شاشة الناقد

لمعان في واقع «مسود»

ماثيو ماكوهوني (بالقبّعة) في لقطة من «دالاس بايرز كلوب»
TT

إخراج: جان - مارك فالي تقييم الناقد:(4*)(من خمسة).

في أول فيلم أميركي له، يقوم المخرج الكندي جان - مارك فالي باستخدام ماهر لبضعة عناصر متوفّرة بين يديه: موضوع عن الإيدز من واقعة حقيقية وسيناريو يستحق، كما الفيلم، التحليق حول الأوسكار، والممثل الذكي ماثيو ماكوهوني… وكل ذلك بميزانية لم تتجاوز الستة ملايين دولار.

يؤدي شخصية رون وودروف: من لاعبي الروديو (ركوب الخيول الجانحة في ميادين مخصصة) شبه الماهرين. كل شيء في شخصيّـته عادي ومنتشر وغير مميّـز بما في ذلك إقباله على النساء والكوكايين ونبذه للشاذين. في أحد الأيام يسقط أرضا ويُـنقل إلى المستشفى حيث يواجهه الطبيب بأنه مريض بالإيدز. الأحداث تقع سنة 1985 ويومها كان المنتشر هو أن هذا الداء لا ينتقل إلا بممارسة جنسية مثلية. الطبيب يخبره أن لديه شهرا إلى ثلاثة ليعيش. وودروف يخرج محطّـما لكنه يحاول استعادة عالمه. لن يتوقّـف عن استهلاك المخدرات ولن ينبذ حياة الفسق ولن يغيّـر موقفه من أصحاب الميول المثلية حتى بعدما علم أن المرض وصل إليه بوسيلة أخرى.

سيقوم رون بمحاولة توظيف مرضه والداء بأسره لمصالحه الخاصّة. سيتّجه إلى بلدة مكسيكية قريبة من الحدود حيث يُـباع عقار AZT الممنوع تداوله في أميركا. يفتتح لنفسه عيادة غير رسمية يبيع فيها الدواء (الذي برهن عن فاعليّته) للمصابين ويستخدم منه أيضا.

ماكوهوني موجود في معظم مشاهد الفيلم. إنه لولبه. لن يتحرّك الفيلم من دونه ولو تم استبداله لتحرّك على نحو مختلف. إنه مثالي في الدور. تصدّقه في كل لحظة. وإخراج فالي (الذي سبق له وأن طرح في أفلامه الكندية القليلة مواضيع حول معاناة فردية) يعلم ذلك. يمنح الممثل (الذي خسر أكثر من 20 كيلوغراما (وهو النحيف أصلا) كل دعم من ميكانيكية الفيلم ومعالجته. يمنحه تلك المشاهد الصامتة التي تصل فيه صرخته إلى الحناجر، وتلك المشاهد التي يتحدّى فيها العالم والمرض والظروف وتلك التي تصوّره وهو يعترف بعجزه.

«دالاس بايرز كلوب» ليس بحاجة لتقديم موعظة ولا للتحلّي برسالة أخلاقية، لكنه على عكس «ذئب وول ستريت» (الذي لعب فيه كرستيان بايل شخصية لا تقل شراهة في الجنس وفي استهلاك المخدرات) لا يحتفي بذلك ويلمّـع صورته بل يمنحه لونا قاتما يبدأ بطله فيه لامعا وينتهي داكنا وحزينا.

علاقة الفيلم بالشذوذ، أو المثلية، مستنتجة من علاقة بطله بها. رون رجل معتد بذكوريّـته وميوله المستقيمة ولن يسمح لأحد أن يرتاب بهما. يتخاصم مع خلان الأمس ويقبل على المزيد من العلاقات. وفي أحد المشاهد يشتم المثليين. وهناك مشهد أول يجمعه مع مخنّـث (مدمن على المخدرات أيضا ويؤديه جارد ليتو) ينضوي على كل «سياسة» رون بهؤلاء الناس. وفي خلفية كل ذلك وعمقه، يواجه الفيلم عزوف مسؤولي إدارة العقاقير والأدوية الفيدرالية الأميركية لمشكلة الإيدز وتأخرها في السماح للمصابين باستخدام أحد الأدوية التي قد تحد من الانتشار ولو أنها لا تقتل المرض. هناك غضب في الفيلم لكنه مثل خيوط تلتقي لتنفجر في أداء ماكوهوني اللامع.