دارين أرونوفسكي بـ «نوح» في مواجهة ريدلي سكوت بفيلم عن النبي موسى

موجة من الأفلام الدينية قادمة

راسل كراو في «نوح» - ريدلي سكوت خلال تصوير «نزوح»
TT

غادر المخرج ريدلي سكوت إسبانيا عائدا إلى لندن، وفي غضون أسبوع يعود إلى لوس أنجليس لاستكمال العمل على فيلمه الجديد «نزوح» (Exodus). وهو تمويل إسباني تقوم شركة «فوكس» بتوزيعه حول العالم، ويتناول الفترة التاريخية التي شهدت النزوح الجماعي لليهود من مصر لاجئين إلى فلسطين.

سكوت منح كريستيان بايل دور النبي موسى، عليه السلام، ووزع الأدوار الرئيسة الأخرى على سيغورني ويفر، وبن كينغسلي، وجون تورتورو و(الإيرانية الأصل) غولديشفته فرحاني و(الفلسطينية الأصل) هيام عباس، من بين آخرين بينهم الأسترالي جويل إدغرتون في شخصية الملك الفرعوني رمسيس.

التاريخ الإنتاجي لهذا الفيلم يعود إلى يوليو (تموز) سنة 2011 عندما تم إنجاز السيناريو وعرضه على عدد من المخرجين. بعد نحو سنة أعيد إلى مرحلة الكتابة من جديد ثم أعيد مرة أخرى في مطلع العام الماضي. في أغسطس (آب) سنة 2013 بوشر التصوير ما بين إسبانيا واستوديوهات باينوود البريطانية، وهو الآن يدخل مراحل ما بعد التصوير ليكون جاهزا للعرض في الشهر الأخير من هذا العام.

* تاريخ مشروع قبل أن يحل هذا الوقت، بل وفي غضون الأسابيع القليلة المقبلة، سينطلق للعرض عملان دينيان آخران أحدهما من إنتاج «فوكس» التلفزيونية بعنوان «ابن الآلهة» الذي يستعين بمشاهد عديدة من مسلسل تم تحقيقه قبل حين بعنوان «الإنجيل» ليحكي قصة السيد المسيح، ثم يضيف عليها مشاهد جديدة تم تصويرها في معالجة جديدة لا تخرج عن الحبكة الرئيسة لمعظم ما سبق تقديمه من أفلام استخلصت عن حياة النبي عيسى بن مريم أو من الإنجيل ذاته.

الفيلم السينمائي هو «نوح»، لمخرجه دارين أرونوفسكي، وهذا من إنتاج «باراماونت»، وتم وضع السيناريو قبل شهر واحد من سيناريو «نزوح»، وتمت كتابة نسخة ثانية قبل نهاية عام 2011 قبل أن يدخل مرحلة ما قبل التصوير في مارس (آذار) 2012. في يوليو (تموز) من العام ذاته بوشر التصوير الذي انتهى في نوفمبر (تشرين الأول) سنة 2012 أيضا.

طوال العام الماضي كان «نوح» محط عمليات ما بعد التصوير التي تتطلب الكثير من المؤثرات والخدع البصرية الخاصة، كما محط خلاف بين مخرجه وبين الاستوديو. كل منهما يريد إنجاز النسخة التي يفضلها من الفيلم.

نوح يؤديه راسل كراو (الذي لعب «غلادياتور» لحساب ريدلي سكوت سابقا)، بينما تتوزع الأدوار المساندة على عدد كبير من الممثلين المعروفين، من بينهم جنيفر كونيللي وأنطوني هوبكنز وإيما واتسون ونك نولتي وراي وينستون.

مشروع «نوح» بالنسبة للمخرج أرونوفسكي له من العمر 30 سنة أو نحوها. ليس كمشروع سينمائي متكامل بل كفكرة واكبته عندما كان لا يزال طالبا وطلبت منه المعلمة أن يكتب، ورفاقه، مقطوعة نثرية عن النبي نوح. أرونوفسكي شذ عن القاعدة وكتب شعرا عن السلام تسلل إلى مسابقة أقامتها الأمم المتحدة وفاز بجائزة. من هنا، يقول المخرج في لقاء عابر تم قبل عامين في لندن، إن الفكرة ترسخت: «أعلنت لنفسي أنه في يوم ما سأقوم بإخراج فيلم عن نوح».

* خلافات نام أرونوفسكي على الفكرة طويلا. أنجز منذ عام 1998 وحتى سنة 2010 خمسة أفلام روائية طويلة أولها بعنوان «Pi»، وآخرها «البجعة السوداء» سنة 2010. عندما استجابت «باراماونت» لفكرة تحقيق فيلم عن سيدنا نوح، سنة 2011، توسم المخرج أن نجاح «البجعة السوداء» نقديا وحصوله على خمسة ترشيحات للأوسكار (وفوز واحد نالته بطلة الفيلم ناتالي بورتمان) سيمنحه بعض التأثير على جوانب العمل المختلفة وسيجعله طليقا في القرارات الحاسمة ومنها ما يعرف بـ «نسخة المخرج»، أي تلك التي تحمل بصمته كاملة حين عرضها على الجمهور.

