جرائم لا يطالها القانون

فاضل السلطاني

TT

في هذا العدد، شكوى من اصحاب دور النشر والكتاب في مصر من سرقة مطبوعاتهم وأعمالهم، مما يلحق اضراراً مادية ومعنوية كبيرة بالطرفين. وطالبوا خلال اجتماعهم المشترك الحكومة المصرية ببذل جهود كافية، لوقف التزوير وخاصة تفعيل القوانين القائمة من اجل القضاء على هذه الظاهرة التي تهدد صناعة الكتاب بالشلل.

وذكر بعض الكتاب ان قسماً من ابداعاتهم تظهر ممهورة بأسماء آخرين، كما ان البعض يضع اسمه على مؤلف ليس له.

وفي العدد ايضاً، مقابلة يشكو فيها صاحب مكتبة العبيكان السعودية من حالات القرصنة والتزوير لاصدارات المكتبة، وذكر انه أبلغ وزارة الاعلام السعودية اكثر من مرة عن ذلك. وطالب باعداد نظام شامل يطبقه الجميع من دون استثناء لحماية الفكر والابداع.

وقد نشرنا في «الشرق الأوسط» قبل فترة قصيرة عن حالات سرقة لكتب كاملة. وبالطبع هذه حالات قليلة من ظاهرة مستشرية في الثقافة العربية منذ سنوات طويلة، ويبدو ان لا أحد، غير اصحاب الشأن من الكتاب وبعض الناشرين، مهتم بوضع حد لها.

ومن المعروف ان نجيب محفوظ، على سبيل المثال، لم يقبض شيئاً عن عشرات الطبعات التي صدرت لرواياته خاصة من قبل بعض دور النشر اللبنانية. ولله الحمد، فان سمعتنا في هذا المجال تجاوزت الحدود العربية. فقد اشتكى جابرييل ماركيز، على سبيل المثال، في اكثر من مقابلة معه من القرصنة التي يتعرض لها من قبل دور النشر العربية التي لم تكلف نفسها حتى عناء الحصول على موافقته لترجمة اعماله.

والسؤال الآن: لماذا لم يتم لحد الآن فعل شيء؟ بالرغم من اننا نسمع من اولي الأمر، ومنذ سنوات، عن خطوات اتخذت، في هذا البلد العربي او ذاك، لصيانة وحماية الملكية الفكرية والأدبية؟ لماذا لا تعامل سرقة الجهد الفكري كما تعامل السرقات الجنائية الأخرى؟ هل يعود ذلك الى احتقارنا اللاواعي، اذا أحسنا الظن، الى العملية الثقافية برمتها؟

واذا كان المرء يتفهم خوف بعض الحكومات العربية من الكتاب، فتفعل الأعاجيب في محاصرته، حتى تستغرب براعتها في ذلك، فانه من الصعب تصور عجز المسؤولين القائمين بشؤون الثقافة وبعضهم مثقفون، من وضع حد لعمليات التزوير والسرقة حتى لدافع اقتصادي. فصناعة الكتاب، بالرغم من عدم ازدهارها، لها حصتها، غير المنظورة دائماً، في اقتصاد أي بلد، وانظلاقاً من هذه الحقيقة; يسن كثير من بلدان العالم ، قوانين صارمة لحماية هذه الصناعة ، كما أشار بحق اصحاب دور النشر والكتاب في مصر.

ادراكنا لتخلف بلداننا لا يعفينا من الضرب على هذا الجدار او ذاك، خاصة ان هناك قوانين سنت على الورق فيما يتعلق بالملكية الفكرية والادبية في اكثر من بلد عربي. ووقع ايضا اكثر من بلد عربي على الاتفاقية الدولية لحماية هذه الملكية. ويمكن استغلال ذلك من قبل الكتاب والناشرين الذين يتعرضون للانتهاك المادي والمعنوي. صحيح اننا لا نملك تراثا قضائيا فيما يخص هذه القضايا، كما في بلدان اخرى، واننا اعتدنا اللجوء للصحف بدل القضاء، فتنسى هذه القضايا الى حين لتعيد انتاج نفسها بشكل آخر، لكن يبقى اننا قادرون، كتابا وناشرين ومسؤولين، اذا توافرت الجدية، على خلق اعراف ترتفع الى مستوى القانون. ويمكن في هذا المجال تشكيل لجان مختصة من اتحادات الكتاب واتحاد الناشرين العرب والمسؤولين في وزارات الثقافة والاعلام لمتابعة هذه القضايا ورفعها للقضاء. فالاصلاح الشامل في بلداننا قد يتطلب امدا لا احد يعرف أجله، وبانتظار ذلك، لا بد، كما يبدو، من خطوات جزئية في هذا المجال او ذاك.