شاشة الناقد

تحت السماء وفوق الأرض

لقطة من «اثنتا عشرة سنة عبدا»
TT

إخراج: ستيف ماكوين، عن سيناريو لجون ريدلي مقتبس عن كتاب لسولومون نورثاب ممثلون: شيويتيل إيجيفور، دوايت هنري، بول جياماتي، مايكل فاسبيندر، مصطفى هاريس النوع: دراما عن العنصرية في الجنوب الأميركي [ الولايات المتحدة 2013] تقييم:(*3)(من خمسة) هناك مشهد رائع يقع في نصف الساعة الأولى من الفيلم عندما يجري ربط سولومون (شيويتيل إيجيفور) من عنقه إلى حبل مشدود بغية شنقه. أحد المسؤولين عن مزرعة القطن يأمر بذلك، ويستدعي رجلين من البيض لمساعدته. يمر المسؤول الأمني للمزرعة ويوقف الشنق في آخر لحظة. تتوقـع أن يفك الحبل بعدما أرهب المسؤول الرجال الثلاثة فانصرفوا، لكنه يترك سولومون معلـقا ولو أن قدميه باتتا، بعدما جرى إنزال الحبل، تلامسان الأرض الموحلة. لا تلامسانها على نحو مريح، بل بالكاد تحتك بها. لكي يبقى سولومون على قيد الحياة، عليه أن يجهد للمحافظة على توازنه ومكان قدميه فوق الوحل.

«12 سنة عبدا» هو فيلم المخرج البريطاني ستيف ماكوين الأول في أميركا. أحبه 45 ناقدا أميركيا مقابل واحد فقط اتخذ منه موقفا وسطا. لكن مشاهدة الفيلم توحي بأن من بين الأسباب ما قد يعود إلى أن الفيلم قائم على كشف وجه أسود للفترة العنصرية أيام ما كان العبيد يـباعون في الأسواق ويعملون بلا أجر في المزارع ويـعاملون بقسوة ومن دون أي حقوق، ناهيك بأبسط مبادئ المساواة. وستيف ماكوين ليس لديه وقت للمزاح ولا لتخفيف العبء وتوزيع الأخطاء بين الشخصيات، سوداء وبيضاء، ليخفف عن المتلقي الأبيض الشعور بالذنب أو الضيم. ليس من أتباع التنازلات والحلول السهلة والنهايات السعيدة، وهذا بعض ما حبب النقاد في الفيلم. أرادوا عملا يلقي عليهم الواقع صدما وليس مداولة، ونالوا ما أرادوه.

الفيلم مقتبس عن كتاب وضعه سولومون نورثاب نفسه ونشره سنة 1853. سولومون، (ولد سنة 1807)، لم يكن عبدا، بل كان يعيش وزوجته وأولاده أحرارا في مدينة واشنطن عندما جرى خطفه، ذات مرة، من قـبل رجلين وثق بهما ليستيقظ ويجد نفسه عبدا مقيدا بالسلاسل ومبيعا في سوق النخاسة الجنوبي كمن سواه من العبيد. احتجاجاته وتأكيداته أنه إنسان حر لم تنفعه، ونراه يتعرض للإهانات كافة، ويكاد يقضي في ذلك المشهد المذكور، وينتقل قبل ذلك وبعده بين أيدي عدد من أصحاب المزارع. بعضهم يقدره أفضل من بعض، لمهارته في عزف الكمان أو لأنه يقرأ ويكتب أو لمجرد أنه يستطيع الحديث إليهم من دون أن يحاول البرهنة على أنه إنسان متساو معهم.

فيلما ماكوين السابقان («جوع» سنة 2008، و«عار» 2011) تعاملا والإنسان في وضع المحبوس. الأول كان عن الآيرلندي السجين لأسباب سياسية، كونه منتميا إلى «جيش الجمهورية الآيرلندية (عن قصة حياة حقيقية أيضا لبوبي ساندس)، والثاني عن رجل محبوس داخل نزعاته وأغراضه الجنسية لدرجة المرض.

ما يختلف فيه هذا الفيلم بالنسبة لماكوين، هو أنه يفتح على التاريخ البعيد ويوظـف حكاية الفرد لمرام اجتماعية. لكن، ما يبقى ماثلا هو الدكانة التي يعمل بها المخرج ويفرضها على فيلمه. دكانة أخلاقية لا مهرب منها. وفي حين أن «لينكولن» لستيفن سبيلبرغ، نزع إلى تحييد الفيلم الأول عن بيئته تلك مهتما بشخصيته الأساسية، وبينما عمد كوينتين تارانتينو في «دجانغو طليقا» إلى دراما ترفيهية عن الجحيم ذاته، والتزم لي دانيالز (منتصف هذا العام) آداب السيرة في «رئيس الخدم» ممزوجة بالتاريخ المشين طبعا، ينفك ماكوين عن كل هذا صوب التزامه واقعية ولو جافـة وسوداوية. هو لا يريدك أن تخرج عادا المسألة كانت على أي وجه آخر، لكن هذا المراد ليس كل شيء، بل إن هذا الوجه الآخر كان أقسى ما يمكن لإنسان أن يتحمـله من ظلم إنسان آخر.