الاستوديو كان له رأي آخر. بميزانية ترتفع عن 125 مليون دولار، لا يستطيع تسليم القيادة للمخرج حتى وإن كان فيلمه الناجح «بجعة سوداء» حصد 330 مليون دولار عالميا. صحيح أن التصوير بدأ و«باراماونت» ترقب من بعيد، إلا أنها قررت الاقتراب أكثر من المشهد والتدخل فيه أول ما اكتملت لدى المخرج نسخة عمل. هنا طلبت منه عرض نسخته غير المنجزة على جمهور اختبار وغايتها من ذلك التأكد من أن رؤيته الفنية ستستقبل جيّدا.

المفاجأة هي أن توقعاتها كانت صحيحة. لقد تجاهلت معارضة المخرج ودعت مشاهدين من فئات مختلفة للعرض الخاص وتلقفت ما كانت تخشاه: رد فعل سلبي. رد الفعل تمحور حول الدكانة التي رسمها المخرج للنبي نوح وللفيلم بأسره. «ليس هذا فيلما مسيحيا» كما كتب أحد الرهبان الذي شاهد تلك النسخة. وكتب آخرون امتعاضهم من أن المخرج صوّر نوح في أحد المشاهد سكيرا. وربما الأهم هو أن نوح أراد محو البشرية بأسرها عن الأرض، كما يقول الفيلم.

بناء على ذلك، قام الاستوديو بالتدخل في المونتاج، وعرضت معالجات عدة من العمل على عينات أخرى من المشاهدين قبل أن يجري الاستقرار على النسخة التي جلبت أكبر نسبة من القبول وهي تلك التي ستنطلق للعروض بعد ثلاثة أسابيع.

* مخرج مريح هذا لم يقع طبعا مع ريدلي سكوت الذي يعمل بمنهج مختلف تماما. هو أهل ثقة مطلقة ولم يسجل عليه أنه سقط في أي خلاف مع الاستوديوهات التي عمل لها على الرغم من أنه أنجز أفلاما تاريخية ودينية متعددة بميزانيات كبيرة. في عام 1992 حقق «1942: غزو الفردوس»، وفي عام 2000 أنجز «غلادياتور»، ثم قام بتحقيق فيلمه عن الحملة الصليبية «مملكة الفردوس» سنة 2005 لجانب أنه حقق «روبين هود» (2010) وأنتج سلسلتين تلفزيونيتين من الصنف التاريخي هما «غيتسبورغ» (على اسم واحدة من أهم مواقع الحرب الأهلية الأميركية) و«العالم بلا نهاية» (2011 و2012).

ما وراء انتعاش النوع الديني - التاريخي (وهناك أفلام دينية ليست تاريخية مثل «ذا ماستر» و«ايدا» و«وراء الهضبة») حقيقة أن الدين لا يزال يشكل موضوعا فلسفيا ووجدانيا وطرحا سياسيا لجانب أنه يشكل حجما دوليا من الروحانية. وهذا التشكيل ليس جديدا (يعود تاريخ الأفلام المشابهة إلى العقد الأول من القرن العشرين على شكل أفلام روائية قصيرة) لكنه في عالم اليوم وما يخالجه متجدد دوما.

الفيلمان المذكوران، «نوح» و«نزوح»، إلى جانب الفيلم التلفزيوني «ابن الآلهة»، تحاول اليوم اختبار مدى رغبة المشاهدين الراغبين في أعمال دينية وتاريخية ذات حجم ملحمي مشاهدة هذه الأعمال داخل البيت أو على الشاشات الكبيرة. لا أحد في هوليوود يعتقد أنه من الممكن الركون إلى الرغبة في إنعاش هذا اللون من الأفلام وحدها. لكن الطريقة التي يستخدم فيها دارين أرونوفسكي المؤثرات لخلق فيضان هائل، والأسلوب الذي يسرد المخرج ريدلي سكوت فيلمه ليعاين التاريخ اليهودي من جديد، سيكونان مثار اهتمام كبير على أكثر من صعيد وربما بداية تعامل متجدد لهوليوود مع المواضيع ذات الشأنين المسيحي واليهودي.

* الدين والسينما: السنوات الأولى

* أول فيلم ديني تاريخي ذا حيز كبير كان «بن حور» الذي حققه سيدني أولكوت سنة 1907. من «المهد إلى الصليب» لأولكوت أيضا (1912) و«كو فاديس» للإيطالي إنريوك غواتزوني، الذي تبعه سنة 1913 كفيلم روائي طويل، تبعاه بنجاح. أعيد تحقيق «بن حور» على أيدي فرد نبلو ومخرجين آخرين سنة 1925 وقبل ذلك قام ديفيد و. غريفيث بتقديم «جوديث وبيتولا» (1914)، وقام سيسيل ب. ديميل بتحقيق نسخته الأولى من «الوصايا العشر» سنة 1923، وهو الذي عاد للأفلام الدينية أكثر من مرة في ما بعد بما في ذلك فيلم صامت بعنوان «ملك الملوك» (1927) ثم نسخة ناطقة من «الوصايا العشر» سنة 1956.