المشهد

مستقبل مهرجاني الدوحة

TT

* أعلن «معهد الدوحة للفيلم» أن رئيس مجلس إدارته، عبد العزيز الخاطر، قدم استقالته من منصبه الذي كان تسلمه في مطلع عام 2013. وجاء في البيان تنويه بجهود الرئيس وشكره على إسهامه «المتعدد» خلال فترة رئاسته. وعن مصادر أن نائبة رئيس «مهرجان أجيال»، المفترض به الانعقاد في الأول من ديسمبر (كانون الأول) وحتى السابع منه، فاطمة الرميحي، هي من ستتولى المنصب مؤقتا إلى أن يجري تعيين رئيس جديد.

* هناك تاريخ مضطرب، حتى الآن، صاحب مساعي الدوحة لتحقيق وثبة في عالم السينما والمهرجانات. في البداية، جرى إطلاق «مهرجان الدوحة» عام 2009 بعد بضع سنوات من إطلاق مهرجاني أبوظبي ودبي. آنذاك، تسلمت إدارته الأسترالية أماندا بالمر التي ربطته مباشرة مع مهرجان «تريبيكا» النيويوركي. عامان بعد ذلك، جرى خلالهما إنشاء «معهد الدوحة للفيلم»، بدا فيهما المهرجان كما لو أنه ما زال يبحث عن هوية أقوى، وجرت تنحية أماندا وانتخاب المصرفي عبد العزيز الخاطر، مكانها، وهو سار حثيثا بهدف تعزيز هذا المهرجان.

* هذا السير لم يتقدم كثيرا، إذ ارتكب القائمون على «مهرجان الدوحة» خطأ قاتلا: تقسيم المهرجان الكبير حجما (ومن قبل أن يحقق نجاحا فعليا) إلى مهرجانين صغيرين هما: «مهرجان أجيال» لسينما الأطفال، و«مهرجان قمرة» للأعمال الأولى والثانية للمخرجين الجدد. ربما بدا ذلك مثيرا على الورق، فما أحب إلى النفس من تشجيع الناشئة على حب السينما وتحفيز صانعي الأفلام الجدد على نيل الدعم لقاء جهودهم الأولى. لكن المشكلة هي أن كلا المهرجانين يحتاج إلى أكثر من مجرد النية لإنجاحهما.

* بداية، فإن الخبرات المتوافرة (بعضها بدرجة مستشار) وجدت أن عليها أن تستمع أكثر من أن تقرر، وأن تراعي أكثر من أن تقترح. كذلك، فإن مهرجانا للأطفال على أهميته هو نوع من الكماليات التي يجب ألا تغني عن الحاجة لمهرجان قوي وكبير. أما بالنسبة للمهرجان المتخصص في عرض الأفلام الأولى والثانية (الذي كان من المفترض إقامته في مارس «آذار» الماضي، لكن موعده جاء ورحل دون أن يفتقده أحد)، فإن مثل هذا الفعل يحتاج أولا إلى ثقافة سينمائية سائدة، تنتج عنها أعمال مستمدة مما تكتسبه تلك الثقافة من معرفة وقدرة على الإبداع. بكلمات أخرى، ما الفائدة لو هللنا لمخرجين جدد ما زالوا يرفضون مشاهدة أفلام كوبولا وفيلليني وأنطونيوني، وبالكاد سمعوا بهيوستون وسكولا وغودار، ولم يشاهدوا شيئا يذكر من أعمال أوزو أو شابرول أو لندساي أندرسن؟

* هذه ليست مشكلة قطرية بحتة. في عالمنا العربي، هناك ذلك الحماس الاصطناعي لتعزيز سينما «الشباب» والسينما «المستقلة» والسينما «المختلفة» التي لا تنبت أعمالها الجيـدة على أغصن الشجر، بل تحتاج لسنوات من العمل ضمن كيان صناعي فعلي. نعم، هناك دوما مخرجون جدد جيدون لكن نسبتهم قليلة، وغالبية الأفلام التي يـتـكل عليها لضخ الخبرة ولمنح علامات الجودة لصانعيها هي تلك التي يحققها طرفان: إما مخرجون ذوو خبرة، وإما مخرجون ينتمون إلى هيكل صناعي موجود، كما الحال مع السينما المصرية الشابة التي برهنت على إبداعات رائعة في السنوات الثلاث الأخيرة.

* كان الأجدى أن يبقى «مهرجان الدوحة» مظـلة كبيرة، بشرط تزويدها بمن لديه خبرات في مجال إدارة المهرجانات وبمن لديه الرؤية الواقعية والطموح البعيد، ثم افتتاح مهرجانات أصغر متخصصة، عوض إيقاف العمل على صرح لم يكن ينقصه التمويل لكي ينجح. فقط المعرفة.

* في هذه الأيام، كل من يستطيع الضغط على زر الهاتف لالتقاط صورة متحركة بات يسمي نفسه مخرجا ويجد في المهرجانات العربية من يستمع إليه من دون كثير من الضوابط. فجأة، صار لدينا أكثر من مائة مخرج عربي جديد، لكن خمسة أو ستة مخرجين فقط هم من يتمتعون بملكة فنية خاصة. الباقون مثل السحب التي تتجمع ثم لا تمطر.