إطلاق «روبوكوب» جديد.. مخرجه لبناني وعالمه غير إنساني

منقذ العالم ليس من شحم ودم

روبوكوب الجديد - «بلايد رانر» مع هاريسون فورد
TT

«روبوكوب»، الذي ينطلق للعروض العالمية نهاية الأسبوع المقبل هو آخر ما تطلق هوليوود عليه اسم «ريمايك» (إعادة صنع). النوع الذي يعيد صياغة فيلم قديم كإنتاج جديد وإطلاقه غالبا مع أسماء جديدة في خانات الكتابة والتمثيل والإخراج.

في الأصل «روبوكوب» فكرة جهنمية (ضمن قواعد اللعبة السينمائية) طلع بها سيناريو كتبه كل من إدوارد نيوماير ومايكل ماينر وآرني شميت وقامت بإنتاجها، سنة 1984، شركة أورايون بيكتشرز التي كانت نشطة في ذلك الحين وتوزّع أفلامها عن طريق استديوهات وورنر الشهيرة. هذه تحمست لمشروع قام أساسا على فكرة أنه في المستقبل القريب (لم يحدده الفيلم) سيتطلّب الأمر أكثر من رجال بوليس آدميين لضبط الأمن. الفساد المنتشر بين الإدارة والطبقة السياسية ينعكس على بعض العاملين من رجال القانون، والبعض الآخر لا حول له ولا قوّة في مواجهة ميزان الجريمة الذي ارتفع وقتال مجرمين أكثر نظاما وشراسة من أي وقت مضى. بطل الفيلم (قام به بيتر وَبر) من خيرة رجال البوليس الذي كان يقضي في واحدة من تلك المواجهات. والطريقة الوحيدة لإبقائه حيّا كانت في توظيف تكنولوجيا المستخدمة لصنع الروبوت. النتيجة روبوت - كوب أو روبوكوب.

المخرج الهولندي بول فرهوفن الذي وصل إلى هوليوود تحت عزف الأبواق وضرب الطبول حقق فيلما جيدا ومسليا وبلا قلب. واليوم تلجأ هوليوود مجددا إلى الفيلم السابق ذاته وتسند إخراجه إلى البرازيلي (من أصل لبناني) جوزيه بديعة الذي كان قدّم أوراق اعتماده عندما حقق فيلمين بوليسيين واحد سنة 2007 بعنوان «فريق النخبة» والثاني بعده بثلاثة أعوام كجزء ثان بعنوان «فريق النخبة: العدو في الداخل». بديعة أتهم حين قدّم فيلمه الأول بأنه سعى لإرضاء اليمين المتطرّف فصوّر بوليسا فاشيا ودافع عن فاشيّته. في الجزء الثاني، وردا على منتقديه، جعل موضوعه فساد البوليس الذي رفع له القبعة سابقا. الأمر ذاته كان حدث مع كلينت ايستوود قبل ذلك بأعوام كثيرة عندما قام ببطولة «ديرتي هاري» وحيال التهمة ذاتها قام بتمثيل «ماغنوم فورس» (ضمن نفس السلسلة) الذي أتى به على ذكر فساد البوليس.

* رديف لكن «هاري القذر» كان، على الأقل، يتعامل مع رجال بوليس من لحم ودم. في حين أن الأفلام اللاحقة شهدت مزيدا من الأفلام التي تلغي البطل الآدمي لتعين مكانه واحدا من آلات وأشرطة وكومبيوترات مزروعة فيه. واحد لا يستجيب لأوامر لذلك ليس عليه أن يتحدّاها، بل هو مبرمج سلفا للقضاء على الشر وتحديد ذلك بنظام عمل مزروع داخله.

«روبوكوب» نفسه عاد فظهر في ثلاثة أفلام لاحقة كل منها بقصّة شبه جديدة. ولا واحد منها استطاع تكرار النجاح التجاري الذي حققه فيلم بول فرهوفن. ذلك الفيلم الأول تكلّف أقل من 15 مليون دولار وجلب أكثر من 100 مليون دولار عالمية بأسعار تذاكر ذلك الحين. بالمقارنة مع الفيلم الجديد، فإن تكلفته وصلت إلى 100 مليون دولار ولو أن المتوقع منه أن ينجز قرابة 400 مليون دولار.

