من «كينغ كونغ» إلى ثورة كوكب من القردة

عداء يحكم الشاشة

كينغ كونغ على رأس الإمباير ستايت.. لقطة من نسخة 1933 - من «كوكب القردة».. صراع جديد حول من يملك الأرض
TT

قبل الإنسان، يقترح ستانلي كوبريك في «2001: أوديسا الفضاء» (1968)، كان هناك القردة التي لم تعرف القتال ولا العنف إلا عندما اقترن ذلك برغبتها في البقاء حيّة. بركة ماء وعظمة ضحية من الحيوانات المجهولة حرّكتا قبيلتين من القردة فتحاربتا والجريمة الأولى (قبل هابيل وقابيل؟) وقعت وشعر القرد بالنصر الكبير ورمى القطعة الكبيرة من العظام التي استخدمها للقتال. ابتكر السلاح وعرف معنى القتل والنشوة. وإذ يقترب موعد عرض فيلم جديد من بطولة القردة، فإن كوبريك يبدو الأول ممن نظر إلى هذا الفصيل غير البشري نظرة جادة. مخيفة أيضا.

لم يقل كوبريك إن أصل الإنسان هو قرد، كما أراد منّا داروين أن نصدّق، لكنه قال إن القرد الكبير فكّر وارتقى حين أرسل تلك العظمة إلى الأعلى فلحقت بها الكاميرا لتقلبها مركبة فضائية في العام الذي كان لا يزال كامنا في المستقبل: 2001. نقلة رائعة اختزلت فرضيا مئات ألوف السنين لتضع المشاهدين في جو مختلف ولو أن جدار المعرفة ما زال هو التحدّي الأكبر: ها هو الإنسان يسلم مقاليد المعرفة للكومبيوتر والكومبيوتر يتآمر عليه لأن الكون لا يتّسع لعنصرين من الأذكياء حتى ولو كان واحد منهما بشرا.

* كينغ كونغ في نيويورك السينما والقردة تصاحبا منذ زمن بعيد. هناك تلك الأفلام القصيرة التي تظهر سعادين صغيرة، من تلك التي تحب الجلوس على كتف صاحبها ومضايقة الآخرين والتي جرى تصويرها، كأفلام تسجيلية كونها بلا دراما، في السنوات العشر الأولى من القرن العشرين. لكن الحضور الأكبر والأهم بالطبع انتظر لعام 1933 عندما قام المخرجان مريان س. كوبر وإرنست ب. شويدساك بتحقيق «كينغ كونغ»: ذلك الغوريلا الأطول من أشجار الغابة وأقوى من كل حيواناتها البدائية. سفينة تحمل مجموعة من السينمائيين ورجال مهنة الاستعراضات الفنية تحط على ساحل جزيرة لا وجود لها في أي خارطة. الفتاة الجميلة (فاي راي) تنطلق في الغاية غير مدركة أن ما عليها من وحوش وحيوانات ما زال يعيش عصر الديناصورات. وسريعا ما تجد نفسها في قبضة ذلك الغوريلا الوحش الذي يحملها بين أصابع يده. كان يستطيع أن يضغط عليها بأصبعه الصغير فتلفظ الروح، لكنه وجدها ولسبب في نفسه مثيرة تماما، والمفارقة مقصودة، كما وجدها النظّارة آنذاك وهم يتابعون فيلما لم يشبه أي فيلم آخر قبله.

كان هناك بضعة أفلام طرزانية في أواخر العشرينات، لكن طرزان لم يصدف أن واجه غير الشمبانزي التي كانت تتجاوزه ذكاء في بعض الأحيان. مع «كينغ كونغ» كان الوضع أصعب بكثير لا على بطلة الفيلم التي تحاول الهرب من هذا العاشق المتيّم، بل على الوحش ذاته. فهو بسبب الحب وقع في الأسر، وبسببه وجد نفسه وقد تحوّل إلى مهرّج، ثم بسببه صعد قمّة الإمباير ستايت في نيويورك ورفع قبضته ليطيح بالطائرات الحربية التي حاولت قتله.

المسكين حاول جهده أن يفهم لماذا لا يستطيع الفوز بمن يحب. ما هذا العالم الذي يحتشد ضدّه. لماذا جاءوا به إلى هنا. كينغ كونغ لم يكن قادرا على أن يفهم تركيبته، لكنه فهم أن الإنسان يريد الاستئثار به ونقله من بيئة هو إلى المدينة لتكييفه. سأترك لكم نيويورك. فقط أعطوني هذه الفتاة ودلوني كيف أعود إلى جزيرتي! الحقيقة أن كونغ لم يولد صدفة. المخرجان كوبر وشودساك أحبّا السينما الفانتازية وأحبا قصص الغابات معا وفي تاريخ أعمالهما بضعة أفلام تدور رحاها في أفريقيا. أحدها بعنوان «تشانغ: دراما في البرية الموحشة» والكاتب بالمناسبة يحمل اسما عربيا هو أحمد عبد الله الذي عاش ما بين 1881 و1945 من دون أن يعلم به أحد. لم يُتح له، أو ربما هو لم يتح لنفسه، بناء صيت كبير. كل رصيده من الأفلام ثمانية أولها «الحب الوثني» سنة 1920. وهو كتب السيناريو الأول لفيلم «لص بغداد» بعد أربع سنوات من عمله الأول، ذاك الذي أخرجه الهوليوودي العتيق راوول وولش من بطولة دوغلاس فيربانكس في دور اللص غير الظريف. لكن اسم أحمد عبد الله لم يرد ذكره في المقدّمة ما يعني أن نسخته من السيناريو ليست هي التي وجدت طريقها إلى التنفيذ.

