شاشة الناقد

على بعد خطوات من المستقبل

جوديث هيل وسط الفتيات في لقطة من الفيلم
TT

إخراج: مورغن نيفيل تقييم الناقد:(4*)(من خمسة) كان من بين أفضل نتائج الأوسكار الأخير أن جائزة أفضل فيلم تسجيلي لم تذهب إلى واحد من أفلام «المشاكل» و«الوقائع» السياسية (وكان هناك ثلاثة من أصل الخمسة المرشحة غارقة في هذا المجال)، بل إلى فيلم رائع بعيد في همومه وطروحاته وأكثر فنيـة من كل ما شوهد من تلك الأفلام (وهذا الناقد شاهدها جميعا).

هذا الفيلم هو «20 قدما بعيدا عن الشهرة» الذي ينطلق لعروضه الأميركية والعالمية بعد فوزه بأوسكار أفضل فيلم تسجيلي عن جدارة.

هو فيلم أميركي في الصميم. موضوعه إنساني خالص وفني بامتياز. إنه عن فتيات الكوراس الأفرو - أميركيات (باستثناء واحدة) اللاتي وقفن في الخلفية. نعم، هناك أريثا فرانكلين ودايانا روس وراي تشارلز وستيفي ووندر وأوتيس ردنغ والعشرات ممن سواهن من مغنيي الستينات والسبعينات، سمعنا (وبعضنا لا يزال) أغانيهم الرائعة التي امتزجت بوعينا الثقافي العام، لكن هؤلاء لم يقفوا وحدهم على المنصـة، بل صاحبتهم شلل مرددين غالبا من النساء، يقفون، حسب عنوان الفيلم الذكي، على مسافة لا تزيد مطلقا على عشرين قدما، يصدحون بالغناء وراء كل فنـان، مانحين الأغنية كل الدعم الكورالي الصحيح ومثرين التجربة على نحو لا يمكن وصفه بل سماعه فقط.

يلتفت المخرج مورغان نيفيل في هذا الفيلم النيـر إلى ليسا فيشر، تاتا فيغا، كلوديا لينيير، جوديث هيل، ميري كليتون ودارلين لـف (من بين آخرين) ويتحدث إليهم عن تجاربهن في هذا المضمار. السعي لمعرفة هؤلاء المغنيات اللاتي لم يحققن أي شهرة يتميـز بالدفء وحب المعرفة. يقترب المخرج من كل واحدة مبتسما وسامحا لها بالحديث عن تجربتها، ومن خلال هذا الحديث عن كل تلك الفترة التي كانت للأغنية، كما للسينما، وجودا غير هذا الوجود الحاضر.

يجري الفيلم مقابلات مع مغنين نجوم أمثال ستيفي ووندر وبروس سبرينغستين وديفيد بووي وميك جاغر، وكل واحد من هؤلاء يـثني على من شاركته الغناء في الخلفية، على ذلك الإبداع الذي لولاه لما كانت الأغنية هي ذاتها التي عرفت النجاح. والفيلم يبدأ بملاحظة تبديها إحداهن، ففتيات «الكوراس» السابقات كن، حتى نهاية الخمسينات، من البيض. وهي تقول متندرة: «كن يحملن ورقة تدلهن على الكلمات» ويقطع المخرج لوثيقة من ثلاثين ثانية من عرض تلفزيوني في الخمسينات، نرى فيها ثلاث سيـدات بيضاوات ملفوفات الشعر يقفن وراء المذياع وفي يد كل منهن ورقة، يقرأن فيها ما عليهن ترداده.

المغنيات السوداوات كن يصدحن بتلقائية لا وجود لها في العالم بأسره. من القلب وبتلقائية وبإتقان فني فريد. والمؤلم، كما في حالة جوديث هيل، أن معظم هذه المواهب كانت تستحق الشهرة، لكنها وقفت على خطوات قليلة منها ولم تحققها. كان وجودها زاخرا ومسببا لنجاح أغان كثيرة، لكن من حاولت منهن الانتقال من الخلفية إلى المقدمة لم تصب أي نجاح فعادت إلى الخفية مرة أخرى. جوديث هيل (سمراء مع ملامح شرق آسيوية) من أكثرهن موهبة واستحقاقا، سجلت لستيفي ووندر ومايكل جاكسون ولا تزال قابعة في مكانها. دارلين لـف وجدت نفسها قبل بضع سنوات تعمل منظـفة بيوت… لكن من قال إن الحياة عادلة؟