المشهد

ثلاث حلقات

TT

* لمن يكتب الناقد السينمائي؟ لنفسه؟ لزملائه؟ أم للقراء؟

الغالبية تكتب للثلاثة معا: يكتب الناقد لكي يعبّر عما يراه يحتاج التعبير عنه. ويكتب لكي يتواصل خفية مع زملائه وليكون حاضرا بصوته بين أصواتهم، ثم يكتب للقراء أو من بقي منهم محافظا على نقطة تواصل.

* لكن هذا الترتيب (الأنا، الآخر القريب ثم الآخر البعيد) ليس بالضرورة الترتيب الصحيح الذي عليه أن يسود علاقة الناقد بهذه الجوانب الثلاثة. لم لا يكون القارئ هو الأقرب إليه من سواه. من ذاته هو إذا ما استطاع؟ لماذا على هذا القارئ أن يبقى في المحيط العام تتوجه إليه الكلمات من بعد مرورها على ذات الناقد لكسب رضاه الشخصي، ثم تُبث إلى النقاد الآخرين من باب حب الظهور وإثبات الحضور قبل أن تنتهي عند القارئ؟

* من السبعينات والنقد العربي يعيش حالة متذبذبة في علاقته مع الجموع. في البداية كانت العلاقة أكثر حيوية وديناميكية: الناقد في الصحيفة يظهر في النوادي السينمائية وصالات الفن والتجربة. الحياة الثقافية والفنية المنتعشة تساعده على أن يرى وجه ذلك الجمهور وأن يراه الجمهور اتفق معه أو لم يتفق. لاحقا، عندما بدأت السنوات تمر مع ما كانت تشهده من أوضاع متماوجة بقي الناقد في مكانه لا يبرحه. إما لازم موقعه الأكاديمي أو لازم رغبته في تطبيق شروطه هو على كل فيلم يراه بحيث يطلي كل منها باللون الذي يرمز إلى الرأي الذي يعتنقه هو.

* لكن القارئ لا يريد أن يشارك الناقد وجهته التعميمية تلك. لا يستطيع أن يوافقه دوما على أن نوعا واحدا من الأفلام، هي تلك التي تحمل قدرا من الفن، هي التي عليه أن يحبّها ويكترث لها، أو أن مخرجا أو اثنين يتلازمان في بضع خصائص تعبيرية هما الوحيدان اللذان يستحقان التوقّف عندهما أسوة عن كل من زخر به التاريخ من مخرجين. القارئ لا يؤمن بهذا التقسيم في حين أن الكثير من النقاد يؤمنون به ويمارسونه. هذا مريح لهم لأنهم لا يستطيعون دخول الفيلم بل يريدون النظر إليه من الخارج فقط.

* العلاقة القائمة بين فريق من النقاد (وهو فريق كبير عدديا) والفيلم السينمائي أشبه بعلاقة راكب المصعد الكهربائي. لقد اعتاد ضغط الزر وها هو المصعد يأتيه ويتوقف عنده ويفتح له الباب. في حين أن العلاقة الصحيحة هي أن يلج الناقد التجربة كاملة. أن يدلف إلى عرين الفيلم ليعيشه ويعايشه ويحكم عليه من داخل التجربة وليس من خارجها وبالنظر إليها فقط.

* لا عجب أن النقد السينمائي العربي لا يقرأ إلا بحدود عدد محدد دائما من القراء. الصفحات الأخرى، سياسية أو رياضية أو حتى فنية عامة، تتقدّمه. ذلك لأن الكثيرين من القراء توقفوا عن الاكتراث بالناقد وما يرغب قوله. المحافظون على العلاقة هم متيّمون، مثل الناقد وأكثر، بحب السينما. بعضهم يدرك أن الكثير من النقاد فقد بوصلة التواصل، لكن حبّه للسينما هو الذي لا يزال يدفعه للمتابعة. شكرا له.