* كوكب القردة إرنست شوداساك حقق مع زميل مختلف هو وسلي رغلز فيلما آخر من بطولة قردة كبيرة في العام ذاته الذي حقق وكوبر فيلم «كينغ كونغ» تحت عنوان «مخلب القرد»، لكن «كينغ كونغ» هو الذي ساد وأثر بالكثير من المخرجين وفاز بإعادة الصنع مرّتين. الأولى سنة 1976 عندما قام جون غيلرمن، وكان في عز تصدّيه للأفلام ذات الميزانيات الكبيرة مثل «جسر رميغان» الحربي و«برج الجحيم» الكوارثي، بتحقيق نسخته عنه. هذا بعد أن أقدم شوداساك وكوبر على تحقيق فيلم بعنوان «ابن كينغ كونغ» في أواخر الثلاثينات، لكن الابن لم يكن كأبيه هذه المرّة.

«كينغ كونغ» غيلرمن هو الذي قدّم لنا الممثلة (الشقراء أيضا) جسيكا لانغ وغيلرمن حاول إقناعها ببطولة جزء ثان بعنوان «كينغ كونغ يحيا» لكنها كانت أذكى من أن تفعل ذلك وقبلت المهمّة عنها ممثلة اسمها ليندا هاملتون لم تبلغ شأنا كبيرا من الشهرة بعد ذلك.

«كينغ كونغ» الثالث حققه بيتر جاكسون سنة 2005. يومها كانت المؤثرات الخاصّة بلغت مستوى غير مسبوق لكن لا شيء مثل تلك المؤثرات البدائية من حيث أنها كانت أكثر إقناعا بالخرافة من أي فيلم حديث.. مثلها في ذلك مثل الأبيض والأسود.. يبدو أكثر واقعية على الرغم من أن الدنيا ملوّنة.

خلال أسابيع قليلة سنواجه قردة مختلفين. ربما هم أقرب إلى قردة كوبريك من الغوريلا المتوحش الذي مات حبّا. «فجر كوكب القردة» الذي سينطلق في الحادي عشر من يوليو (تموز) المقبل من إخراج مات ريفز وبطولة (العراقي الأصل) أندي سركيس وغاري أولدمن وجاسون كلارك وآخرين. إنه الجزء الثامن لم فقد العد. الأول ورد سنة 1968 وقام بإخراجه فرانكلين ج. شافنر عن رواية فرنسية لبيير باول. شارلتون هستون في دور الإنسان الذي يجد نفسه محاطا بشعب من القردة القادرين على التفكير واتخاذ القرارات. لديهم مملكة وبينهم الصالح والطالح وفوق ذلك يتكلّمون، من بين كل اللغات، الإنجليزية بطلاقة.

ترى ما الذي يجعلنا تواقين إلى مشاهدة هذه المخلوقات وهي تؤكد لنا أنها أكثر قوّة من بني البشر وأحق منه في احتلال الأرض؟ من أشرار الفيلمين الأول والثاني إلى أبطال الأجزاء اللاحقة حتى إذا ما حل الجزء السابع سنة 2011 وجدناهم قد جنحوا للعدائية من جديد في فيلم بعنوان «ثورة كوكب القردة».

لم يدّع أحد أن صنف القردة، من السعادين الصغيرة وصولا إلى كينغ كونغ، كان صديقا محبّا للإنسان. ربما في غريزتنا أنه لو قدّر لهم احتلال الأرض، مع تلك القدرات الفطرية التي تجعلهم على ذكاء مشابه في جينياته مع الإنسان، لقاموا بذلك فعلا. خاطر لا يثير الطمأنينة بل الخوف.

* ثم هناك جو يونغ

* المخرج إرنست ب. شودساك ركبه الهوس بالغوريلا وبعد أن نفّذ «ابن كينغ كونغ» وعجز عن تنفيذ سواه، عاد إلى الغابات الأفريقية ليستوحي منها أعمالا مختلفة. واحد من تلك الأعمال حدث سنة 1949 عندما نقل حكاية غوريلا ضخمة أخرى سمّاها «جو يونغ». الكاوبوي بن جونسون لعب الدور الرجالي الأول وتيري مور لعبت الدور النسائي الأول، لكن أحدا لم يتوقّف لمعرفة من لعب شخصية الغوريلا..