خمسة أفلام ذات اتجاهات أسلوبية وسياسية مختلفة

قراءة لمسابقة أوسكار الفيلم الأجنبي

«عمر»
TT

من بين المخرجين الخمسة المرشـحين لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، وحده هاني أبو أسعد رشـح مرتين: مرة عن فيلمه «الجنة الآن»، ومرة أخرى عن فيلمه الجديد «عمر». الباقون يطأون أرض الأوسكار لأول مرة حتى ولو كان بعضهم أطول باعا من المخرج الفلسطيني بالنسبة لعدد الأفلام التي حققها.

إنهم مجموعة غير متجانسة من المخرجين، حققوا أفلاما استحوذت إعجاب أعضاء أكاديمية علوم وفنون السينما، موزعة الأوسكار، فرشـحوها لتنتهي إلى قائمة رسمية سيجري اختيار واحد منها للإعلان عن فوزه.. «الرابح هو...» ويأتي الصوت - المفاجأة وسيصعد صاحب الاسم ليتسلم التمثال المذهب وفي باله كلمات شكر عليه إلقاؤها في ثلاث دقائق.

هوليوود تتابع الترشيحات الأجنبية، كونها جزءا من حفلة الأوسكار التي تستمر لنحو ثلاث ساعات وتشتمل على كل باب وقسم من حقول صنع الأفلام. لكن اهتمام هوليوود بهذه الجائزة يختلف تبعا لاختلاف موقع المهتم وصلته. غالبية السينمائيين يعدونها صفحة في وسط الحفل ويمضون. قد يشكل الفيلم الفائز مناسبة للتصفيق وإظهار الفضول بما سيقوله هذا السينمائي غير الأميركي حول هوليوود والأوسكار والفرصة السماوية التي أتاحت له تحقيق هذا الفيلم والفوز به، لكن الاهتمام الأكبر سيبقى منصبـا على الأقسام الأميركية ذاتها: الممثلون والممثلات والمخرجون، و- بالطبع - الأفلام الأميركية التي سيجري انتخاب واحد منها للفوز بتلك الجائزة.

* عروض عمل هذه الأقسام (التي سنخصص لكل منها بحثا منفصلا) أحيانا ما تلهم حماس المخرج الأجنبي للعودة إلى هذا الحفل بفيلم آخر... هوليوودي. كثيرون ممن فازوا بأوسكار أفضل فيلم أجنبي سنحت لهم فرص تحقيق أفلام أميركية، أو، على الأقل، تواصلوا مع منتجين وضعوا قدرا من الاستعداد لتمويل فيلم أميركي إعجابا بأسلوب المخرج وطريقته في سرد القصـة، و- لا ننسى - توظيفا لاسمه اللامع اليوم الذي قد لا يبقى لامعا في الغد. الإسباني بدرو ألمادوفار تسلم عروضا للبقاء في هوليوود وإنجاز بضعة أفلام، وذلك عندما فاز فيلمه «كل شيء عن أمي» بالأوسكار. في مذكراته، كتب الهنغاري استفان شابو أنه جلس عام 1981 مع بعض منتجي شركة «يونايتد آرتستس» بعد يومين من فوزه بالأوسكار عن فيلمه «مفيستو». والفرنسي برتران بلاييه عاد من هوليوود إلى باريس ومعه سيناريو دسـه له منتج أعجب بفيلمه «أخرجوا محارمكم» بعدما فاز بالجائزة عام 1978.

بالنسبة لهاني أبو أسعد، جاء ترشيحه للأوسكار عن «الجنة الآن» عام 2006 مناسبة لكي يبقى في هوليوود يعاين فيها عروضا تسلمها بالفعل. شركات التوزيع الأميركية عادة ما تكون الأكثر حماسا بين كل قطاعات هوليوود للأفلام الأجنبية الواصلة إلى خط النهاية ومخرجيها، وأبو أسعد وجد أن شركة «وورنر إندبندنت بيكتشرز» (وهي شركة إنتمت لوورنر وعاشت بضع سنوات قبل أن تقفل دكانها) مستعدة لإبقائه في هوليوود على حسابها للبحث في عدد من المشاريع التي بحوزتها. خلال ذلك، تقدمت منه شركتا «فوكاس» و«فوكس» بمشاريع أخرى. بعد بضعة أشهر وفي مقهى بشرقي ويلشير بوليفارد، قال لهذا الناقد: «هي مشاريع جيدة، مكتوبة جيدا، لكنها نمطية. لأن فيلمي («الجنـة الآن») يتحدث عن انتحاري بقنبلة مربوطة إلى وسطه، غالبية المشاريع المعروضة علي تدور حول قصص مشابهة، وأنا لا أريد أن أنمـط».

نتيجة رفضه أن حقق بعد ذلك الفيلم عملين: واحد تركي («لا تنسيني يا إسطنبول»)، والآخر أميركي («الحمـال»)، لكنه لا يدعوك لمشاهدتهما. «عمر»، هو الفيلم الذي هو فخور به والذي يتمنى له أن يفوز في السباق لأفضل جائزة أجنبية.

