة للكابتن فيليبس هو خوف شديد بعدما سقط وسفينته في أيدي أربعة قراصنة صوماليين اعتلوا السفينة المحملة بالبضائع (يقول لهم إنها مساعدات غذائية لجائعين أفريقيين) واحتجزوها. في نصف ساعة يحشد المخرج محاولات الكابتن الفرار بسفينته من القاربين اللذين يطاردانه، ويحقق نصف النجاح. أحدهما يعود حيث أتى والثاني، تحت قيادة عبد الوالي موسى (بركات عبدي) مصر على استحواذ السفينة فهي تعني له 30 مليون دولار فدية لها ولمن عليها. بعد ذلك، عملية احتجاز الكابتن ذاته في قارب النجاة البطيء بعدما فشل القراصنة في القبض على الرهائن من طاقم السفينة (اختبأوا وقاوموا بقطع الكهرباء). هذه هي المرحلة الأصعب في كل شيء: في التمثيل، في التصوير، في انتقاء ما يجب عرضه وما ليس مهما وفي التعامل مع ذلك السباق الزمني للنهاية. يغيب عن البال غالبا أن بطلنا سيبقى حيا، ليس لأنه توم هانكس وليس لأنه يقود الفيلم، بل لأنه عاش في الواقع ليضع كتابا عن هذه التجربة.

التصوير داخل قمرة ليس كالتصوير في مساحة واسعة. وبراعة غرينغراس تصل إلى ذروتها هنا. «كابتن فيليبس» مدرسة نموذجية في هذا الشأن: من ناحية لديه الكابتن المختطف ومن ناحية لديه أربعة صوماليين أحدهم شاب لا يمانع في إعطاء الكابتن ماء ليشرب ما يخلق توترا إضافيا ولو ليس عاليا. ثم هناك جنود البحرية الأميركية الذين يهرعون لنجدة الأميركي المخطوف. مهما قيل في أن الفيلم يبدو عن براعة الأميركيين لا يخرج عن أن ذلك هو أقل واجبات الدولة حيال رعاياها. في هذا الخضم يبرز عنصر التشخيص (ولا أقول التمثيل): توم هانكس يجسّد كل نبضة بواقعية. وعينا بركات عبدي تعكسان كل ما تريد معرفته عن شخصيته والآخرين.