شاشة الناقد

رحلة حب في ذات التاريخ

«الجمال العظيم»
TT

إخراج: باولو سورنتينو تقييم الناقد:(4*)(من خمسة).

مشكلة جب غامبارديللا، في الفيلم الذي نال مؤخرا أوسكار أفضل فيلم أجنبي، أنه وعى. بعد 65 سنة على ولادته ونحو ثلاثين سنة على نشره روايته الأولى والوحيدة (سماها «المعدّات البشرية») و45 سنة على ثورة الشباب سنة 1968، ثم بعد 53 سنة على قيام فديريكو فيلليني بصنع تحفته «81-2»، ها هو ينطلق بمراجعة حساب لحياته وحياة مجتمعه وحياة بلده. «الجمال العظيم» عنوان ساخر لكنه ممعن في النظر إلى جمال ذائب وثقافة انتهى العمل بمقتضاها وحياة عابثة يقوم من فيها بما يعرف عندنا، وعلى نحو لا ترجمة أخرى له، بـ«طق الحنك» أو كما ينهي جب حواره معنا في اللقطة الأخيرة Blah… blah… blah جب (توني سريللو) صحافي وضع تلك الرواية التي مدحها النقاد ووعدت بولادة كاتب كبير، إلا أنه تحوّل إلى الكتابة الصحافية بعد ذلك وبقيت هذه الرواية آخر ما كتب. حين يفصح عن السبب في توقفه عن تأليف الكتب يعطي سائليه (بمن فيهم نفسه والمشاهدون) تبريرا ضعيفا. يقول إن مشاغل الحياة وكونه يعيش في الليل ولا يجد وقتا. لكن جب ترك التأليف لأنه ترك الإبداع. وجد أن الطريقة الأسهل للحياة هي تسلق جدرانها السهلة والتحوّل إلى خامة اجتماعية تحضر الحفلات وتموج بين الساهرين وتشاركهم الرقص.

يبدأ المخرج باولو سورنتينو فيلمه بفوهة مدفع في منطقة تلال جيانيكولو الأثرية. صوت حمام يطير من الدوي بعيدا. صف من المتطلعين إلى المكان يصفّق. هذا كل ما بقي من تراث. نساء في لباس واحد تقف في صف واحد في أحد صروح المكان وتغني مقطعا أوبراليا. رجل بدين بفانيلة داخلية يتقدّم من البركة ويغسل يديه ووجهه ويمضي. مرشدة سياحية اجتمع حولها يابانيون يستمعون للشرح. أحد السياح ينفصل عن رفاقه ويبدأ بتصوير روما (تقع التلال غربي المدينة). فجأة يمسح عرقا ثم يسقط ميّتا.

لا شيء مما نراه في هذا المقدّمة منتم إلى مفارقات الفيلم إلا من حيث أن التداعيات، في العمق واحدة. ربما هي أكثر ارتباطا بالكلمات التي استعارها المخرج من رواية الفرنسي لويس - فرديناند سيلين «رحلة إلى نهاية الليل» (نُشرت سنة 1932 واعتبرها النقاد حينها وجمع من نقاد اليوم بمثابة واحد من أهم الأعمال الأدبية الأوروبية والرواية التي شقت طريقا جديدا في أسلوب السرد)، وهي كلمات وضعها على شاشة سوداء في مقدّمة الفيلم ومما يرد فيها: «السفر هو مفيد. يمرّن الخيال. كل شيء آخر محبط ومتعب (..) أنت هنا (في رحلة الحياة) فقط لكي تغلق عينيك وتعبر للجانب الآخر». لكن هذا الرابط يكمن في فكرة الموت ذاتها.

«الجمال العظيم» هو رحلة جب في ذاته وفي المدينة التي يتجوّل فيها ليلا ونهارا ويقف عند شرفة منزله فيطل عليها ويلحظ ما يحدث فيها ولها ويتبادل الإفصاح عما يراه إما بمناجاة أو بالحديث مع الآخرين حوله، بينهم مقدّمة البرنامج التلفزيوني التي تتحدّث عن تضحياتها فيواجهها بأنها لا تضحّي إلا بأولادها الذين تركتهم برعاية المربيات والبيت الذي تأوي إليه لتنام فيه وينهي قائلا «لا تحدثيني عن البذل والتضحية إذن».