لكن «روبوكوب» غالبا ما يمكن النظر إليه كرديف لسلسلة أخرى من المحاربين الآليين. قبله بثلاث سنوات قام (اللبناني الأصل أيضا) ماريو قصّار بإنتاج «ترميناتور» حول ذلك المخلوق غير الآدمي الذي يهبط من الفضاء للقضاء على طفل إذا ما كبر فسيلعب دورا في حماية الأرض ودرء المخاطر عنها. بعد سبع سنوات انطلق الجزء الثاني لكن الاختلاف فيه هو أن بطل ذلك الفيلم الأول (أرنولد شوارتزنيغر) انقلب من الشر إلى الخير وأخذ يتصدّى لأعداء الحياة على الأرض.

خلال ذلك وقبله الكثير من الأفلام التي استولى على بطولتها شرطيون ورجال قانون مصنوعون من الألياف المعدنية والكابلات الإلكترونية: «القاضي دريد» و«جنود سيبورغ» و«ماكس ستيل» و«سيبورغ 009» و«الشفرة الحمراء» و«ملاك المعارك» و«سيبورغ كوب» والكثير سواها.

كل هذه الأفلام المذكورة لم ترتفع إلى مستوى طرح وجداني أو اجتماعي ممكن. ليس خطأ الحديث عن روبوتس يحكمون بالقوّة أو يفرضون الطريقة الوحيدة لحل أزمة الصراع بين الخير والشر، لكن لا أحد من هذه الأفلام (باستثناء «روبوكوب» الأول) اكترث لطرح عناوين خلفية لما يدور على الشاشة. المثير في فيلم فرهوفن أنه اتسع لطرح مواضيع مثل البحث عن الهوية الشخصية عندما يفقد بطل الفيلم إمكانية اعتبار نفسه آدميا ولا يستطيع أن يقبل هويته الجديدة كروبوت على نحو كامل. ومثل الفساد السياسي والجشع الإداري ممزوجا بواقع الحياة الاجتماعية والنظام الاقتصادي.

* قضايا وجدانية وأسئلة قبل كل هذه الموجة من الأفلام استطاع فيلم واحد فقط أن يتناول قضايا عميقة، وإن مختلفة عن تلك التي طرحها «روبوكوب» سنة 1984. ذلك الفيلم هو «بلايد رانر» (Blade Runner) الذي إذا ما كان لا بد من ترجمته فإن التعريب الصحيح هو: «الراكض فوق النصل». هذا الفيلم خيالي علمي فريد من تحقيق ريدلي سكوت وبطولة هاريسون فورد وروتغر هاور وشون يونغ وداريل هانا. مأخوذ عن رواية قصيرة للكاتب فيليب ك. دِك بعنوان «هل يحلم الأندرويدز بالماشية الإلكترونية؟». أخذنا الفيلم إلى عام 2019. بطله هو متخصص بالكشف عن الأندرويدز (أشباه الآدميين) الذين لجأوا إلى مدينة لوس أنجليس وسكنوها خفية. شيء مثل بوليس الهجرة الذي يبحث عن القاطنين المكسيكيين الذين لجأوا هربا عبر الحدود. العالم القاتم لذلك الفيلم يسيطر على الفيلم ويهيمن على أجوائه، لكن العقدة الساحرة هنا هو اكتشاف بطل الفيلم في نقطة متقدّمة من الفيلم بأنه هو نفسه «أندرويد».

في الأسبوع نفسه سيتم عرض «ريمايك» آخر عن كتابة للمسرحي ديفيد ماميت كان ظهر فيلما من إخراج إدوارد زويك (فيلمه الأول) سنة 1986 وسط احتفاء نقدي لم يستحقّه. روب لاو وديمي مور وجيمس بالوشي وإليزابيث بيركنز كانوا الرباعي الذي شكّل لحمة هذا الفيلم العاطفي. الفيلم الجديد يتولاه ممثلون سود هم كيفن هارت ومايكل ريلي ورجينا هول وجوي برايانت. عدا ذلك لا تتوقع منه أن يكون أفضل من الفيلم السابق. في أفضل الأحوال عمل لم يستحق أن يعاد صنعه كمعظم أفلام هذه الفئة.

* العالم الجديد

* الأحداث التي يوردها «روبوكوب» الجديد لا تقع في عام 2019 كما الفيلم السابق، بل جرى دفعها لعام 2028. بعض المصادر تقترح أن المعركة في السنوات المقبلة ستكون كما كانت سابقا: بين المجرمين العتاة وذلك النصف الشريف من رجال البوليس بقيادة روبوكوب (الذي سيؤديه هنا جووَل كينامان)، لكن بعض المصادر تقول إن المواجهة في هذا الفيلم الجديد ستكون ضد «الإسلام الإرهابي»، فهل تتوقع هوليوود للتطرّف أن يستمر حتى ذلك الحين؟