المشهد

الحقيقة العارية

TT

* هناك شيء غامض في منظومة هذا العالم يمنح الصواب صفة رجعية ويرفع من شأن الخطأ. في الأسبوع الماضي، تفوه الممثل جونا هيل (شوهد في كثير من الأفلام، بينها «مونيبول» و«ذئب وول ستريت»)، بعبارة جارحة للمصور الذي ضايقه. لا أستطيع نقل ما قاله في صحيفة محترمة، لكنه يدخل في خانة الشتيمة، واصفا إياه بـ«المثلي».

* نتيجة ذلك كانت وبالا على الممثل. مرة أخرى، وكما حدث سابقا مع أليك بولدوين وسواه، تطلب الأمر ليس اعتذار الممثل من المصور الفوتوغرافي بشخصه، بل من المجتمع المثلي بكامله، كونه وصف المصور بالمثلي (مع إضافة الكلمات التي لا يصح نشرها إلى ذلك الوصف). ومثل آخرين، تطلـب منه الأمر إعلان اعتذاره علنا، والتمني بأن يكون ذلك نهاية الكابوس.

* ما حدث دليل آخر على القوة التي منحها المجتمع السليم لفئة منه. اليوم لا تستطيع أن تقول شيئا في الصحافة العالمية ينبئ عن عدم ترحيبك بالمثلية. عربيا جرى استبدال كلمة «شذوذ» بكلمة مثلية، لكي لا يشعر الشاذون عن الخط بحرج أو بمعاداة. رغم أن كلمة «شاذ» ليست في حد ذاتها لعنة، فالمرء قد يكون شاذا من حيث حبـه للسهر؛ فلا ينام إلا نهارا، أو يكون شاذا من حيث انطوائه، أو حبه للطعام، أو من حيث اختلافه على الغالبية في أمور الخير، فيصرف وقته وماله لمساعدة الآخرين. هو أيضا شاذ في هذه المسألة، ولو أنه شذوذ يمكن الاقتضاء به.

* المثليون في هوليوود فرحوا بأنهم تلقـوا اعتذار الممثل لوصفه المصور بالشذوذ، هذا أهم من أن يكون المصور شاذا فعلا أو لا. بل لا أحد يكترث، ومن المحتمل جدا أن الوصف الذي أطلقه الممثل جونا كان مجازيا، فهو لا يعرف (أكثر من أي واحد منـا) السلوك الشخصي للمصور. لكن هذا لا يهم، بات عليه أن يعتذر للمجتمع بأسره عن استخدام الكلمة، وإلا فسيُعد محافظا ورجعيا وصاحب سلوك عدائي لفريق من البشر.

* أيضا لا يهم أن جونا لم يفقد صوابه إلا من بعد ساعات من ملاحقة ذلك المصور له.. المسألة بعد خلع اللحم عن العظم هي أن المصور ضايق الممثل، والممثل بشر، وفي النهاية استخدم ما وصل إلى لسانه أولا من تعابير. الممثل ليس صائبا في الشتيمة، لكن هل المصور صائب في إلحاحه واقتفائه أثر الممثل؟

* الناتج هو نوع من الرقابة في بلد الحريـة. المثليون هم مثل الأفرو - أميركيين والأقليات الأخرى. أي شيء عدائي تقوله لهم هو عنصرية. لكن في حين أن العنصرية حيال الأعراق مرفوضة، لأنها تتناول العرق بكامله وتتعدى حدود السلوك، فإن قبول أو رفض المثليين هو موقف عليه أن يبقى في إطار الرأي المطلوب الآن حجبه. عمليا، لا أحد يجب أن يكون ضد آخر، لأن الآخر مثلي، بل على السلوك العام أن يحدد العلاقة. وشخصيا، يمكن لأي منا أن يؤمن ويمارس ما يريده من علاقات، إنما في سريـة بيته، أما أن يتحول الأمر إلى حضور سياسي ومنهجية تفكير تقوم على إشاعة التخويف من العواقب، حتى لو فقد أحد أعصابه ونطق الكلمة الكابوسية، فهذا حد من الرأي ورقابة على الذات وحجر على الحريـة.

* يطلب منا فيلم «رجال إكس» (انظر النقد أدناه) قبول المختلفين، فلمَ لا يقبلنا المختلفون؟ هذا هو السؤال.