شاشة الناقد

زيرو مصطفى

توني ريفولي ورالف فاينس في «فندق بودابست الكبير»
TT

The Grand Budapest Hotel إخراج: وس أندرسن أدوار أولى: رالف فاينس، توني ريفولي، ف. موراي أبراهام، أدريان برودي، جود لو، توم ولكنسون، وليم دافو، تيلدا سوينتون..

تقييم الناقد:(*4) من الراوي الأول (وس أندرسن) إلى الراوي الثاني (توم ولكنسون) ومنه إلى الراوي الثالث (ف. موراي إبراهام) ينتقل «فندق بودابست العظيم» مزيحا عدة ستائر قبل أن يبدأ قص حكايته. يذكّرك هذا المنوال ببعض المسارح القديمة حيث كانت الستارة الأولى تفتح على الثانية والثانية على المشهد الذي نراه. لكن «فندق بودابست العظيم» هو كل شيء تقريبا ما عدا المسرح.

إنه فيلم سينمائي كامل العناصر يوظّف قدرتها على ولوج الأزمنة التي لا يستطيع فن آخر الانتقال بينها سوى سردا أو عبر مخاض يختلف شكلا ومعالجة. توم ولكنسون هو القاص الذي يقرأ لنا كيف وقعت الأحداث. يدخل صبي ويقاطعه. يصرخ فيه ثم يعود إلى هذا الجمهور الذي يستمع إليه. بلقطة لا تأخذ أكثر من ثانية ها نحن ننتقل إلى سنة 1968 والقارئ بات جود لو. ما نراه الآن هو كيف وقع جود لو على الحكاية. من قصّها عليه. لقد اكتشف هذا الفندق الرحب ذا اللون الزهري القابع في بلد أوروبي منسي فوق مساحة صغيرة قرب جبال الألب. ومن حسن حظه أنه سيلتقي هنا بصاحب الفندق بنفسه (إبراهام) الذي يعيش فيه منفردا. يستخدم المصعد الخاص بالخدم وينام في حجرة صغيرة ضيّقة. جود لو يبدي اهتمامه به. يدعو صاحب الفندق للعشاء معه ويسرد عليه الحكاية من بدايتها: الستارة الثالثة.

ما يسرده ممتع على وجهتيه: القصصية والفنية. ننتقل هنا إلى موقع زمني أبعد: فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى وقبل الثانية. صاحب الفندق، هو الآن وقد عدنا إلى الوراء مجددا زيرو مصطفى (توني ريلولوري) الذي التحق بالعمل في هذا الفندق كصبي «اللوبي» الذي يكسب ثقة.غوستاف، مدير الفندق (رالف فاينز) فيرتاح له ويتّخذه مساعدا له. زيرو جاء من بلد عربي ما (يعطيه المخرج اسما خياليا كاسم البلد الذي تقع فيه هذه الأحداث). عندما تموت واحدة من كبار الأثرياء (تيلدا سوينتون في دور قصير) تؤول لوحة فنية نادرة وثمينة إليه. غوستاف لم يكن مجرّد مدير الفندق بل مواسي وحيداته العجائز حينا وذا العلاقات العاطفية المستترة مع بعض النزيلات الأصغر سنا أيضا. ابن الراحلة (أدريان برودي) يرفض الإقرار بأن تؤول اللوحة إلى غوستاف ويعتمد على مساعده القاتل (وليم دافو) بالتخلص منه، هذا قبل أن يكتشف أن غوستاف سرق اللوحة من البيت فعلا. في الوقت ذاته يحاول التحري (إدوارد نورتون) معرفة الحقيقة. إلقاء القبض على غوستاف ليس مشكلة لكن هروبه من السجن بمساعدة زيرو هو بداية فصل آخر لا يمكن تلخيصه هنا سوى بالقول إنه يشكل امتدادا رائعا لما بدأ كحكاية غريبة التأليف والعناصر وانتهت وهي ما زال في فمها كلام لم تقله.

من الألوان المختارة في تشكيل أقرب إلى ريشة رسّام، إلى المونتاج الذكي المستخدم طوال الفيلم في إيقاع لا يهدأ. من الشخصيات التي توالي الظهور كما لو كانت شخصيات موزعة في كتاب تاريخي قديم، إلى كنه الحكاية التي لا تتوقّف عن النمو (ولو أنها تتعثر إيقاعا بعض الشيء في منطقة الوسط) ومن ذلك إلى بعض الإيحاءات الناقدة لمواقف عنصرية جاهزة هنا وهناك، يستمر الفيلم بمنوال ساخر ومشبع بالتجديد في الوقت ذاته. أفلام وس أندرسن لا تنجح جميعها في تجسيد ملامح فنّه، لكن هذا ينجح أكثر من سواه ولا يتوقّف عن كونه ترفيها مثيرا في الوقت ذاته.