المشهد

كيف يمكن ألا تحب السينما؟

TT

* كيف لا يمكن لك أن تحب السينما، وهي لا تزال شغوفة بتقديم نفسها لكل جيل يأتي، وذلك منذ أن ولدت ذات مرة، في العام 1888 في فيلم من 22 ثانية صوره أوغوستين فيليب لو برينس في حديقة عامة (ما زالت موجودة) تقع في مدينة ليدز الإنجليزية؟

* تكتشف نفسها في كل حقبة من جديد: صامتة وقصيرة وبلا قصة، ثم صامتة قصيرة وبحكاية، ثم صامتة وطويلة تصيغ حكاياتها بتأليف سينمائي مزهر، ثم ناطقة، ثم ملونة، ثم بالأبعاد الثلاثة بالسينما سكوب والسينيراما وبعد ذلك بتخليها عن سياسة المحظورات واجتياحها العالم في وعي لدورها الثقافي والفني في صياغة الفكر، ثم تنتشر عبر وسائط مختلفة للعرض، وتنتقل إلى الديجيتال، وتعود إلى نظام الأبعاد الثلاثة، وها هي ما زالت مبهرة حين يكون الفيلم جيدا، بل - وبالنسبة للملايين كل يوم - ما زالت مبهرة حتى ولو كان الفيلم ضعيفا أو رديئا في نظر النقاد.

* لم لا نحب السينما التي لا تقتل. مليئة أحيانا بمشاهد العنف، يتساقط فيها ألوف القتلى، تباد في حكاياتها الأمم وتتسبب كوارثها في دفع العالم إلى النهاية، لكن ما من ميّت يموت فيها، الممثل الثانوي أو ممثل «المجاميع» ينهض، يقبض أجره وينصرف ليموت في فيلم آخر.

* كيف لا نحب السينما وهي مصدر الحكايات المصورة، هي المرآة الكاملة لهذه الدنيا التي نعيشها.. تنقل، تعكس، ترقب، ترصد، تحلل، تفكر، تنتقد، تقبل، ترفض، لها رأي، ليس لها رأي.. تماما كما نفعل نحن البشر في كل يوم.

* ثم كيف لا نحبها وفيها جيش من العاملين أمام الكاميرا وخلفها، فنانون جادون كل بجهده ساهم في تكوينها إلى اليوم، كيف لا نحبها ونستطيع أن نرى الموتى فيها كما لو كانوا ما زالوا أحياء يتحركون على الشاشة، لقد تم تسجيلهم صورة، ثم صوتا وصورة. اقتطعت الكاميرا من حياته ذلك الدور الذي لعبه، هذا الدور لا يزال موجودا ويتحرك أمامك في كل مرّة يجري فيها عرض ذلك الفيلم.

* في فيلم «فجر كوكب القردة» تمهيد لعالم الغوريللات التي تحكم بعض أنحاء الأرض، تصوير لحياتها وما وصلت إليه، ثم تقديم للبشر ممثلين بالرجل الذي يطأ أرضهم (الممثل جاسون كلارك). من هذه النقطة وما بعد تنتقل وجهة النظر من القرود إلى البشر. فجأة تنهض وراءه غوريللا وتصيح، ثم يظهر عدد كبير من الغوريللات التي استجابت لنداء الغوريللا الأولى. خلال التصوير اضطر المخرج مات ريفز للصياح كغوريللا، لأن الممثل كان وحيدا بين الأشجار. الغوريللات أضيفت لاحقا. حين تحمله الغوريللات إلى «مقر قيادتها» (بالتعبير الدارج) فإن فنيون بشر هم الذين حملوا الممثل. لاحقا في الاستوديو جرى إلباسهم الشكل الحيواني. لا تستطيع أن تدرك ذلك حين ترى الفيلم وإذا لم تسمع ذلك من فم المخرج ذاته أو إذا ما تحدث أحد العاملين الآخرين في الفيلم.

* يكذب عليك جارك «تزعل». يخدعك صديقك تخاصمه. يخدعك عدوّك تحاربه. تخدعك السينما تبتسم لها. كيف يمكن ألا تقع في حب السينما؟ هي فن. هي فكر. هي ثقافة، وهي - في ذات الوقت - تجارة وربح وخسارة. صناعة تؤازرها الملايين تنضح أحيانا بالفن الذي له مهرجاناته، وأحيانا بالترفيه الذي له سوقه الكبير. كل يوم هناك عشرات ملايين البشر يؤمّون السينما. كلهم يحبّونها.