المشهد: طبول البهجة

TT

* ما إن أعلن مهرجان «كان» عن لائحته الرسمية التي ستشكّل قوام دورته هذه السنة، حتى تناهى إلينا ضرب طبول البهجة. ذلك أن هناك عددا من النقاد والمتحلقين يحبّون «الرقص على الريحة» ويمارسون ذلك في مطلع كل «كان»، كما لو كانوا جزءا من النظام الترويجي للمهرجان.

* الواقع المبدئي هو أنه لم يعد من الممكن قراءة الطالع مسبقا حتى ولو كان ذلك ممكنا من الماضي. من يضمن مثلا أن فيلم الأخوين داردان سيكون جيّدا، أو أن فيلم التركي نوري بيلج شيلان لن يخيب. من الذي يستطيع أن يقول بثقة إن عدد الأفلام الجيدة سيتجاوز تلك المتوسطة أو المثقوبة بمآخذ مختلفة أو العكس؟ نعم، جميعنا نتطلع إلى القائمة من خلال مخرجيها، لكن هل هؤلاء معصومون عن تقديم فيلم رديء أو، على الأقل، أقل مستوى من أفلامهم السابقة؟

* وهناك ثوابت لا تتغير في قراءة البعض للمهرجانات عموما، كتقديس مهرجان معيّن ومنحه أهمية ليست له، ومهاجمة مهرجان آخر لمجرد أنه يقع في دولة عربية لا توافق «ألمعية» الكاتب الثقافية أو السياسية. هناك السؤال المكرب الدائم حول كيف يكون لدولة ما لا تصنع أفلاما مهرجان سينمائي، كما لو أن الكاتب يملك صكوك وعقود منح صدقية المهرجانات.

* حين يأتي الأمر إلى مهرجان «كان»، الذي هو بالفعل الحدث الأول بين كل مهرجانات السينما، فإن المحاور التي نجدها تتكرر في كل كتابة عاما بعد عام هي التالية:

- «الدورة الحالية ذات حضور أميركي كبير»، أو العكس: «ليس هناك من حضور أميركي طاغٍ هذا العام» - «الدورة الحالية تتميّز بمخرجيها الكبار» في مقابل «... وتتميّز الدورة الحالية بعدد غالب من المخرجين الجدد بحيث يمكن تسميتها بدورة السينما الجديدة».

- «هذا العام سوف تطالعنا هموم العالم السياسة على شاشة المهرجان»، وحين لا يحدث ذلك نقرأ «وقد غابت الهموم السياسية عن شاشة المهرجان».

* شخصيا لا أجد لأي من هذه الأحكام الجزافية أهمية. يحضر الناقد الفيلم الواحد وهو مقبل على تجربة. يحضر المهرجان بأسره وهو مقبل على تجربة. لا يهم أن يتوقّع هذا أو ذاك. الأهم أن يستنتج ما يراه بأم عينه وليحكم بعده. لكن في عالم يخلط فيه غالبية النقاد بين النقد كفعل فني وإبداعي إلى حد بعيد، وإطلاق الآراء لتسجيل حضور شخصي، فإن ما نقرأه قبل انطلاقة مهرجان ليس سوى كلام محفوظ أطلقه الناقد ذاته من قبل، فدائما ما تلعب هذه المحاور دورها في إرشاده لكيف سيملأ المقالة المسبقة للمهرجان، وعلام سيرتكز.

* القارئ بدوره يريد الحقائق. والحقائق لا تظهر من خلال الأحكام المسبقة. رفع المخرجين إلى مستوى آلهة الإغريق يقلل من عناصر المفاجأة، ويعطل التفاعل الصحيح مع عمل كل منهم. نعم، هناك مخرجون أثبتوا جدارتهم عاما بعد عام ومنهم، هذه السنة، جان - لوك غودار وكن لوتش وأتوم إيغويان، لكن في المقابل، نجد غالبية المخرجين الآخرين إما هم جدد (نسبيا) بحيث لا يمكن الاتكال عليهم بعد (مثل ميشيل هازانافيتشيوس وبرتران بوينلو وتومي لي جونز)، وإما سبق أن قدّموا مستويات منخفضة من قبل (ناوومي كاواسي، أوليفييه داهان وديفيد كروننبيرغ)، مما يجعل حياكة مثل تلك المقالات حول ما لم يُشاهد بعد ضرب من ضروب الافتراضات.. وبعضنا يغرف من الافتراضات كل يوم.