* صورة تاريخية هذا لن يكون هيـنا. الفيلم الذي ربح هذه الجائزة عام 2006 هو «تسوتسي»، المنتج من قبل شركات جنوب أفريقية، الذي أخرجه الأميركي مواطنها كـفن هود (لاحقا ما أنجز مشاريع أميركية آخرها «لعبة إندر» في العام الماضي). بين حكاية شابـين يترددان في تنفيذ مهمـة انتحارية وحكاية صبي يرأس عصابة أشقياء في مدينة جوهانسبورغ، وربما تبعا لبعض الملامح الفنية الخاصة، نال الفيلم الأفريقي الجائزة لا عنوة عن الفيلم الفلسطيني فقط، بل عن أفلام أوروبية، إذ توزعت الترشيحات الأخرى بين الفيلم الإيطالي «لا تبح» لكريستينا كومنشيني، والفيلم الفرنسي «نوول المرح» لكريستيان كاريو، والفيلم الألماني «صوفي شول» لمارك روثموند.

هذه المرة المشاركون مختلفون، وكما ذكرت، هاني أبو أسعد هو الوحيد الذي جرى ترشيحه من قبل. هذه الميزة قد تفيده بمعدل محدود قد لا يزيد على 10 في المائة من أصحاب الأصوات الذين منحوه أساسا فرصة الترشيح هذه والذين قد يرون أنه يستحق هذه المرة الوصول إلى المنصـة ولو من باب التعويض عن المرة السابقة. لكن، إذا ما كان هذا الفيلم سينال الأوسكار فعلا، فإن الأمر سيعود للمشكلة التي ما زالت قابعة على المجالس السياسية والاجتماعية باحثة عن حل.

على أن هذه المشكلة ليست الوحيدة المطروحة على أنظار ستـة آلاف عضو. هناك «الصورة المفقودة»، الذي يتحدث عن التاريخ العنيف لدولة كمبوديا حينما استولت عصبة «خمير روج» على السلطة وأودت بحياة مئات الألوف بمن فيهم أقارب المخرج ريثي بانه. الاختلاف بين «عمر» و«الصورة المفقودة»، هو أن الأول لا يزال عاكسا لوضع حاضر، بينما ينقل الفيلم الكمبودي من الأمس صورا انتهى مفعولها الحدثي. إلى ذلك، لا ينتمي الفيلم تماما إلى السينما الروائية، بل هو معالجة مع تعليق صوتي، يقربانه من صنف الأفلام التسجيلية، ويستخدم الدمى عوض الممثلين، مما يجعله ينتمي إلى فن الرسوم (ولو غير المتحركة لأن الدمى جامدة).

الأفلام الأخرى هي: «انهيار الحلقة المكسورة»، وهو فيلم بلجيكي لمخرج طموح اسمه فيلكس فان غروننجن، سبق أن حاول قبل أربع سنوات ترويج فيلم فوضوي الشكل بعنوان «غير المحظوظين»، لكن فيلمه الجديد أكثر انضباطا (جرى عرضه على الـ«غولدن غلوب» ولم يحظ بالاهتمام الكافي). يدور حول قصـة حب وما يتبعها من مشاكل بين مغن ومغنية في فرقة موسيقية واحدة. ربما خرج بالأوسكار لنواح عاطفية أكثر منها تقديرا لإجادته الفنية.

الفيلم الرابع «جمال عظيم» للإيطالي باولو سورنتينو، هو الأجدر بالفوز من «الصورة المفقودة» و«انهيار الحلقة المكسورة»، ويتعامل مع موضوع أوسع نطاقا من «عمر»، إذ يطرح مسائل ذهنية وتاريخية وثقافية منع الموضوع السياسي مخرج «عمر» الوصول إليها.

الفيلم الخامس هو من شغل الدنمارك «الصيد» لتوماس فينربيرغ صاحب ثمانية عشر عملا مختلفا؛ من بينها «الاحتفال» (1998)، و«كله عن الحب» (2003)، و«سامبارينو» (2011)، وكلها مرت من تحت رادار الأكاديمية فلم يجر ترشيح أي منها. «الصيد» معضلة فرد حيال المجتمع (كما حال «جمال عظيم») تحمل في طيـاتها نقدا للرأي السائد والاتهام الجاهز، مما يدمر حياة بطله. فقط، نهايته هي التي تربك العمل من أساسه، لكنه فيلم قد ينأي بنفسه عن باقي المواضيع المثارة ويفوز.

* العلاقة الكانيـة أربعة من الأفلام المنافسة في جائزة أفضل فيلم أجنبي شاركت في مهرجان «كان» السنة الماضية. واحد منها فقط فاز بجائزة أساسية وهو «عمر» (جائزة لجنة التحكيم الخاصة بتظاهرة «نظرة ما»). الأفلام الثلاثة الأخرى هي: «الصيد»، و«جمال عظيم»، و«الصورة المفقودة».

في أوسكار العام السابق، جاء الفيلم الفائز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي من نصيب «حب» لميشيل هنيكه الذي كان فاز كذلك بسعفة مهرجان «كان».