المشهد على المهرجانات أن تولد كبيرة

TT

: * من المفيد جدا أن يتمتّع المهرجان بالميزانية المطلوبة لإقامته. أكثر من ذلك، لو أقيم بميزانية دون الحد الأدنى لحقق جزءا محدودا جدا من أهدافه، حتى ولو نجح في جذب الجمهور إليه.

* يوم أول من أمس، انتهى مهرجان دبي السينمائي الدولي بحفلتين كبيرتين. واحدة لعرض فيلم «Into the Woods» وتوزيع جوائز معينة فيها، والأخرى ساهرة شاملة لضيوف المهرجان. في اليوم التالي (الخميس) بدأ معظم الضيوف في المغادرة سعداء بالأيام الثمانية التي أمضوها في حضرة هذا المهرجان.

* قيل طبعا الكثير عن أن ميزانية المهرجان الإماراتي كانت محدودة، وتكهّن البعض بأنها لن تكفي لتقديم مهرجان سينمائي كبير من المستوى والنوع والتنظيم الذي اشتهر به هذا المهرجان. لكن القائمين عليه فاجأونا جميعا بأن الكثير يمكن استيعابه وفعله بميزانية كانت أقل من ميزانية أي سنة سابقة (يتردد أنها لم تزد على ثمانية ملايين دولار). حتى ولو كان هذا الرقم صحيحا في مقابل أكثر من ستة عشر مليون دولار ميزانية كل دورة من بعض دورات السنوات الماضية، فإن المهرجان برهن على أنه يستطيع الالتفاف على هذا الوضع وتقديم نفسه وأعماله على أكمل وجه ممكن.

* لم يلحظ أحد أي نقص في ديناميكية العمل وحيويّته.. ترد في الخدمات أو عجز في تأمين الشروط المهمّة. لم يلحظ أحد أن المهرجان يلهث أو يعرج أو يتوكأ على عكازه. ولم يشعر أحد بأن الفعاليات تأثرت كثيرا بهذا الوضع رغم غياب بعض الجوائز التي كانت عادة ما تثير المزيد من التكهنات.

* ما استطاع المهرجان المحافظة عليه وتقديمه هو أعلى مما تم تجاوزه أو إلغاؤه. حافظ على مكانته كبيت للسينما العربية. حافظ على وعوده بتقديم بانوراما شاملة وكبيرة لأهم الجديد (هو ومهرجان أبوظبي كل ما يحتاجه المرء لمتابعة جديد السينما العربية) وحافظ على أهم مزاياه: تنظيم إداري كبير وهادئ ومثالي. حفل بنحو ألف مدعو لحفلتي الافتتاح والاختتام من دون خطأ تنظيمي واحد. يدخل الحاضرون القاعة الكبيرة ويتوزّعون من دون مشاكل على المقاعد المحجوزة لهم. لا هرج ولا مرج ولا فوضى لا في التفاصيل ولا في العموم.

* النظام لا يُشترى. صحيح المال يساعد على توظيف القادرين على ضبط الأمور وتسييرها والعمل كعقرب الساعة من دون كلل أو ملل. لكن الأهم هو العقلية التي تدار بها الأمور. لا مكان للتجريب ولا لمبدأ «معلش»، ولا فرصة لغير المتوقّع من المفاجآت غير المحسوبة. كله محسوب والمهرجان في أيامه الثمانية كان مثالا للدقّة. «كان» ربما أشهر على الصعيد الدولي، لكنه أقل تنظيما في بعض الأوجه.

* هناك دائما ما يتحدّث عن ضرورة إقامة المزيد من المهرجانات السينمائية، الذي هو أمر يعتمد على ما قد يستطيع هذا المهرجان الجديد توفيره. لكن المشكلة هي أنك لا تستطيع، في هذا الزمن تحديدا، أن تبدأ بميزانية محدودة وتنجز دورة ناجحة ومثالية، ناهيك عن استمرارها أو تصاعدها. يُقال لنا من حين لآخر «سيبدأ مهرجاني صغيرا وسيكبر بعد حين». هذا كان ممكنا في القرن الماضي. اليوم تبدأ صغيرا إذا أردت أن تبقى صغيرا. من الصعب أن تكبر. وإذا انطلقت كبيرا فلديك بعد ذلك وجهتان: يصيب مهرجانك الهوان متعرضا لمشاكل متعددة فيصغر أو يتغلّب المهرجان على عراقيل الحياة وظروفها ويستمر منطلقا بنجاح. دبي من هذا النوع الثاني.