مغامرات خيالية فوق أرض عربية شمال كاليفورنيا

هل سيتم تصوير المزيد من الأفلام في منطقة الخليج؟

من «ستار وورز.. الفصل السابع» الذي صُوّرت بعض مناظره في أبوظبي - «المريض الإنجليزي»، وظّف الصحراء جيدا
TT

عندما تم الإعلان، قبل أشهر قليلة، عن قيام شركة «ديزني» بتصوير أجزاء من فيلمها المقبل «ستار وورز: الفصل السابع» في إمارة أبوظبي، شعر المتابعون لنشاطات السينما في الإمارات العربية المتحدة بحبور كبير، كون واحد من أكثر الأفلام شهرة ومن بين أضخمها إنتاجا وتمويلا اختار التصوير في صحراء أبوظبي.

بعض ردود الفعل أوحت بالاعتقاد بأن العديد من المشاهد سيتم تصويرها في صحراء الإمارة، وتكهّن آخرون بأن بعض كبار ممثلي الفيلم، مثل هاريسون فورد وأندي سركيس ودومنول غليسون، سيحطّون في الإمارة تلبية لضروريات العمل.

لكن الحقيقة أن ما تم تصويره هناك هو مشاهد مساندة، أو كما يطلق عليها اسم «Second Unit Work»، وهي مناظر أساسية لا يمكن توفيرها في أي مكان آخر غالبا ما تصوّر من دون أبطال الفيلم كونها عامة ومساندة. بينما التصوير الفعلي للفيلم سيتم في استوديوهات «باينوود» قرب لندن، بل وهو بدأ فعلا هذا الشهر.

على أن اختيار الإمارات العربية المتحدة للتصوير فيها هو قرار مهم بحد ذاته أقدمت عليه «ديزني» بعد دراسة ميدانية واتصالات مكثفة. المهم تحديدا هو أن مدينة أبوظبي تستطيع الآن كسب ثقة لا تمنحها المؤسسات السينمائية الأميركية بسهولة تماما كما فعلت دبي قبل عامين عندما استقبلت فيلم «المهمة: مستحيلة 4» الذي أنتجته «باراماونت». الاختلاف هو أن التصوير في دبي كان تصويرا أساسيا حضره توم كروز وجيمي رَنر وبعض الممثلين المشاركين بالفعل. هذا مرده أن السيناريو تطلّب ذلك كون بعض الأحداث (نحو 40 في المائة من الفيلم) تدور حول محاولة توم كروز اقتحام شقة في أحد الطوابق العليا من برج خليفة.

بذلك، كل من أبوظبي ودبي مطروحة، على أساس أنهما تستطيعان استقبال أكبر الإنتاجات السينمائية وتوفير الأرضية اللوجيستية والتقنية المطلوبة لعملية تصوير ناجح محاط باهتمام الدولة لتنشيط هذا القطاع التواصلي مع العالم المحيط.

* صحاري التصوير في الصحراء ليس مجرد حضور سينمائيين ومعدات تصوير، بل يداخله فن صعب من شروطه ملاءمة ما يتم تصويره مع النظرة (The look) العامة للفيلم واندماج تصميمه الإنتاجي مع باقي ما سيتم تصويره (أو ما تم تصويره في حالات أخرى). كذلك هو دقيق لأن للصحراء شروطها الطبيعية: إضاءتها المبهرة وشمسها الساطعة وألوانها الخاصّة.. وسابقا كان من الصعب الحفاظ على المعدّات في حالة جيّدة، إذ غالبا ما تتسلل إليها الرمال. وهذه الصعوبة لم تضمحل اليوم، لكن تأثيرها خف بفضل استنباطات الأجهزة الحديثة.

التصوير في مدينة عربية هو أمر نادر. الأكثر انتشارا هو التصوير في الصحراء.. وليس أي صحراء. إذا ما أردت صحراء حقيقية، تلك التي تتألف من «تريليون» من الرمال الصغيرة جدا (بحجم الذرة) في كل مائتي متر مربع، ومن كثبان لا متناهية ونخيل وواحات، فما عليك إلا الصحراء العربية على الرغم من تعدد الصحاري في العالم. في أميركا أراض صحراوية تتوزع بين كاليفورنيا وتكساس وأريزونا ويوتا، وفي الصين هناك صحراء كبيرة شمال غربي البلاد (اسمها غوبي)، كذلك هناك صحراء في الجزء الجنوبي من أفريقيا، وأرضان صحراويتان في أستراليا، لكنها صحاري ذات بيئة طبيعية تختلف من مكان لآخر: بعضها، مثلا، صخري، وبعضها الآخر عبارة عن أرض ملساء مشققة في أخاديد طويلة ومتقاطعة، وبعضها الثالث من التربة الحمراء. ولبعضها نباتات تكشف عن مكانها مما يعوق قبولها إذا ما كان الفيلم يقص حكاية تدور في الصحراء العربية التي باتت عنوانا للبيئة العربية من أفلام الإعلانات إلى فيلم بحجم «لورنس العرب».

