المشهد: أين ذهبت الوعود؟

TT

* نعم، وقبل كل شيء، هناك أفلام عربية جيـدة يجري تحقيقها في المغرب وتونس ومصر ولبنان وأحيانا في العراق وسوريا. لكن، لا. السينما العربية، وبعكس ما توحيه المهرجانات المقامة لها، ليست بخير.

* كيف تكون بخير والعالم العربي ليس بخير؟ هل تأتي بالمعجزات؟ هل تستطيع فرض عرض فيلم لها في أكثر من صالتين أو ثلاث (واحدة في بيروت والأخرى في القاهرة وربما ثالثة في المغرب) لعرض جديدها المختلف؟ كيف تكون والحروب تحرق الحياة وتدفن الآمال وتبعثر الهمم؟ كيف والأمن الداخلي في معظم الدول المذكورة المنتجة للسينما مثل عاصفة عاتية لا تريد أن تنتهي؟

* حتى في السنوات الصافية كانت هذه السينما صعبة الحدوث. وقعت وأثبتت حضورها وأثمرت سينمات جيدة لمخرجين ما زالوا مضرب الأمثال، فما البال في السنوات الصعبة؟ وهؤلاء المخرجون الذين عرفناهم مبدعين واعتقدنا أننا مقبلون وإياهم على مستقبل رائع.. أين هم الآن؟ أين هو التونسي الناصر خمير؟ السوريان محمد ملص ونبيل المالح؟ اللبناني ميشيل كمـون؟ متى تعود نادين لبكي للعمل؟ وماذا حدث للفلسطيني إيليا سليمان؟ وأين هو مواطنه ميشيل خليفي؟ وماذا عن خيري بشارة وبشير الديك ورأفت الميهي وكم سنة ستمر قبل أن يصنع محمد خان فيلمه المقبل؟ ماذا عن التونسي محمود بن محمود؟ وهل توقـف مواطنه نوري بوزيد عن العمل فعلا؟

* هل هذه سينما عربية نشطة؟ طبعا بعض هذه الأسماء تظهر من حين لآخر. محمد ملص قدم فيلمه الجديد «سلم إلى دمشق»، في أواخر العام الماضي. لكن بعد غياب سنوات مديدة.. ألا نحسب هذه السنوات؟ ميشيل خليفي عاد من عزلته وقدم قبل عامين فيلما بعنوان «زنديق».. كان فيلمه الأول منذ عام 2004، فماذا عن السنوات المهدورة؟

* هل نقادنا الفواحل غائبون عن الغائب وحاضرون فقط عندما يقدم أحدهم على إطلالة؟ هل فقدوا هوية الوظيفة التي يشغرونها وأصبحوا مكتفين بالتنظير لمن حضر؟ هل هم مستسلمون للواقع مكتفون بملء الفراغات؟ هل هناك من يكترث لو صنع نبيل المالح أو الناصر خمير أو سعيد مرزوق فيلما أو لم يصنع؟ إذا كانوا مكترثين فلماذا لا يعكسون هذا الاكتراث؟ إذا كانوا غير مكترثين فهل هم نقاد موضة؟

* لكن السؤال الأكبر ليس حكرا على المخرجين «الكبار» المتوقـفين عن العمل «عمليا»، بل أيضا على كل الجيل اللاحق. الجيل الذي وعدتنا المهرجانات العربية بأنه ولد وسيترعرع وسيكون سينما. أين ذهبت هذه الوعود؟ أساسا كيف جرى إطلاقها، والحال على هذا النحو؟ هل هناك شرايين تسويقية وصناعية وتوزيعية تمدهم بالتمويل الذي هو شرط تحقيق أفلامهم؟ هل هناك صالات عرض تعرض لهم؟ مسؤولة في أحد أكبر المهرجانات قالت ردا على هذا السؤال: «هناك ثلاثة أفلام مما قدمها مهرجاننا عرضت في الصالات السينمائية تجاريا».. ربما، لكن هناك 33 فيلما تستحق العرض كل عام، ولا تجد عرضا.

* للإيضاح، لا أحمل مهرجانات السينما من القاهرة إلى أبوظبي ودبي وإلى مراكش أي لوم. تفعل ما يجب أن تفعله، وهو استقبال الجيد المتوفر من الأفلام العربية وعرضه. وهي ليست مسؤولة إذا تسابق موزعو الأفلام على حضور حفلتي الافتتاح والاختتام في أي من هذه المهرجانات، لكنهم تمنـعوا عن شراء فيلم واحد لعرضه.

* هناك خلط كبير في هذا الواقع، وسوء تعميم، وقلة إدراك، وإذا لم يتحسـن الطقس الثقافي (المرهون بالطقس السياسي طبعا) وإذا لم يتطور مفهوم العمل السينمائي في هذا الجزء من العالم، فإن السؤال المقبل لن يكون «أين ذهبت الوعود؟»، بل «أين ذهبت السينما؟».