شاشة الناقد

ذكريات ذئب

ليوناردو ديكابريو كما يبدو في «ذئب وول ستريت».
TT

إخراج: مارتن سكورسيزي تقييم الناقد:(3*)(من خمسة).

عندما باشر جوردان بلفورت (كما يؤديه هنا ليوناردو ديكابريو) عمله الأول في مؤسسة مالية في وول ستريت وهو لا يزال شابا في السادسة والعشرين، صرخ المسؤول عنه في وجهه قائلا له: «أنت لا شيء. هل تفهم؟» ثم قاده إلى مكتبه وصرخ في وجهه مرّة أخرى لكي يبدأ العمل. لا بد أن ذلك المدير، طالما أن الأحداث واقعية وجوردان بلفورت لا يزال حيا يضحك سعيدا بما جناه من نجاح، وبما أن الفيلم مأخوذ عن مذكّراته تحت العنوان نفسه، ما زال يفغر فاه كلما تذكّر كيف عامل جوردان محتقرا إياه فإذا به يصبح أحد أكبر عناوين النجاح المادي في التاريخ القريب. في عالم يذعن لمثل هذه النجاحات، فإن قصة جوردان بلفورت تستأهل العرض. ما لم تستأهله هو معاملة الرجل الذي جمع ماله من جيوب من خدعهم، كبطل قومي.

بعد أن يترك جوردان العمل في تلك المؤسسة الأولى يجد عملا في مكتب يقع في «شوبينغ مول» يتعامل بحجم مالي ضئيل جدّا لكنه يمنح موظفيه خمسين في المائة عن كل عملية يقوم بها. سريعا بعد ذلك ما يستقل من المكتب بعدما حقق ما يكفي من المال لفتح مؤسسته الخاصة. إلى هذه المؤسسة يضم دوني (هيل) وبعض الآخرين من معدومي المعرفة بالعمل المصرفي من أي نوع. جوردان يخلق هذا الفريق ويحثهم على العمل وعندما تحقق المؤسسة نجاحاتها يحث كل منتم جديد بنفس الطريقة. يقول ويعني ما يقول: «أريد كل منكم أن يصبح ثريا»، وهو كان بدأ ذلك بالقول: «ليس هناك كرامة في الفقر».

النجاح قد يسبب العمى وفي هذا الفيلم يطيح بالأخلاقيات والمبادئ جميعا. ها هو جوردان يبذخ في الصرف بلا هوادة، ويقبل على الملذات دون أي تردد: حفلات جنسية جماعية، الإدمان على العقاقير الممنوعة والمخدّرات الفتاكة وتشجيع العاملين جميعا على ممارسة طريقة الحياة ذاتها. لا عجب أن تجارة المخدّرات رائجة إلى هذا الحد طالما أن هناك من الأثرياء من يصرف ملايين الدولارات عليها بصرف النظر عن السبب أو الغاية.

المخرج مارتن سكورسيزي لا يحكم على بطله. يريد من الجمهور أن يحكم عنه. هذا لا يمنح الفيلم سببا ومفادا، بل يتركه رهينة سرد ذكريات منقولة عن الشخصية ذاتها التي لم تعبر عن شعورها بالذنب حين وضعت تلك المذكّرات ولا يسعى السيناريو للتعامل مع هذا الجانب الضروري أيضا.

ما أراده سكورسيزي لفيلمه هو استعراض ساخر لحياة لاهية. لكن هذا لا يكفي. بصريا، يا له من عرض: ثلاث ساعات بلا لحظة ملل واحدة ومع حركة كاميرا شبه دائمة ومحسوبة. ومع أن هناك الكثير من المشاهد هي تكرار لما ورد منها سابقا (من بينها ثلاث خطب حول الجشع الجيّد والمصلحة الفردية وكيفية النصب على الأبرياء) إلا أن الفيلم لا يسقط تحت وطأة هذا التكرار بسبب معالجة بصرية أخاذة يستخدم فيها المخرج قاموسه من المفردات الفنية.