* هنا وهناك وليس كل ما يتم تصويره في الصحراء العربية يحمل شخصيات أو مواضيع عربية متّصلة. «ستار وورز.. الفصل السابع» الحالي، كما كان «ستار وورز» الأول (1977) الذي تم تصويره في تونس، عملان من تلك التي تستعير المنظر. بينما «المهمة: مستحيلة 4» أراد الموقع (برج خليفة) داخل المدينة. مثله في ذلك مثل «لورنس العرب» (1962) الذي صُوّر في الأردن و«جوهرة النيل» (1985) الذي تم تصويره في المغرب. هذا الفيلم كان واحدا من تلك التي أساءت إلى البلد الذي استقبلها بالترحاب، إذ صوّرته على نحو يخدم تنميطا معروفا، وذلك على عكس «المريض الإنجليزي» لأنطوني منغيلا (1996) الذي صُور في تونس أو «بابل» لأليخاندرو كونزاليس إيناريتو الذي صوّر سنة 2005 في المغرب. كلاهما حافظ على جمال الصحراء والبيئة ومن فيهما.

الأمر اللافت هو أن غالبية ما تم تصويره في العالم العربي جاء يطلب الصحراء في حد ذاتها. البادية وحكايات ألف ليلة وليلة ومشاهد الجمال والرحّالة والقوافل التي تنتقل فوق الرمال في تلك المساحات الرملية الصفراء الواسعة، كانت مطلبا جماليا من ناحية، وتهدف إلى التماثل مع الواقع ومنح الفيلم مصداقية ما من ناحية أخرى.

في هذا الصدد جذب المغرب والجزائر وتونس عشرات الأفلام، وتحوّلت إلى أماكن تصوير معتمدة كلّما كان لدى السينما في أوروبا أو هوليوود ما يفرض عليها ذلك. إليها ورد جورج لوكاس ومصطفى العقاد ومارتن سكورسيزي وريدلي سكوت من بين مخرجين عديدين.

بالتالي، فإن المدن العربية ومناخاتها الحضرية لم تجذب إلا قلّة من الأعمال. جزء من فيلم جيمس بوند «الجاسوس الذي أحبّني» (1977) ومشاهد من «موت في النيل» (1978)، صُورت في مصر.. وكان على الفيلمين إظهار مشاهد من المدينة، لكنهما أيضا صوّرا خارجها (منطقة الهرم في الأول والنيل في الثاني).

في الستينات خطفت بيروت عدّة إنتاجات أوروبية وأميركية جاءت خصيصا للتصوير في تلك المدينة التي نعمت آنذاك بأمان افتقدته في السبعينات وما بعد. وجرى استخدام مدينة الجزائر في فيلمين مهمّين قبل ذلك هما «بيبي لي موكو» للفرنسي جان دوفيفييه (1937) و«معركة الجزائر» للإيطالي جيلو بونتيكورفو. في كلتا الحالتين لم يكن من الممكن استبدال منطقة القصبة الشهيرة بأزقّتها في أي مكان آخر.

* بالقرب من سانتا باربرا لكن حين يصل الأمر إلى الصحاري العربية فإن تاريخ السينما يشهد إقبالا كبيرا عليها. في البداية، عندما أخذت هوليوود تتعاطى مع الشخصيات العربية، لم يكن من الضروري مطلقا اجتياز المسافة بين القارة الأميركية وتلك الأفريقية للتصوير فيها. قليل من الخيم المبعثرة وبعض الجياد (الجمال كانت عزيزة) والكثير من الكثبان، ولديك الآن البيئة المطلوبة من دون أن تترك ولاية كاليفورنيا. الفيلم الأشهر في تلك الفترة ولحقبة طويلة «الشيخ» (1921) تم تصويره في صحراء تقع قرب مدينة سانتا باربرا في ولاية كاليفورنيا وفي صحراء «يوما» في ولاية أريزونا.

حتى «كازابلانكا» (1942)، ذلك الفيلم التشويقي - العاطفي الشهير الذي يتّخذ من مدينة عربية عنوانا له، لم ير المغرب على الإطلاق. تم تصوير أجزاء منه في استوديوهات «وورنر» والخارجية في صحراء يوما، شمال غربي أريزونا. أما مشهد المطار الشهير بين إنغريد برغمان وهمفري بوغارت فتم تصويره في مطار متروبوليتان الذي كان واقعا، في الأربعينات، في لوس أنجليس.

* لهو بريء

* جذبت حكايات الصحراء العديد من الإنتاجات الأميركية حتى في أيام السينما الصامتة. من ناحية كانت هي مصدرا لأفلام مغامرات تستخدم العناصر ذاتها التي في أفلام الوسترن: القبائل العربية عوض الهنود الحمر، الأميركيون المهددون، بعض العرب المسالمين والكثير من الأشرار. من ناحية أخرى، كان لدى الغربي ذلك الفضول في معرفة كنه هذا الجزء من العالم وشعبه، هذا بالطبع قبل أن تبدد نشرات الأخبار المسائية ومحطاتها ذلك الفضول موفّرة صورا تجعل من الأفلام التي صوّرت العربي على نحو مشوّه بمثابة لهو بريء.