المشهد

دفاعا عن ناقدة

TT

* كلنا هوجمنا لأننا نقدنا أفلاما. وكلنا هنا تعني معشر نقاد السينما الفعليين الذين لا عمل آخر لهم سوى الكتابة عن الأفلام من وحي ولعهم بالسينما ورغبتهم في صيانة الأعمال الجيّدة والدفاع عنها وتقديم وجهة نظر مستقاة من معلوماتهم ومعرفتهم وخبرتهم حول كل فيلم يشاهدونه بعيدا عن المؤثرات قدر المستطاع.

* حين كنت ما زلت طالبا في الثانوية قرأت هجوم المخرج الراحل محمد سلمان على الناقد (الراحل أيضا) سمير نصري. بعده هوجم على كتاباته كل زميل سبق جيلي أو لحق به: سامي السلاموني، سمير فريد، كمال رمزي ومن الجدد نديم جرجورة وهوفيك حبشيان. وكان لي نصيبي من الهجوم الذي لم أرد عليه بل تركته يموت تدريجيا، ولو أن العلاقات انقطعت عن بعض من اعتبرني صديقا حينما كتبت جيّدا عن أفلامه وتوقف عن هذا الاعتبار عندما انتقدت فيلما تعثّر فيه أو سقط.

* والحال هو نفسه في كل مكان جرى فيه صنع سينما وإنتاج أفلام. نقاد من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا هوجموا لما كتبوه في صحفهم ومجلاتهم. وأكثر من مرّة جرى وضع أسماء بعضهم على قائمة سوداء وعدم دعوتهم للعروض الخاصّة. وهذا حدث في بيروت أيضا عندما امتنعت إحدى شركات التوزيع عن دعوة النقاد لأن واحدا منهم كتب ما لم يعجبها. حين تراجعت عن فعلتها كان الفيلم الأول الذي عرضته للنقاد فيلم بريطاني من بطولة فنسنت برايس يدور حول ممثل مسرحي هاجمه النقاد فقرر قتلهم واحدا تلو الآخر!

* حاليا بين لوس أنجليس وواشنطن ضجّة من هذا النوع سببها قيام الناقدة آن هاراناداي بنقد فيلم عنوانه «جيران» وربطته بالمذبحة التي قام الشاب بيتر رودجر بها في مدينة سانتا باربرا التي ذهب ضحيّتها ستة أشخاص قتلى وثلاثة عشر جريحا. قالت: «كم طالبا شاهد تلك الفانتازيات التي يقوم بها صبيان المدارس كما في (جيران) شاعرا بأنه معزول عن الحياة الطالبية وأن الحياة عليها أن تكون مليئة بالجنس والمتعة؟» وأضافت: «إذا كانت لغتنا السينمائية قائمة على العنف والسباق على الجنس فالشكر للاستوديوهات التي يديرها الرجال الذين يعطون الإشارة الخضراء (...) لا أحد يجب أن يفاجأ عندما تؤثر تلك المفاهيم على الثقافة بشكل واسع».

* كلمات قوية تربط بين الشخصية التي مثّلها الكوميدي سث روغن وبين الجريمة التي ارتكبها القاتل بعدما خلف وراءه مفكرة ذكر فيها رغبته في قيامه بالانتقام ممن أساءوا إليه وسخروا منه. ثارت ثائرة الممثل روغن فكتب متهما الناقدة «أجد مقالك مهينا على نحو كبير»، ثم عاد وكتب مغرّدا: «كيف تجرؤين على الإيحاء بأن وصولي إلى الفتيات في الفيلم تسبب بقيام معتوه بارتكاب حماقته؟».

* الحقيقة أن الناقدة على حق وهوليوود تحتوي الجيد والبشع وهذا الفيلم بشع في إيحاءاته وفي موضوعه ومفهومه ينتمي إلى تلك الأعمال الكوميدية المتكاثرة التي لا تعترف بالقيم بل تريد النيل منها. كما أنه فيلم رديء الصنعة. مهمّة الناقد ليست تجميل الفيلم ولا جعله قبيحا. ليس هناك نقد بنّاء ونقد هدّام، بل هناك ناقد أمام فيلم اختار صانعوه تحقيقه على النحو الذي قدّموه عليه. وعليهم قبول الموقف المضاد إذا ما حدث.