شاشة الناقد

بحر من الأوهام

«كل شيء ضاع»
TT

إخراج: ج. س. شاندور تقييم الناقد:(5*)(من خمسة) قلـة محدودة من نقاد السينما العربية شاهدت فيلم ج. س. شاندور السابق «نداء هامشي» الذي شارك في مسابقة دورة مهرجان «برلين» ولم يفز، وأقل من هؤلاء من سعى أو سيسعى لمشاهدة ذلك الفيلم للتعرف على الصورة الكاملة لعبقرية هذا المخرج وموهبته. لكن، إلى أن يحدث ذلك، هناك فيلمه الجديد «كل شيء ضاع» المختلف تماما، وفي كل شيء، عن فيلم شاندور السابق باستثناء أنهما تعليق على أميركا اليوم.

في «نداء هامشي»، رصد المخرج واقع أزمة 2008 وتلاعب كبار المصرفيين وأصحاب المؤسسات الاقتصادية بعناصر الحياة الاقتصادية في أميركا وبمستقبل موظفيهم في مقابل سلامتهم المادية من كل أذى. لكن، كيف يكون فيلم شاندور الجديد الذي يقود بطولته ثلاثة فقط تعليقا على أميركا اليوم أو الأمس أو في أي زمن؟

البطولة البشرية هي لبحار متعب تجاوز سن الشباب (روبرت ردفورد)، وغير البشرية هي لمركبه الصغير وللمحيط الأطلسي الواسع الذي ضاع فيه. استبدل بالقارب أميركا، يصبح الفيلم حالة رمزية فريدة وواضحة: هذا هو الأميركي (لم يعطه المخرج اسما عن قصد) فوق مركب (اقتصادي واجتماعي مهزوز - بذلك هو الوطن) ضائع وسط عواصف الحياة الحاضرة (المحيط). حتى وإن لم تؤمن بأن هذا في بال المخرج حين كتب، ومن ثم، أخرج هذا العمل الرائع، فإن الخروج بهذه المعاني أمر ممكن إلى درجة أنه سيكون غريبا لو أن المخرج لم يقصدها.

يبدأ الفيلم بذلك الرجل ساهيا ليكتشف أن المركب الذي هو عليه مثقوب والماء يصب فيه. لقد اصطدم المركب بحاوية حديدية عائمة ربما سقطت من شاحنة ضخمة. بعزم، ينقذ الرجل مركبه ويبتعد عن الحاوية ويبحر فوق محيط شاسع كان قد ضاع فيه قبل بداية الفيلم. بعد أن يسد الثغرة، يسعى للاتصال بفرقة إنقاذ، لكنه يفشل. المحرك نفسه لا يعمل. الماء كان وصل إلى ركبته في أسفل المركب وهو يجلس هناك يضخـه حتى الكلل. الوقت يمر بطيئا، وهو ينظر إلى الخريطة التي معه ويقرر أن يتـجه إلى ممر بحري تؤمـه البواخر العابرة. هذا جيـد، لأن أحدا قد يراه وينقذه. لكن قبل ذلك، لا بد من عاصفة. ينتظرها داخل المركب (يختار المخرج أن تبقى الكاميرا في الداخل معه على أن تظهر ما يمكن أن يشكل استعراضا تشويقيا للعاصفة وهيجان البحر الهادر). يعيش انقلاب المركب رأسا على عقب، ثم حين يخرج من مكانه ينقلب المركب مرة ثانية.

هذا الرجل (أو «رجلنا» كما يعرف عنه الفيلم في البطاقة الأخيرة) يسهو من التعب، وهربا من الجوع بضع مرات أخرى، ودائما يصحو متأخرا ليرى شاحنة ما تمر بالقرب منه لم يكن استعد لها. اقرأ هنا بين السطور: نوم، صحوة متأخرة، فرص ضائعة، لا يمكن لهذا الفيلم إلا أن يكون تعليقا اجتماعيا بالدرجة الأولى.

على عكس الفيلم المفبرك «حياة باي»، لا خدع ولا مؤثرات ولا فانتازيا من الحيوانات. ولا حتى صوت. فيلم شبه صامت، يبدأ بعبارة يتولاها صوت الشخص لرسالة قصيرة أودعها زجاجة ورمى بها في البحر. بعد ذلك، ثلاث أو أربع كلمات متفرقة (منها «الله» و«النجدة»). وفي النهاية، لا يزال بين الموت والحياة.