شاشة الناقد

الدبلوماسية التي أنقذت باريس

دبلوماسية بين اثنين
TT

إخراج: فولكر شلندروف أدوار أولى: أندريه دوسولييه، نيلز أرستروب.

فرنسا (2014).

تقييم الناقد: (*4) لم يكتب سيريل جيلي روايات كثيرة ومسرحياته أقل عددا من مؤلفاته الروائية، لكن صاغ سنة 2011 مسرحية جرى تقديمها على مسرح مادلان الباريسي الشهير بعنوان «دبلوماسية» وحققت نجاح جيدا جعل الكاتب المولود سنة 1968 على ألسنة أهل الفن والثقافة في البلاد لبعض الوقت.

الألماني فولكر شلندروف بدوره كان يراوح مكانه منذ سنوات، لقد انطلق واحدا من موجة السينما الألمانية الجديدة في السبعينات، تلك التي احتوت على رينر فرنر فاسبيندر وفرنر هرتزوغ وفيم فندرز ومرغريت فون تروتا و(المتوفاة حديثا) هلما ساندرز - برامز. قدم خلال مسيرته بعض أفضل ما أنتجته السينما الألمانية من أعمال، وبينها «ألمانيا في الخريف» (1978) و«الطبل الصفيح» (1979) و«حكاية مشغولة باليد» (1984) كما قدم فيلما غربيا أولا عن الحرب الأهلية اللبنانية هو «دائرة الخداع» (1981) لكنه دخل مرحلة انقطاع عن العمل أكثر من مرة أولها امتدت من منتصف الثمانينات حتى مطلع التسعينات، ثم تكررت بعد ذلك. وها هو يعود في «دبلوماسية» المأخوذ عن مسرحية جيلي وبنفس بطليها أندريه دوسولييه ونيلز أرستروب.

يحافظ شلندروف على الصيغة المسرحية حين يقدم حكاية الجنرال الألماني الذي أعد العدة لتدمير باريس مع اقتراب القوات الحليفة منها خلال الحرب العالمية الثانية، نسمع دوي المدافع يتردد ونسمعه وهو يكرر نيته تدمير باريس وأوامره للحامية التي تدافع عن المدينة للاستعداد لتفجير يتسبب في فيضان نهر السين وتدمير بعض الجسور التي عليه. الخبراء التقنيون العسكريون أكدوا له أن أحياء الأوبرا، والسان ميشيل، والكارتيه لاتان، والنواحي الشرقية كلها من باريس ستصبح تحت الماء، هو راض عن ذلك ويعد العدّة لكي يغادر المدينة قبل فوات الأوان.

دوسولييه يؤدي شخصية القنصل الفرنسي الذي يعرف الجنرال والذي يأتيه بغتة في تلك الساعات الأخيرة ليطلب منه إعفاء المدينة من الدمار، الرجلان لا يتفقان؛ واحد يريد تجنيب البلاد تدمير عاصمتها، والثاني يريد الانتقام من فرنسا والحلفاء، كونها حربا مفتوحة، ويحق له ذلك بصرف النظر عن الثمن الباهظ من الأرواح والممتلكات. إلى ذلك، هذا أمر هتلري لا مناص عنه. أكثر من ذلك، هناك تعهد مكتوب يعرّض عائلته للموت أو السجن في المعسكرات إذا خالف الأوامر.

الفيلم، كما المسرحية، سجال مواقف بين الاثنين، شلندروف يخرج عن نطاق الخشبة المحدودة عبر الوسيلتين المتاحتين أمام المخرجين الجيدين أمثاله: الانتقال، ولو مرات معدودات، إلى خارج غرفة الجنرال، وتقطيع المشاهد على طاولة المونتاج بما يتفق وأبجدية قواعد العمل السينمائي.

إلى جانب إبرازه محنة رجلين ومن ورائهما حياة مدينة برمّتها، لدى شلندروف القدرة على تقديم فيلم منظم بالصرامة الألمانية المعهودة، ليس هناك من دقيقة ضائعة ولا حركة مهدورة، طبيعة الفيلم قد توفر كثرة الحوار، لكن تلك الحوارات ليست متكررة ولا تشوه الفعل البصري بكثرتها. أداء لا غبار عليه من ممثلين اعتليا المنصة وتدربا قبل أن يقفا أمام الكاميرا ويعاودا تقديم دوريهما بنضج فائق.